الطب > مقالات طبية

داءُ كروتزفلد-ياكوب

هوَ مرضٌ قاتِلٌ يسببُ تنكساً سريعاً في القشرة الدّماغية, ويتظاهرُ بالخرفِ والتدهورِ السريعِ في القدراتِ العقلية. ورغم نُدرةِ حدوثه, حيثُ يصيبُ 300 شخصٍ فقط سنوياً في الولاياتِ المتحدة, إلَّا أنَّه يعتبرُ الأشيعَ ضمنَ عائلةِ أمراضٍ تُعرفُ باسمِ اعتلالاتِ الدِّماغ الإسفنجيةِ المُعدية, والتي سُميت تبعاً لتأثيرها على الدماغ, حيثُ تسببُ تشكُّلَ ثقوبٍ صغيرةٍ في النسيجِ الدِّماغي تجعلُهُ مشابهاً للإسفنجِ عندَ فحصِهِ تحتَ المجهر.

الأسباب:

توجدُ ثلاثةُ أشكالٍ منَ الإصابةِ بالمرض. أكثرها شيوعاً وانتشاراً داءُ كروتزفلد-ياكوب الفرادي, والمسؤولُ عن85% على الأقلِّ من الإصاباتِ السنويَّة في الولاياتِ المتحدةِ تبعاً للمعهدِ الوطنيِّ للصِّحة (NIH), ويُعرفُ بكونِهِ يصيبُ الأفرادَ الذينَ لا يملكونَ أيَّ عاملِ خطرٍ للإصابةِ بالمرض. علماً أنّ عواملَ الخطورةِ تتضمنُ التقدمَّ بالعمر, وجودُ أفرادٍ من العائلةِ مصابينَ بالمرضِ وسوابقَ تلقي المريض لطعومٍ أو أنسجةٍ عصبيةٍ من أدمغةِ أشخاصٍ مصابينَ بالمرض.

وهناكَ الشَّكلُ الوراثيُّ والذي يشكلُّ 5-10% من حالاتِ الإصابةِ تبعاً ل(NIH).

ولدينا أخيراً الشكلُ المكتسب, وهو نادرٌ جداً إذ يُعتبرُ مسؤولاً عن 1 % من الحالاتِ فقط منذ أنْ وُصف المرضُ للمرةِ الأولى عام 1920.

هناك أيضاً شكلٌ من المرضِ يختلفُ عن الشكلِ الكلاسيكيِّ يدعى الشكلَ المتعدد. ويعتقد الباحثونَ أنّ هذا الشكلَ مرتبطٌ بمرضِ جنونِ البقر. حيثُ وُصفَ المرضُ للمرةِ الأولى عام 1996, وهناك اعتقادٌ بكونِهِ ناجماً إمَّا عن تناولِ لحومِ المواشي المصابةِ بمرضِ جنونِ البقرِ أو نتيجةَ نقلِ دمٍ من أشخاصٍ مصابين به, إلَّا أنّ الدراساتِ لم تستطعْ تأكيدَ هذهِ الفرضيَّةِ أو الإجماعَ على صحَّتِها. وبعكسِ الشِّكلِ الكلاسيكيِّ الذي يميلُ لإصابةِ الأشخاصِ فوقَ عمرِ الـ60 فإنّ الشَّكلَ المتعددَ يميلُ لإصابةِ الأشخاصٍ بعمرٍ أقلَّ منَ الـ 30.

مرضُ البريونات:

يُعتقدُ بأنّ الداءَ مُسبَّبٌ بالبريونات, وهي جزيئاتٌ بروتينيةٌ يمكنُ أنْ تتكاثرَ منْ تلقاءِ نفسِها وتصبحَ معدية.

ولكنْ ليستْ جميعُ البريوناتِ مميتة, حيثُ أنّ البريوناتِ الطبيعيةَ المعروفةَ بالبريوناتِ الحسَّاسة, تنتجُ بشكلٍ اعتياديٍ من قِبَلِ الخلايا السليمةِ في النَّسيجِ العصبيِّ الدِّماغي. وفي الجهةِ الأُخرى نجدُ البريوناتِ المقاومةِ أو الطافرةِ والتي تتشكلُ بسببِ طفرةٍ في الجينِ المسؤولِ عنْ تشكلها, وتتكاثرُ مشكلةً سلاسلَ طويلةً من البروتيناتِ السَّامة للخلايا.

هذه السلاسل الطويلة, المعروفةُ باسمِ أليافِ الأميلوئيد, تدمِّر الخلايا الدماغية السليمة, وعندها تقوم الخلايا الأُخرى المعروفةُ باسمِ الخلايا النَّجميةِ بابتلاعِ الخلايا الميتة مسببةً ثقوباً ضمنَ النَّسيجِ الدِّماغي.

الأعراضُ و العلامات:

يُعتبرُ الخرفُ المُتَرقي بسرعةٍ العرضَ الأكثرَ شيوعاً للمرضِ تبعاً لـ(NIH). وأيضاً, تتضمنُ الأعراضَ الباكرةَ للمرضِ اضطرابَ الذاكرةِ والقدرةِ على المحاكمةِ والتفكيرِ إلى جانبِ اضطرابِ القدرةِ البصرية.

كما قد يعاني المرضى منْ أعراضٍ أخرى نذكرُ منها: (الأرق, الاكتئاب, تراجعٌ في القدرةِ المعرفيةِ والسلوكية, تشنجاتٌ عضليةٌ لا إرادية(رمع عضلي), عمى, فقدُ القدرةِ على الحركةِ والكلام, والسباتُ في المراحلِ المتقدمة).

وعلى الرَّغمِ منْ أنّ المرضى لا يعانونَ من التَّرفُعِ الحَروريِّ أو الأعراض الشبيهةِ بالزُّكام, إلَّا أنَّهم قد يصابون بذاتِ رئةٍ أو إنتاناتٍ أخرى قد تكونُ مميتة.

فخلافاً لمرضِ الزهايمرِ أو مرضِ هانتينغتون, اللذين يسببانِ أيضاً تنكُّساً في الأنسجةِ الدِّماغية, فإنّ مرضَ كروتزفلد-ياكوب يتطورُ بسرعةٍ كبيرة. وتبعاً للمعهدِ الوطنيِّ للصِّحة فإنّ 90% من المرضى يموتونَ خلالَ سنةٍ من التَّشخيص, إلا أنّ بعضَهم قد يموتُ خلالَ أسابيع. وغالباً ما يكونُ سببَ الوفاةِ قصورَ القلبِ أو التنفسِ أو ذاتَ الرئة.

التَّشخيص:

إنّ الأساليبَ التشخيصيةَ تعتمدُ على قياسِ الفعاليَّةِ الكهربائيةِ للدِّماغِ من خلالِ تخطيطِ الدِّماغِ الكهربائي, وتصويرِ الدِّماغ بالمرنان. إلَّا أنّ التشخيصَ النهائيَ المؤكَدَ يعتمدُ على أخذِ خزعةٍ منَ النَّسيجِ الدماغي لكشفِ الأذيةِ اسفنجيةِ الشكل. ولكن, نظراً لكونِ تشخيصِ مرضِ كروتزفلد-ياكوب لنْ يساعدَ المريضَ على الشفاءِ أو يعكسَ سيرَ المرض, تُعتبرُ الخزعةُ الدِّماغيةُ غيرَ مستحبةٍ إلَّا في حالِ توجبِ نفيِ الأسبابِ الأُخرى للخَرف.

العِلاج:

لا يوجدُ دواءٌ فعَّالٌ لعلاجِ المرض, وتعتمدُ محاولاتُ العلاجِ على تخفيفِ الألمِ والأعراضِ الأخرى المزعجة.

حيثُ يمكنُ وصفُ المسكناتِ المركزيَّةِ كمشتقاتِ الأفيونِ لتخفيفِ الألم, بينما تفيدُ المرخياتُ العضليَّةُ ومضاداتُ التشنجِ مثلَ كلونازيبام وصوديوم فالبروات في السَّيطرةِ على الرمعِ العضليّ. كما أنّ المريضَ بحاجةٍ إلى بيئةٍ آمنةٍ مريحةٍ سواءٌ في المنزلِ أو المشفى, فخلالَ هذهِ الفترةِ ستتراجعُ قدراتُه العقليةُ بشكلٍ مستمِّر.

وعلى الرَّغم من أنَّ فُرَصَ النَّجاةِ والحياةِ ضئيلةٌ كما رأينا, إلّا أنَّه يوجدُ بحثٌ جديدٌ عن استخدامِ مادةِ polythiophenes في العلاج, حيثُ أظهرَت الاختباراتُ أنّ هذهِ المادةَ ترتبطُ بإحدى نهايتيّ البريونِ المقاوم, وتمنعُهُ من الإرتباطِ بالبريوناتِ الحسَّاسةِ وتشكيلِ السَّلاسلِ البروتينيَّةِ المسؤولةِ عنْ موتِ الخلايا, ولكنَّنا بحاجةٍ إلى المزيدِ منَ الدِّراساتِ والأبحاثِ للتَّأكدِ من آثارها الجانبيَّة وإمكانيةِ استخدامِ هذهِ المادةِ بشكلٍ آمنٍ في العلاج.

المصدر: هنا