التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

عيد الشكر... عندما يتحول تفصيلٌ تاريخي إلى عيد وطني يعفو فيه الرئيس الأمريكي عن ديك رومي...

يعد عيد الشكر أحد أكبر وأهم الأعياد في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. ولكن ما هي الأبعاد التاريخية خلف هذا العيد؟ وكيف تحول من احتفال ديني إلى عيد وطني؟ وما هي أبرز عاداته التي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا؟ تعرفوا على هذا العيد ضمن مقالنا التالي...

الأصول التاريخية لهذا العيد:

يُرجِع الأمريكيون تاريخ هذا العيد إلى عام 1621 عندما اشترك مستعمرو مدينة بليموث "Plymouth" مع قبيلة وامبانواغ “Wampanoag" (إحدى القبائل التي تعد من السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية) في الاحتفال بمناسبة الحصاد الخريفي. فما كان سبب هذا الاحتفال وما قصته؟

بعد تحول إنكلترا من المسيحية الكاثوليكية إلى البروتستانتية على يد الملك هنري الثامن الذي أسس كنيسة إنكلترا وأعلن نفسه رئيساً عليها، نشأت العديد من الفرق المتشددة التي دعت إلى تطهير كنيسة إنكلترا الناشئة من العادات والممارسات الكاثوليكية، دعيت هذه الفرق بالتطهيرية "."Puritansلكنها سرعان ما تحولت من جماعاتٍ تدعو لتطهير الكنيسة إلى مجموعاتٍ تطالب بالانفصال عنها نهائياً. دعواتها هذه تُرجمت وكأنها رفض لسلطة الملك مما جعلها عرضة للتضييق والاضطهاد، السبب الذي دفعهم إلى سلوك طريق الهجرة نحو ما يعرف بالعالم الجديد أو أمريكا.

أما قصة هذا العيد فتبدأ سنة 1620 مع إحدى هذه الجماعات الانفصالية الناشئة وتدعى طائفة "الحجاج، "Pilgrims. ففي أيلول 1620 أبحرت سفينة صغيرة تدعى "Mayflower" من إنكلترا حاملةً معها 102 من المسافرين "الحجاج" الهاربين من بطش الملك جيمس والباحثين عن أرضٍ يستطيعون أن يمارسوا فيها معتقداتهم الدينية بحرّية. وفي شهر تشرين الثاني وصلت السفينة إلى خليج ماساتشوستس في أمريكا وتحديداً إلى ما سيصبح فيما بعد مدينة "Plymouth".

وبسبب قدوم فصل الشتاء وتفادياً للبرد القارص بقي معظم المسافرين في السفينة مما أدى لتفشي الأمراض والأوبئة، فمات الكثير منهم ولم يبقى سوى نصفهم. وفي الربيع التالي نزل ما تبقى من المسافرون "الحجاج،Pilgrims" من السفينة إلى اليابسة ولاقوا ترحيباً من القبائل الأصلية المقيمة هناك. بعد عدة أيام وصل إليهم أحد الهنود الحمر يدعى ""Squanto وكان يجيد الإنكليزية بسبب تعرضه للخطف من قبل أحد البحارة الإنكليز، وبيعه في أسواق العبيد، وهروبه إلى لندن، ثم عودته إلى موطنه في أمريكا. قام سكوانتو بتعليم المستعمرين الجدد الذين كانوا قد أنهكوا من المرض وسوء التغذية كيفية زراعة الذرة وصيد الأسماك وتجنب النباتات السامة، كما ساعدهم بعقد تحالف مع أحد القبائل الأصلية التي تدعى وامبانواغ ""Wampanoag.

في تشرين الثاني من عام 1621 وبعد النجاح الذي حققه المستعمرون الجدد ""Pilgrims في حصاد أول محصول من الذرة، أقام قائدهم "William Bradford" احتفالاً دعا إليه قبيلة وامبانواغ ""Wampanoag المتحالفة معه. ويُعتقَد أن هذا الاحتفال الذي استمر ثلاثة أيام تم فيه أول عشاء أقيم لشكر الله والسكان الأصليين على خلاصهم.

تحوله إلى عيد وطني يجمع الأمريكيين:

منذ ذلك الحين أصبحت الدعوة لأيامِ صومٍ وصلاة وشكر عند الحاجة تقليداً لدى الكثير من المستعمرات في نيو إنغلاند "New England"، فخلال الثورة الأمريكية ضد إنكلترا خصص الكونغرس عدة أيام للشكر والصلاة. وفي عام 1789 أصدر الرئيس الأمريكي جورج واشنطن "George Washington" أول بيان من قبل الحكومة الأمريكية بعيد الشكر، دعا فيه الأمريكيين إلى التعبير عن امتنانهم للنهاية السعيدة التي وصلت إليها حرب الاستقلال وإقرار الدستور الأمريكي.

كل هذه السنوات ظل فيها هذا العيد مجرد يوم غير محدد التاريخ مخصص لشكر الله والتضرع له، إلى أن أطلقت الكاتبة سارة هيل "Sarah Josepha Hale" في عام 1827 حملة للاعتراف بيوم الشكر كعيد وطني يجمع كل الأمريكيين. استمرت هيل ""Hale في حملتها 36 عاماً إلى أن استجاب الرئيس أبراهام لينكولن "Abraham Lincoln" لطلبها. ففي عام 1863 وفي ذروة الحرب الأهلية الأمريكية أصدر الرئيس لينكولن بياناً أوصى فيه الأمريكيين أن يطلبوا من الله أن يشفي جراح الأمة وأن يشمل بعنايته كل الذين عانوا في هذا الصراع الأهلي المؤسف، وقام بتخصيص آخر خميس من شهر تشرين الثاني من كل عام كعيد للشكر.

ومن الأمور الطريفة هي قيام الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت "Franklin Roosevelt" في العام 1939 بتقريب عيد الشكر أسبوعاً واحداً في محاولةٍ منه لإطالة موسم الأعياد المعروف بإنعاشه للأسواق التجارية خصوصاً خلال فترة الانهيار الاقصادي الكبير الذي شهدته أمريكا حينها. لكن خطة روزفلت هذه لاقت معارضة كبيرة مما اضطره إلى توقيع مشروع قانون يخصص الخميس الرابع من شهر تشرين الثاني كعيدٍ للشكر وهو التاريخ المعتمد حتى الآن.

التقاليد المميزة للعيد في يومنا هذا:

حالياً فقدَ عيد الشكر الكثير من أصوله الدينية وتحول إلى وجبة عشاء يجتمع حولها كل أفراد العائلة والأصدقاء. ومما لا شك فيه أن نجم هذه الوجبة الأبرز هو طبق الديك الرومي (الحبش) المنتشر بكثرة في أمريكا. وقد وصل حب الأمريكيين لهذا الطائر إلى درجة مطالبة البعض بجعله الطائر الوطني للولايات المتحدة الأمريكية عوضاً عن العقاب "Bald Eagle". كذلك من التقاليد الغريبة في هذا اليوم والتي بدأت في منتصف القرن العشرين هي قيام الرئيس الأمريكي بإعفاء فرخ من الديك الرومي وإرساله إلى مزرعة للاعتناء به عوضاً عن ذبحه.

في البداية كان الرؤساء الأمريكيون يلتقطون صوراً تذكارية مع فرخ الديك الرومي المرسل لهم من قبل إحدى المداجن. وكان أول من بادر إلى التقاط صور مع الديك الرومي هو الرئيس الأمريكي ترومان ""Truman. لكن وللأسف فبعد الانتهاء من التقاط الصور، كان الديك الرومي يلقى مصيره البائس وهو الذبح والطهي ليقدم على وجبةً لذيذة على مائدة الرئيس في البيت الأبيض. وإنه لمن المعتقد أن الرئيس لينكولن كان أول رئيس يعفو عن فرخ من ديك الحبش بعد توسلات ابنه الذي تعلق بهذا الديك.

وقد كان تصرف لينكولن هذا مجرد مبادرة فردية كررها الرئيس جون كينيدي أيضاً في عام 1963 بتحريره أحد الفراخ مخاطباً إياه قائلاً "هذه هديتنا لك في عيد الشكر". وقد تمكن الرئيس جورج بوش الأب في سنة 1989 من تحويل تلك المبادرات الفردية إلى تقليد رسمي سنوي يقام في حديقة البيت الأبيض. لكن قبل الرئيس بوش الأب قام الرئيس جون كينيدي أيضاً في عام 1963 بتحرير أحد الفراخ مخاطباً إياه قائلاً "هذه هديتنا لك في عيد الشكر".

ومن المثير للاهتمام معرفة الوجهة التي تقضي فيها الفراخ المعفى عنها باقي أيام حياتها التي غالباً ما تكون قصيرة بسبب الإنهاك الذي تتعرض له أعضاؤها وأجهزة جسمها نتيجة عملية التسمين التي تقوم بها المداجن قبل ذبح الفراخ. فخلال سنين كثيرة كان الطير المحرر يقضي بقية حياته في مزرعة في فرجينيا "Virginia"، أما بين عامي 2005 و 2009 فقد كانت الفراخ ترسل إلى مدينة الملاهي الشهيرة ديزني لاند للمشاركة في الاستعراضات السنوية التي تقيمها في عيد الشكر. أما حالياً فتتجه هذه الطيور إلى مزارع مختلفة لتكمل حياتها بحرية.

من العادات المميزة لهذا العيد أيضاً هي المواكب والاستعراضات التي تنطلق في العديد من المدن الأمريكية، ولكن أشهرها على الإطلاق هو الموكب الذي ترعاه سلسلة المتاجر الشهيرة ""Macy's في مدينة نيويورك. ويجلب هذا العرض حوالي 2 إلى 3 ملايين زائر بالإضافة إلى المتابعة الضخمة التي يحظى بها عبر المحطات التلفزيونية.

أيضاً من الأمور المشهورة المرتبطة بهذا العيد هو يوم بلاك فرايدي ""Black Friday الذي يلي خميس الشكر والمعروف بجذبه لأعداد هائلة من المتسوقين بسبب التخفيضات الضخمة التي تقدمها المحلات التجارية.

في النهاية يبقى المحور الأهم في هذا العيد هو تقديم الشكر لله ومساعدة الناس من خلال القيام بأعمال تطوعية أو جمع التبرعات وهذا ما يحرص الكثير من الأمريكيين على تأديته في هذا اليوم.

المصادر:

هنا

هنا