الهندسة والآليات > التكنولوجيا

خيوط مصنوعة من الجلاتين: من مخلفات الحيوانات البروتينية إلى عالم الأزياء

في كل عام يتم تداول نحو 70 مليون طن من الألياف في جميع أنحاء العالم وتقدر نسبة الألياف المصنوعة من منتجات النفط أو الغاز الطبيعي بما يقارب ثلثي هذا المجموع. ومن المعروف أن الألياف الطبيعية الأكثر شيوعاً هي الصوف والقطن لكنها فقدت مكانها في السوق للألياف الصنعية.

بالإضافة إلى أن الألياف المصنوعة من البوليمرات الحيوية النباتية أو الحيوانية هي صديقة للبيئة أيضا تعتبر أكثر البوليميرات المناسبة لصناعة الألياف. في نهاية القرن 19 كانت هناك محاولات لتحويل البروتينات إلى نسيج. حيث قدمت براءة اختراع للمنسوجات المصنوعة من الجيلاتين في عام 1894 لكن بعد الحرب العالمية الثانية أزاحت الألياف الصنعية ألياف البروتين البيولوجية (الألياف الطبيعية) بشكل واضح عن السوق.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كان هناك زيادة في الطلب على الألياف الطبيعية المنتجة من مصادر متجددة باستخدام طرق صديقة للبيئة. وقد شهدت ألياف الصوف على وجه الخصوص نهضة لاستخدامها في الألبسة الرياضية المصنوعة من صوف الميرينو " merino". وقبل بضع سنوات من الآن بدأ رجل أعمال شاب في ألمانيا بصناعة منسوجات ذات جودة عالية من بروتين الحليب "الكازين".

استخدام جديد للنفايات:

أما الآن فقد قدم فيليب ستوسيل، وهو طالب دكتوراه بالغ من العمر 28 عاماً في مختبر المواد الوظيفية (FML) الخاص بالأستاذ فيندلين ستارك، طريقة جديدة للحصول على ألياف ذات جودة عالية من مادة الجيلاتين. حيث تم تطوير هذه الطريقة بالتعاون مع مختبر الألياف في "إمبا سانت غالن". واستطاع توسيل غزل الألياف للحصول على خيوط تصنع منها المنسوجات.

ويتكون الجيلاتين أساساً من الكولاجين، وهو المكون الرئيسي للجلد والعظام والأوتار. حيث تم العثور على كميات كبيرة من الكولاجين في مخلفات المسالخ، ولسهولة تحويل مادة الكولاجين إلى الجيلاتين فقد قرر ستارك و ستوسيل استخدام هذه المادة البيولوجية في تجاربهم.

عامل الصدفة :

لاحظ "ستوسيل" أثناء تجاربه أنه عندما أضاف مذيب عضوي (الآيزوبروبيل) إلى محلول الجيلاتين المائي الساخن ترسب البروتين في أسفل الوعاء. بعد ذلك استطاع باستخدام ماصة تشكيل المادة البروتينية على شكل خيط لانهائي. وكانت هذه هي نقطة الانطلاق لبحثه المميز. وكجزء من أطروحته قام توسييل بتطوير طريقة تصفية وتخليص المادة البروتينية حيث كشف هذه الطريقة في مقال قدمه مؤخراً لمجلة "Biomacromolecules".وتتلخص هذه الطريقة باستبدال الماصة بالعديد من الحقن المرتبة بشكل متوازي. وبتطبيق الضغط عليها تقوم المحاقن بدفع الخيوط اللانهائية الدقيقة ليصار إلى لفها على رولات مغطاة بالتفلون وتتم عملية الغزل ضمن حمام من الإيثانول الأمر الذي يمنع الخيوط من الالتصاق ببعضها ويتيح لها أن تتصلب بسرعة. وباستخدام آلة غزل قام بتطويرها كان "ستوسيل" قادراً على إنتاج 200 متر من الألياف في الدقيقة ثم قام ببرم 1000 من هذه الالياف بواسطة مغزل يدوي لينتج عنها الخيط النهائي الذي حاك منه قفازات كنموذج.

البريق الجذاب:

تتميز الألياف الفردية الناتجة عن عملية الغزل بدقة عالية حيث يبلغ قطر الواحدة منها 25 ميكرومتر فقط، أي ما يقارب نصف قطر شعرة الإنسان. على عكس تلك المنتجة بأول آلة غزل مخبرية اخترعها توسيل فقد كانت الألياف المنتجة سميكة حيث بلغ سمك الليف الواحد 100 ميكرومتر. حينها علق توسيل" كان ذلك سميكاً جداً لإنتاج الخيوط".

ويقول توسييل "في حين أن ألياف الصوف الطبيعية تمتلك قطراً أقل إلا أن سطح ألياف الجيلاتين يتمتع بالنعومة ونتيجة لذلك، فإنها تتمتع ببريق جذاب" وعلاوة على ذلك فإن جسم الليف الداخلي لهذه الألياف يحوي على فجوات كما يتضح من صور المجهر الالكتروني.الأمر الذي قد يكون سبباً للعزل الحراري الجيد لغزل الجيلاتين، وتجلى ذلك بعزل أكبر لقفازات توسيل المصنوعة من ألياف الجيلاتين بالمقارنة مع تلك المصنوعة من صوف ميرينو.

ألياف مقاومة للماء:

إن العيب الرئيسي في الجيلاتين هو قابليته للذوبان في الماء. حيث توجب على توسيل تحسين مقاومته للماء عبر مختلف مراحل التجهيز الكيميائية. أولا كان يعامل القفازات بالايبوكسي من أجل تحسين تماسك مكونات الجيلاتين فيما بينها. بعد ذلك كان يعالجها بالفورم الديهايد بحيث تتصلب بشكل أفضل. وأخيراً قام بتشريبها باللانولين وهو شحم مستخرج من الصوف الطبيعي لجعل ألياف الجيلاتين لينة.

وحالما يكمل أطروحته خلال الأشهر المقبلة سوف يبحث توسيل في كيفية جعل ألياف الجيلاتين مقاومة أكثر للماء. سيما أن أصواف الأغنام لا تزال متفوقة على خيوط الجيلاتين في هذا الصدد. إلا أن توسيل مقتنع بأنه قريب جداً من هدفه النهائي وهو صنع ألياف البوليمر الحيوية من النفايات.

ومن الجدير بالذكر أن الباحثين قد تقدموا للحصول على براءة اختراع على ابتكارهم هذا قبل ثلاث سنوات. وأفاد توسيل بأنهم وصلوا إلى أقصى ما يمكنهم إنتاجه في المختبر لكن الإنتاج التجاري لن يكون ممكنا إلا إذا كان بإمكانهم العثور على الشركاء والتمويل.

المصدر:

هنا