البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

هل يمكن لفيروس ابيضاض الدم البقري أن يكون سبباً لسرطان الثدي عند المرأة؟

لطالما شكَّلت كلمة "سرطان" رعباً لدى الكثير من البشر، بينما كانت عند آخرين حافزاً وتحدِّياً، فهو من أكثر الأمراض التي استعصى علاجها، استئصالها أو حتى التحكم بها من قبلِ البشر. لذا فقد استثمَرَت العديد من المراكز البحثية أموالها وجهود باحثيها في البحث عن أسباب هذا المرض، في محاولةٍ منهم لمنع حدوثه وتجنيب الإنسان شتَّى ألوان العذاب التي عليه أن يواجهها عند الإصابة به.

ويُعدُّ سرطان الثدي من أخطر أنواع السرطانات وأشيعها سبباً للوفاة لدى النساء، الأمر الذي دفع بالعلماء إلى الاجتهاد في البحث والتمحيص، فتوصَّلوا إلى قائمة مطوَّلة من العوامل المؤهِّبة لحدوثه، إذ أنَّ 10% فقط من الحالات ذات خلفية وراثية (عائلية)، بينما الـ 90% المتبقِّية مُنَوَّطة بعدة عوامل خطورة منها العمر، الأدوية الهرمونية، الحمية، نمط الحياة، تناول الكحول وغيرها.

أمَّا العامل المسؤول عن بدء التغيرات االخلويَّة والجزيئية في النسيج الثديي غير معروف تماماً، فالأشعة المؤيِّنة مسؤولة عن أقلِّ من 1% من الحالات غير الموروثة، وبذلك يبقى 90% من الحالات غير معروفة الأسباب.

وقد بدأ الاهتمام بأسباب حدوث سرطان الثدي بإجراء التجارب على الفأر، الحيوان الثديي الوحيد الذي اكتشف السبب الكامن وراء إصابته بسرطان الثدي، وهوفيروس الورم الثديي MMTV الذي ينتقل من الفأرة الأم إلى جرائِها عن طريق الحليب.

ونظرًا لإقبال البشر الكبير على استهلاك الحليب البقري، وانطلاقاً من تلك الدراسات على الفئران، فقد توجَّه العلماء إلى البحث وراء إمكانية كون فيروس اللوكيميا بقريِّ المصدر المرتبط بشكل وثيق بـ (HTLV-1) والمسبِّب لابيضاض الخلايا الدموية البائية عندها وراء إحداث سرطان الثدي عند البشر.

يصيب فيروس ابيضاض الدم القهقري البقري خلايا الدم لدى الأبقار وكذلك النسج الثديية، منتقلاً من خلال الدم أوالحليب الملوَّث به، ولكنه يسبب المرض فقط لدى أقل من 5% منها، وقد بيَّنت نتائج استبيان أجري عام 2007 في مراكز أمريكية لتربية الأبقار أنَّ 100% من منتجات الحليب تحوي هذا الفيروس.

أمَّا ما لم يكن واضحاً حتى وقت قريب، هو إمكانيَّة إصابة البشر بالفيروس، الشيء الذي تمَّ تأكيده في دراسة نُشِرَت العام المنصرم برئاسة Gertrude Buehring البروفيسور في علم الفيروسات المتخصص بالأمراض المُعدِيَة وعلم اللقاحات في مدرسة بيركلي للصحة العامَّة، حيث غيَّر بذلك معتقداً راسخاً منذ أمد طويل عن عدم إمكانية انتقال الفيروس للبشر.

وقد صرَّح Buehring قائلاً: "فشلت الدراسات التي أجريت سبعينيات القرن الماضي في كشف دليل حول إصابة البشر بـ BLV، إلا أنَّ الاختبارات التي نمتلكها الآن أكثر حساسية".

كما تمخَّضَت هذه الدراسة التي نُشِرَت هذا الشهر في مجلة PLOS ONE والمتوافرة على صفحات الإنترنت، بنتائج على قدر كبير من الأهميَّة، إذ قام الباحثون بتحليل نُسُجٍ مأخوذةٍ من ثدي 239 امرأة، وبالمقارنة بين عينات نساء مصابات بالسرطان مع عينات لأخريات ليس لديهنّ تاريخ للإصابة بفيروس الابيضاض البقري BLV، وجدوا أنّ 59% من عينات المصابات قد تعرضن للفيروس، هذا ما تمَّ إثباته بوجود الـ DNA الفيروسي فيها. وعلى نقيض ذلك، 29% من العينات النسيجية كانت سليمة وخالية من السرطان على الرغم من إصابتها بالفيروس.

وقد جرى Buehring في حديثه مصرحاً: "إنَّ الارتباط بين الإصابة بـ BLV وسرطان الثدي شكَّل مفاجأة للعديد من مراجعي الدراسة السابقين، إلا أنَّ الدراسة لم تثبت أن الفيروس يسبب السرطان، وعلى الرغم من ذلك فهي الخطوة الأولى الأكثر أهميَّة على طريق اسئصاله. كما لا زلنا بحاجة إلى التأكد من أنَّ العدوى بهذا الفيروس حدثت قبل، وليس بعد، تطوُّر سرطان الثديّ، وكيف حدث ذلك".

أما تحليل البيانات إحصائيّاً قد كشف عن ارتفاع أرجحية حدوث السرطان في حال وجود إصابة بـ BLV إلى 3.1 مرة أكثر منها في حال عدم وجوده. "نسبة الأرجحية هذه أعلى من نسبة باقي عوامل خطورة سرطان الثدي المنشورة مسبقاً، كالبدانة، شرب الكحول واستخدام الهرمونات بعد سن الضهي، وإذا أُثبِتَ بأنَّ BLV سبب لسرطان الثدي، فإنَّه من الممكن أن تتغيَّر رؤيتنا الحالية للتحكم به، ومن الممكن أن نتوجَّه عندها لمنع حدوثه بدلاً عن محاولة علاجه والتحكم به بعد أن حدث" يقول Buehring.

إذ قد يبزغ أمل جديد عن إمكانية تحضير لقاح يقي من الإصابة به قبل إحداثه لسرطان الثدي كما هي الحال مع سرطان الخلية الكبدية (التي يسببها فيروس التهاب الكبد B، C)، وسرطان عنق الرحم (الذي يسببه الفيروس الحليمي البشري).

المصادر:

هنا

هنا