الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الاستخدامات البيئية للطائرات بدون طيار

ليس توظيف التقنيات الحديثة في الدّراسات البيئية وحماية البيئة والأحياء بالأمر الجديد فتتبع الحيوانات باستخدام نظام الملاحة العالمي وتسجيل أصوات الحيوانات أو وضع أجهزة تنصتٍ تسجل أصوات مناشير قاطعي أِشجار الغابات؛ جميعها تتضمن استغلال التقنية، وفي مقال اليوم نسلط الضوء على الطائرات بدون طيار التي بدأت تلاقي انتشاراً سريعاً ليس في المجال البيئي فحسب بل في شتى المجالات.

جمع كمياتٍ هائلةٍ من المعلومات في وقتٍ قصير، التقاط صورٍ بالألوان الحيّة، قياس مستويات الإشعاع المتسرّب حيث لا يستطيع الإنسان الوصول، وقياس مستويات ثاني أوكسيد الكبريت فوق البراكين، تفقّد المحاصيلِ لكشف الآفات، وإظهار أضرار الأعاصير الساحليةِ وآثارها على النباتات... والقائمةُ تطولُ بالاستخدامات العديدة لهذه الطائرات هذا إن تجاوزنا الترفيهية منها.

تشمل هذه الطّائرات المناطيد والطائرات الورقيّة والشراعية وطائراتِ الأجنحةِ الدوارةِ وذاتَ الأجنحةِ الثابتة التي يمكنها الطيران وفق مسارٍ مبرمجٍ سابق أو بشكلٍ مُتحكمٍ به من شخصٍ على الأرض، وسنحاول تلخيص أهم استخداماتها البيئية:

1 - حمايةُ الحيواناتِ المهددةِ بالانقراض:

كشفت دراسةٌ جديدةٌ أن تزويد الطائرات ذاتية القيادة بكاميراتٍ قياسيةٍ يمكّنها من كشف أوكار الشمبانزي، مما يوفر على الباحثين ساعاتٍ من العمل على الأرض. أصبحت الطائرات بدون طيار قادرةً على رسم خريطة توزّع الشمبانزي في المناطق النائية والكشف عن التغيرات الحاصلة فيها بمعدلٍ أسرعَ بكثيرٍ من طرق المسح التقليدية حيث بات بإمكاننا تحديد الأماكن التي تصل أعداد الأنواع فيها إلى حد التهديد بالانقراض.

يصنف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) الشمبانزي على أنه حيوان مهدد بالانقراض لانخفاض أعداده بشكلٍ كبيرٍ خلال الـ 20-30 سنةً الماضية، ومن الضروريِّ مراقبة مناطق عيشها في سبيل حمايتها. حياةُ الشمبانزي في تجمعاتٍ قليلة الكثافة، خجلها من البشر، تغييرها لأعشاشها بشكل شبه يوميٍ بالإضافة إلى انخفاض كلفة الطائرات بدون طيارٍ وسهولة استخدامها وقدرتها على التقاط عدد كبير من الصور خلال رحلة متوسطة المدة (تبلغ 20 دقيقة)... كلُّ ذلك يجعل من هذه الطريقة مثاليةً لمراقبةِ هذه الحيوانات.

عنيت دراسةٌ أُخرى بمراقبة أوكار قرود إنسان الغاب Orangutans، التي تبني أعشاشها عميقاً ضمن الأشجار وبرزت الطائرات مرةً أخرى كأداةٍ جديدةٍ سريعةٍ وفعالةٍ للكشف عن أماكن هذه القرود، إضافةً إلى أن صورها تضم أنواع الأشجار التي يمكن بمعرفتها التنبؤ بالمناطق المحتمل تواجد حيوان ما فيها اعتماداً على أهمية هذا النوع من الأشجار في نظام ذلك الحيوان الغذائي.

2 - رسمُ خرائط الغابات:

تعتبر الصور عالية الدقة مكلفةً للغاية خصوصاً إذا ما التقطت بالأقمار الصناعية والتي قد لا تبلغ أحياناً ما يكفي من الدقة. تبرز هنا أهمية الطائرات بدون طيارٍ كطريقةٍ غيرِ مكلفةٍ، وكونها مستقلةً وسهلةَ الاستخدامِ للمشغلِ بغيةَ مسحِ ورسم خرائط الغابات وما فيها من تنوعٍ بيولوجيٍّ. تستطيع الطائرة القيام بطلعاتٍ جويةٍ مبرمجةٍ مسبقاً بشكلٍ مستقلٍّ تصل مدتها إلى 50 دقيقةً ومسافتها حتى 25 كم. يمكن لهذه الطائرات اعتماداً على نظام الكاميرا المثبتة تسجيلُ فيديو بدقةٍ تصل إلى 1080 بيكسل بالإضافةِ إلى التقاط صورٍ جويةٍ يمكن جمعها معاً لإنتاجِ خرائط تبين استخدامَ الأراضي في المنطقة المدروسةِ وفي الوقت الحقيقي.

3- ملاحقة الصيادين:

باستخدام الطائراتِ المزودة بكاميراتٍ تستشعرُ الحرارة أمكنَ مراقبة الفيلة وحيوانات وحيد القرن والصيادينَ المتربصينَ بهم تحت جنح الظلام. كان لابدّ أخيراً من توظيف هذه التقنية خصوصاً وأن صيّادي وحيدِ القرن يقتلون في أفريقيا ألف حيوانٍ كل عام ما يعادل حيواناً كل 9 ساعاتٍ تقريباً. ليس ذلك فقط بل إن تزويد الطائرات بخوارزمياتٍ رياضيةٍ عن الأماكن التي يتوقع تواجد الحيوانات فيها يزيد من كفاءتها. يسعى الصندوق العالمي للطبيعة (World Wide Fund for Nature) WWF لحماية وحيد القرن في نيبال بنشر طائرتين بدون طيارٍ لمكافحة الصيد غير المشروع والأنشطة غير القانونيةِ التي تحدث داخل المحميات. صُمِّمت هذه الطائرات لتستطيع الهبوط اضطرارياً في قلبِ الغطاء النباتي، وبحيث يمكن تشغيلها من الهواتف الذكية. يشارُ أيضاً إلى أنّ أزيز الطائرات الشبيه بالنحل يستخدم لإبعاد الفيلة عن المزارع مما يحميها من خطر القتل على يد المزارعين. تعتزم وزارة السياحة والبيئة الناميبية تبنِّي هذه الطائرات لردع الصيادينَ بالتعاون مع الـصندوقِ العالمي للطبيعة أيضاً.

- الكشف المبكر لحرائق الغابات:

مع ارتفاع درجات الحرارة تلوح مزيد من حرائق الغابات في الأفق (اقرأ عن الموضوع من هنا ). كاليفورنيا التي تعاني الجفاف كانت بحاجة ماسـّةٍ إلى نظام إنذارٍ مبكرٍ للحرائق وكانت الطائرات بدون طيارٍ هي الحل بالتعاون مع الأقمار الصناعية فيما يدعى بـ نظامِ التقديرِ المداريّ السريع للنيران Fire Urgency Estimator in Geosynchronous Orbit. يمكــّن هذا النظام من الكشف عن أيِّ بقعة نيرانٍ جديدةٍ في أي مكان في الولايات الغربية من أمريكا بغضون ثلاثةِ دقائقَ وتظهر أهمية ذلك لكون موسم النيران الطبيعية يكاد يمتد على طول السنة.

يتم إطلاق الطائرات على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ في المناطق الأكثر عرضةً للحرائق بحسب بيانات الأقمار الصناعية لتقوم كاميراتها بالتقاط صورٍ للأشعة التي يقع طول موجتها في نطاق 3.9 ميكرو متر وهي طول موجة الضوء المنبثق عن الحرائق والذي لا يكون مرئياً للعين البشرية. يقارن الكومبيوتر المتصل بالطائرة بين الصور القديمة والصور الملتقطة آنياً للغابة حيث يشير الاختلاف إلى وجود حريقٍ بدأَ بالاشتعال. ما يعيق تطبيق هذا النوع من البرامج هو الكلفة العالية والتي لن تلقى دعماً لدى صانعي القرار ما لم تثبت الطائرات كفاءتها. يشار أيضاً إلى أن الطائرات تستخدم في تقدير أضرار الحرائق بعد حدوثها بسهولة.

تلقت ولاية واشنطن مؤخراً موافقة الحكومة الاتحادية على استخدام طائرات بدون طيار لمراقبة حرائق الغابات.

بالمقابل ورغم فائدة الطائرات بدون طيار في مجال حرائق الغابات، إلا أن قيام بعض الأفراد بإطلاق طائراتهم الخاصة ذاتية القيادة أثناء الحرائق يعيق حركة الطائرات العاديّة التي تكون متوجهةً لإخمادها وبسبب تكرار ذلك بدأ التفكير بتغريم أولئك مادياً فكلُّ دقيقةٍ يعطّلون فيها عمل فرق الإطفاء الجوية يزيد من انتشار وحجم الحريق ... تقارير صحفية عديدة تحدثت عن ذلك تجدونها هنا و هنا و هنا

5- زراعة الغابات:

تأمل شركةٌ جديدةٌ بعكس عملية إزالة الغابات عن طريق التشجير باستخدام طائراتٍ بدون طيار، حيث تخطط لتوزيع الشتلات من الجو بحيث يمكن زراعةُ ما يصل إلى مليار شجرةٍ سنوياً. إعادة التحريج الصناعي بهذا الشكل هو ما قد يحُد من تأثير إزالة الغابات حسب رأي الشركة، ويأمل القائمون بأن فكرتهم ستكون بوابةً لإعادة تشجير الكوكب.

ليست هذه التقنية بالجديدة فقد استخدمت للتشجير ولزراعة المحاصيل باستخدام صررٍ من التربة فيها نباتاتٌ حيةٌ أنبتت لتوّها. أجريت أولُ تجربةٍ من هذا النوع العام 1930 لتشجير بعض مناطق جبال هونولولو Honolulu في هاواي. تطورت الفكرة أساساً عن الطريقة التي استخدمها سلاح الجو البريطاني لزرع الألغام الأرضية.

تعتبر هذه الطريقة ذاتَ كفاءةٍ عاليةٍ إذ يمكنُ زراعةُ 900 ألف شجرةٍ في يومٍ واحد. يبدأ تنفيذ الفكرة بدراسة الموقع وملائمته للنوع المزروع حتى لا تضيع البذور سدى. تتألف –القنابل- الملقاة إن جاز التعبير من حاوية قابلة للتحلل تضمُّ بداخلها البذرة وتلقى في أماكنَ لا يُتوقعُ أن توجد فيها منافسةٌ على الماء أو الضوء من النباتات الأُخرى وعلى نطاقٍ واسعٍ وبكثافةٍ عالية.

يتجه العلماء اليوم نحو ابتكار طائراتٍ رخيصةٍ يمكن للدول النامية استخدامها بحيث لا تتجاوز كلفتها الألفي دولار ليصار إلى إدخالها في برامجِ حفظ البيئة فبالنظر إلى فوائدها واستخداماتها الشتى قد تتحول إلى أداةٍ لا غنى عنها إذ يمكن استخدامها إضافةً لما سبق في:

• الزراعةِ ورصدِ الغطاء النباتي في المراعي والتخطيط للحصاد.

• رصدِ التنوعِ البيولوجي ومواطنِ الأحياء.

• دراسةِ خصائصِ التربة.

• رصدِ الآفاتِ ونواتج ضربات الرياح والكوارث.

• رسمِ خرائط الفجوات في تيجان أشجار الغابات لشركاتِ الأخشاب.

• الحدّ من التلوث (اقرأ عن ذلك من مقالنا السابق هنا )

مع كل ما سبق لابدّ من الإشارة إلى القيود الواضحة المفروضة على تطبيقات الطائرات بدون طيارٍ سيّما في المناطق المتأثرةِ بالحربِ حيث يسود الاستخدام العسكريُّ لهذه الطائرات، ومع خوف الناس منها سيصعب تغييرُ وجهةِ نظرهم حتى لو كانت ستُستخدمُ لأسبابٍ وجيهةٍ خصوصاً إذا ما أضفنا مشكلةَ انتهاكِ الخصوصية المرتبطة بهذه الطائرات.

المصادر:

1. Gross M. (2014). Connecting with the natural world. Current Biology, 24(14): R629-R632. هنا

2. Koh L. P. and Wich S. A. (2012). Dawn of drone ecology: low-cost autonomous aerial vehicles for conservation. Tropical Conservation Science, 5(2): 121-132. هنا

3. Martell D. (2007). Forest Fire Management. In: Weintraub A., Romero C., Bjørndal T., Epstein R. and Miranda J. (ed). Handbook Of Operations Research In Natural Resources. Springer US, pp. 489-509. International Series In Operations Research amp; Mana. هنا

4. Paneque-Gálvez J., McCall M. K., Napoletano B. M., Wich S. A. and Koh L. P. (2014). Small drones for community-based forest monitoring: an assessment of their feasibility and potential in tropical areas. Forests, 5(6): 1481-1507. هنا

5. van Andel A. C., Wich S. A., Boesch C., Koh L. P., Robbins M. M., Kelly J. and Kuehl H. S. (2015). Locating chimpanzee nests and identifying fruiting trees with an unmanned aerial vehicle. American Journal of Primatology. هنا

6. هنا

7. هنا

8. هنا

9. هنا

10. هنا