الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

الأرض تتحرك من تحتنا

"تحركت الصفيحة الهندية شمالاً وبشكل سريع في أواخر العصر الكريتاسي (الطباشيري)، حيث أظهرت الدراسات والمحاكاة الرقمية أن السبب في هذا التسارع يمكن أن يكون تحت تأثير المناطق الإندساسية(1)."

إنَّ سطح الأرض مقسم مثل كرة القدم إلى رقع تسمى صفائح تكتونية(2) تتنوع ما بين كبيرة وصغيرة, وهذه الصفائح في حركة دائمة, وينتج عن حركتها هذه عمليات بناء تضاريس الأرض بالإضافة إلى توسيع قيعان المحيطات, وتقترن حركتها أيضاً بحدوث البراكين والزلازل والصدوع والطيات..

إن حركة الصفائح هذه تكون تحت تأثير قوتين، أولهما هي التدفقات الحرارية أو ما يسمى بالتيارات الحرارية الصاعدة(3) في طبقة المعطف على حافات منتصف المحيط وثانيها ما يدعى بألواح السحب.

حالياً فإن حركة الصفائح لا تتعدى الــ 1 إلى الــ 10 سم سنوياً، لكن في أواخر العصر الكريتاسي (الحقب الجيولوجي الثاني) وبداية الباليوجين (الحقب الجيولوجي الثالث) تحركت الصفيحة الهندية بما يعادل ضعف السرعة الطبيعية خلال فترة تعادل20 مليون عام.

هذا التسارع هو بحد ذاته لغز، كما أن فترة التسارع الطويلة هي أمرٌ غريبٌ كذلك. وقد تمَّ عن طريق النتائج والدراسات والتحليل الرقمي إيضاح كيفية تحرك منطقتين إندساسيتين وانغماسهما بنفس الاتجاه وكيفية تقلّصهما معاً وتغير تدفقات التيارات الحرارية في المعطف, إنَّ هذا التغير في تدفقات العباءة هو الذي يحرّك ألواح السحب من المناطق الإندساسية, وهو كذلك يفسر حادثة التحرك السريع على فترة طويلة.

اصطدمت الصفيحة الهندية(4) بالصفيحة الأوراسية(5) منذ ما يقارب 40 مليون عام, وقبل هذا الاصطدام كان محيط النيو تيثيس Neo Tethys يفصل بين الصفيحتين, فكان يحد الصفيحة الأوراسية في الشمال والهندية في الجنوب، حيث كان يعتقد بوجود منطقتين اندساسيتين في هذا المحيط. منطقتي الإندساس هذه تشكلتا عندما كان هناك لوحان يندسان بشكل متوازي بنفس الاتجاه ونتيجة هذا الاصطدام بين الصفيحتين تشكلت جبال الهيمالايا وهضبة التيببت.

تمتلك هذه الصفيحة حافات محيطية نشطة, وهنا تتشكل القشرة المحيطية باستمرار (يتوسّع قاع المحيط), وهي بالتالي تفصل بين منطقتين اندساستين، لذا فمن من غير المفاجئ أن لوحين اندساسيين يقومان بسحب الصفيحة مما يحركها بسرعة أكبر.

أظهرت التحاليل المتعلقة بهذه الصفيحة أنَّ نظامها الديناميكي ليس بهذه البساطة, وقد تمَّ استخدام المعطيات الجيولوجية والمحاكاة الرقمية والتحليل لإعادة بناء تموضع المنطقتين الإندساسيتين ولتقييم تأثيرها على حركة الصفيحة الهندية قبل اصدامها بالصفيحة الأوراسية. وبنتيجة هذه التحليلات وجد الباحثون أن المناطق الإندساسية كانت موجودة قبل ملاحظة التحرك السريع للصفيحة الهندية.

في وقت سابق كانت الحافات المحيطية النشطة تفصل المنطقتين الإندساسيتين ولكن مع ذلك, فلم تزداد سرعة الصفيحة!, بدلآ من ذلك تقلص طول مناطق الإندساس من الــ 10000 كم إلى الــ 3000 كم، تلا ذلك زيادة في سرعة حركة الصفيحة.

حدث هذا التقلص نتيجة اصدام الصفيحة العربية مع مناطق الإندساس الموجودة في الغرب والتلال والأقواس المحيطية النشطة مع مناطق الإندساس التابعة للصفيحة الاوراسية في الشرق.

أظهر الباحثون أيضاً أن التغير في سلوك الصفيحة لم يكن يعتمد على القوى المحرّكة بل على كيفية اتزان التدفقات اللزجة في طبقة المعطف بين نظم الإندساس.

إن تدفقات المعطف بين الصفيحتين مقيدة بطول الخندق الموازي للمناطق الإندساسية الذي يحد من تدفقات المعطف في الأطراف ومناطق اندساس الصفيحة وبالمسافة الفاصلة بين اللوحين.

ففي حالة الإندساس المضاعف فإن الضغط يمكن أن يؤثر على تدفقات المعطف في كل الاتجاهات، فحصر تدفقات المعطف بالتوازي الى مناطق الإندساس يمكن أن يسبب انخفاضاً بمعدل الاندساس العمودي، وبالمثل فإن التقلص بطول الخنادق الموازية لمناطق الاندساس يسمح لمواد المعطف بالتدفق بسهولة أكثر من بين اللوحين، ويسبب ذلك بالتالي زيادة سرعة اندساس الصفائح.

كانت المحاكاة الرقمية التي قام الباحثون بها مناسبة تماماً لتدل على التغيّر النسبي في حجم القوى المؤثرة على حركة الصفائح والقوى المقاومة للحركة، كما كانت مناسبة لتحديد المسافة الفاصلة بين لوحي الإندساس.

هناك أيضاً عدة أسباب من الممكن أن تؤثر على سرعة تحرك الصفائح، على سبيل المثال التيارات الحرارية الصاعدة التي تسرع من تدفقات المعطف وزيادة كثافة الألواح في عملية اندساس الصفائح الأولية في المعطف يسرع أيضآ بالعملية، هذه الآليات بكل الأحوال تؤثر بحركة الصفائح لفترة تتراوح من مليون إلى مليوني عام.

لكن في المقابل فإن آليّة الإندساس المضاعف تستطيع التأثير لمدة عشرين مليون عام كتلك التي حدثت في الصفيحة الهندية بنهاية العصر الكريتاسي.

شرح الباحثين لظاهرة المناطق الإندساسية في محيط النيو تيثيس مكّن من حل لغزين اثنين لاصطدام الصفيحة الهندية والأوراسية، حيث تمكنوا من معرفة سبب تسارع حركة الصفيحة الهندية شمالآ قبل التصادم، كما تمكنوا من معرفة سبب الفترة الطويلة التي بقي فيها التسارع مستمراً.

مع هذه الرؤى والأفكار يمكننا إعادة النظر في الفرضيات التي تتحدث عن دور الألواح في مساعدة أو إعاقة عملية الإندساس ومدى وسرعة تحرك الصفائح.

حاشية:

(1) المناطق الإندساسية: هي المنطقة التي تندس فيها الصفيحة الأولى الى الاسفل عند الالتقاء بالصفيحة الثانية.

(2) الصفائح التكتونية: تتكون الصفائح التكتونية من غلاف صخري محيطي وغلاف صخري قاري أكثر سمكاً، يعلو كل منهما قشرة أرضية خاصة بكليهما.على طول الحدود التقاربية، تغوص الصفائح إلى المعطف؛ وتعوض المادة المفقودة بتكوين قشرة محيطية جديدة عند الحدود التباعدية الناتجة عن تمدد قاع البحر. وبهذه الطريقة، تبقى مساحة الكرة الأرضية الكلية ثابتة

(3) التيارات الحرارية الصاعدة: هي التيارات التي ترتفع من الوشاح (المعطف) إلى القشرة الارضية وتحتك بها ويعتقد أن لها دور كبير بتحرك الصفائح التكتونية.

(4) الصفيحة الهندية: عبارة عن صفيحة تكتونية كانت في الأساس جزءاً من قارة غوندوانا القديمة ولكنها انفصلت عنها وأصبحت صفيحة ضخمة. اندمجت مع الصفيحة الأسترالية المجاورة لها.وهي تمثل اليوم جزءاً كبيراً من الصفيحة الهندية الأسترالية الكبرى، وهي تضم أغلبية جنوب آسيا – أي شبه القارة الهندية وجزء من الحوض الموجود تحت المحيط الهندي، بما في ذلك أجزاء من جنوب الصين وشرق إندونيسيا.

(5) الصفيحة الأوراسية: هي الصفيحة التكتونية التي تضم معظم أوراسيا، باستثناء شبه القارة الهندية وشبه الجزيرة العربية وشرق سيبيريا، والتي تشمل أيضًا القشرة المحيطية التي تمتد غرباً حتى أعراف منتصف الأطلنطي.

السلم الجيولوجي/الستراتوغرافي:

هنا

المصدر:

هنا