المعلوماتية > عام

البنكرياس الاصطناعي؛ عندما تتولى الخوارزميات الرقمية الإدارة

لا تخفى معاناةُ مريضِ السكر والأعباءُ التي يتحملُها نتيجةَ مرضه، إذا يتوجّبُ عليه وخز إصبعه يومياً ليفحصَ نسبة السكر في الدم، وأن يتناولَ وجباتٍ مدروسةً ومحسوبةً بنسب السكر، بالإضافة إلى ممارسة التمارين وضبطِ حقن الأنسولين لحساب كل شيء. والأمرُ الأكثرُ صعوبة هو استمرارُ عبءِ الإدارة الذاتية في الليل والنهار.

الآن، وبعدَ نصفِ قرن من العمل، لاح حلٌّ في الأفق أخيراً، إنه البنكرياس الاصطناعي!

يقوم هذا البنكرياس الاصطناعي بإيصالِ معلوماتٍ من الحساس المزروع الذي يقيسُ نسبةَ السكر في الدم إلى جهازِ كومبيوتر، والذي يقوم بعدها بمراقبة كيف تقومُ مضخةٌ ملبوسةٌ في منطقة الورك بطرح قطرات من الأنسولين تحت الجلد من خلال أنبوبٍ ماصّ. وبهذا تُخرج هذه الآلةُ المريضَ من حلقة اتخاذ القرار، ولهذا السبب يطلق عليه نظامُ الحلقة المغلقة.

"إنها مشكلةٌ تقليدية في تكنولوجيا التحكم، وهي المنهجية المستخدمة في معالجة التحكم"، هذا ما قاله أحمد حيدر، وهو مهندسُ كهرباءٍ يعمل على المشكلة في معهد البحوث الإكلينيكية (IRCM). يشكّلُ حيدر ومجموعته أحدَ الفرقِ الأكاديمية والشركات التي تتنافس لصنع نظام مغلق من أجل البنكرياس الاصطناعي. ويجري الآنَ العملُ على إصدارات جزئية من الحلقة المغلقة، ولا تزالُ العديدُ من الإصدارات الأكثر احترافية تحت التجارب السريرية. العمل الذي يقومون به يعدُنا أخيراً برؤية مكتملة كانت قد بدأت من نصف قرن، وكانت دائماً تبدو قاب قوسين أو أدنى.

يُمثّلُ كلُّ مريضٍ بمجموعة من المعادلات التفاضلية، إذ تُبنى المعايير على أساس المعلومات الفيزيائية ووزن الجسم ومقدار جرعة الأنسولين اليومية، مثلاً. ثم تقوم الخوارزميات الرقمية بإدارة الجرعة من دقيقة إلى أخرى للحفاظ على معدل الغلوكوز في الدم بالكمية الآمنة.

في عام 1978، كتب مهندسٌ في مختبرات سانديا الوطنية في المكسيك، عن بنكرياس إلكتروني، وأنه سيكون مطروحاً خلال ثلاث إلى خمس سنوات. هنا (رابط الصفحة)ولكن هذه المرةَ مختلفة، فالمنتجات الفعلية بدأت تضرب الأسواق، ونظام الحلقة المغلقة أخذ يُعطي المزيدَ في إدارة مرض السكري خلال التجارب. وأخيراً، كل العاملين في المجال متفقون على أن الحل بات قريباً، إذ تتزامنُ العديد من التحسيناتِ في المستشعرات والمحركات والخوارزميات، وحتى الأنسولين لإنتاجِ البنكرياس الاصطناعي.

اطّلع «براين هاريك»، والذي تم تشخيصُ إصابته بمرض السكري من النوع الأول (سكري الأحداث) في عمر الثلاث سنوات، على أحدث نتائج الاختبارات بنفسه في شهر نوفمبر الماضي، خلال تجربة ناجحة على حدِّ تعبيره أجراها في مدينة نيويورك عبر نظام مبتكر في جامعة فرجينيا. وقد تم استخدامُ حساس مستمرٍّ للغلوكوز من "Dexcom" متصلٍ عن طريق تقنية الاتصال المُستخدمةِ في الهواتف المحمولة مع خوارزميات بمضخة من "Rouch" مرتبطة بتقنية البلوتوث.

لقد تم إجراءُ التجربةِ لمحاكاةِ التحكم ليلاً وهو الوقت الحرج لأن المريض قد لا يستيقظ بالموعد المطلوب للتحكم بنوبة انخفاض السكر في الدم.

في الوقت الحالي، عاد «هاريك» إلى روتينه المعتاد باتخاذ القرارات بنفسه، ولكن ببعض المساعدة من قبل حساس الغلوكوز المثبت في أعلى ذراعه، والذي يرسل المعلومات إلى شاشة للقراءة، والتي ستساعده في اتخاذ القرار فيما يتعلق بأكله وكمية الأنسولين التي يحتاجها جسده.

على الرغم من أنه ليس آلياً بشكل كامل مثل النسخة التجريبية، إلا أن المراقبة المتواصلة تعد بحد ذاتها تقنيةً عاليةَ المستوى منذ أكثر من 10 سنوات، وهي التي مهدت الطريق نحو إمكانية المراقبة عن بعد عبر الخدماتِ السحابية. وقد تمكنت شركةُ "Dexcom" من الحصول على موافقة وكالة إدارة الغذاء والدواء على نظام "Dexcom G4 Platinum"، ليتمكنَ الآباء من استخدامه لمراقبة مستوى السكر عند أبنائهم.

هناك الكثير مما يمكن لنظام المراقبة القيامُ به للتأثير على إدارة المرض. على سبيل المثال، يمكن أن يقومَ الأطباءُ باستخراجِ بياناتٍ عن أنماط في المرضى الذين يعانون من انخفاض نسبة السكر في الدم، ثم ضبطِ النظام الغذائي أو جرعة الأنسولين وفقاً لذلك. ويمكنُ أيضاً أن تُستخدم هذه المعلوماتُ لكي تثبتَ لشركاتِ التأمين أن الأموال التي تُنفق على الرعاية الصحية تُحقِّـق نتائج.

تطورت هذه التقنيةُ وفقَ خطواتٍ مدروسةٍ مثل التقدمِ في صناعة السيارات ذاتية القيادة، وخدمةِ الـGPS (خدمة تحديد المواقع). جاءت الخطوة الأولى نحو البنكرياس الآلي في عام 1964 عندما أثبتت التجربةُ في المستشفيات بشكلٍ مبدئي، أنه من الممكن مراقبةُ السكر في الدم. وفي عام 1970، اخترع «دين كامن» مضخةَ الإنسولين، وقد تزامن هذا الحدث مع اختراع مضخة معقدة لرصد الجلوكوز. مع مرور السنوات، أصبحت المضخة أصغرَ وأكثرَ موثوقيةً وقدرةً على التحكم، بالإضافة إلى أنها مريحة، وذلك باستخدام ماصّات حديثة. وقد تمت الموافقةُ على مراقبة الغلوكوز في الدم بشكل مستمر، حيث اُستبدلت الطريقةُ التقليدية في وخز الإصبع برقاقةٍ كهروكيميائية توضع تحت الجلد ويمكنها أن تبقى لسبعة أيام.

أما بالنسبة للمستقبل، فإن ملايين الأشخاص في هذا العالم سيستفيدون من هذه التكنولوجيا، على الرغم من أن النماذج الأولية قد تكون مرتفعة الثمن، ولكن سيتمُّ العمل دائماً على تخفيض تكاليف الإنتاج لتصل إلى أكبر شريحة ممكنة، والآن هذه الآلة في طريقها لقياس نسبة السكر في دمنا وتنظيمه، ولكن متى ستصل إلينا؟ لا أحد يعلم، ربما 50 عاماً!

--------------------------

المصدر:

هنا

--------------------------