العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن

كيف يمكن للتخطيط العمراني الحد من الجريمة والعنف - الجزء الأول

يعتبر موضوع الأمن من أكبر الهواجس التي باتت تسيطر على الفرد في العصر الحديث خاصةً بعد ظهور مجموعة من التهديدات الجديدة التي تتعلق بقضايا الجريمة والإرهاب. إنّ اختيار الشخص للسكن في حيٍّ ما تقوده عدّة خيارات ربما يكون من أهمها مدى شعور الشخص بالأمان في هذا الحي.

إلى أيّ حد يمكن للهندسة المعمارية أن تسهم في تحقيق الشعور بالأمان لدى السكان ؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذه السلسلة المتضمنة الإجراءات المعمارية المرتبطة بتحقيق الأمن والسلامة ضمن الأحياء السكنية.

يواجه الناس العديد من التهديدات التي تمس أمنهم وسلامتهم ضمن الأحياء التي يعيشون فيها، تتمثل بالجريمة وحركة السيارات وتلوث الهواء والماء وغيرها. وبما أنّ العديد من التهديدات الطبيعية يتم تدبرها من قبل المهندسين عند إنشاء المدن، كتأمين الحماية من الفيضانات أو الزلازل، تبقى التهديدات البشرية – الحقيقية أو المفترضة – في تزايد مستمر، وغالباً ما تتعلق التهديدات البشرية بموضوع السلامة الطرقية والخوف من الجرائم.

يرتبط الأمن بـتأمين الحماية للشخص نفسه وعائلته وأصدقائه، بالإضافة إلى حماية الممتلكات الفردية والعامة. ويعتبر غياب الأمن والإحساس بالخطر والخوف من الجرائم أمراً يهدد استخدام الفراغ العام كما يهدد خلق البيئة العمرانية الناجحة. إذا كان الناس لا يستعملون الفراغ، فإنّ ذلك يعود إلى خوفهم أو عدم شعورهم بالراحة في ذلك المكان، فتجنب الناس لاستخدام الحيز العام ضمن أحيائهم يعزى عادة إلى مخاوفهم تجاه بيئات معينة، مثل الحارات المظلمة والمناطق المقفرة أو تلك المزدحمة بنوعية ما من الناس. فمعظم الناس يكرهون الحالات التي يجبرون فيها على استخدام فراغ معين ولا يتم فيها توفير أي خيارات أخرى لهم؛ مثل وجود الأنفاق كوسيلة وحيدة لعبور الشوارع المزدحمة، أو الأرصفة والمداخل الضيقة، وخاصة تلك التي قد يتم اعتراضهم فيها من قبل الناس الذين يسببون القلق كالأشخاص المخمورين والمتسولين والشباب المشاكسين. كذلك الحال نفسه بالنسبة لوجود لفوضى الفيزيائية والاجتماعية مثل الكتابة على الجدران والركام المبعثر والممتلكات العامة المعطلة التي توحي ببيئة خارجة عن السيطرة ولا يمكن التنبؤ بها.

في هذا السياق يجب التفريق بين مصطلحي "الجريمة" و "الفظاظة". ففي حين أن الجريمة تتضمن خرقاً للقانون فإن معظم التصرفات التي تسبب القلق والخوف وتثني الناس عن استخدام الفراغ العام ليست جرائماً بالمعنى الصريح للكلمة، لذلك يطلق عليها عادة "التصرفات الفظة" أو "همجية الشارع".

هنالك خطوتان أساسيتان لمنع الجريمة:

الأولى: منع أو تخفيف الدوافع التي تؤدي بالناس إلى ارتكاب الجرائم، عن طريق التعليم والتوجيه الأخلاقي وفرض العقوبات والغرامات والتطوير الاجتماعي والاقتصادي.

والثانية: هي الإجراءات المتعلقة بمكان ارتكاب الجريمة نفسه، وهي الكيفية التي من خلالها وبمجرد أن يتخذ المعتدي القرار بالاعتداء فإنّ تقنيات معينة تجعل من إمكانية ارتكاب الجريمة في هذا المكان أمراً صعباً. حيث أن دراسة الظروف التي تؤدي إلى صنف معين من الجرائم ينتج نوعاً من الإجراءات التي تسبب تغييرات إدارية وتغييرات في البيئة العمرانية للتقليل من إمكانية حدوث هذه الجرائم مجدداً.

يمكن القول أن التقليل من دوافع الاعتداء هو الأمر الأساسي، ولكن كون هذا الأمر من الصعب التأثير فيه من قبل المخططين المعماريين فإنَّ إجراءات التقليل من فرص ارتكاب الجريمة هي المتبعة. ففي حين أن التصميم يمكن أن يؤثر على الجريمة وعلى عملية الإحساس بالأمان إلا أنه لا يمكنه سوى خلق الشروط المسبقة لبيئة أكثر أماناً، فمن غير الممكن تغيير التصرف أو التقليل من الدوافع الداخلية للاعتداء عند الأشخاص من خلال إجراءات التخطيط العمراني. وسنعرض في المقال القادم مجموعة من الإجراءات العملية التي يتخذها المعماريون للحد من الجرائم حيث أنً القرارات التي

يتخذها المهندسون تؤثر من حيث لا ندري على الكثير من تفاصيل حياتنا، تابعونا لتتعرفوا على أثر هذه القرارات بشكل ملموس.

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر:

Carmona، M.، Heath، T.، Oc، T. and Tiesdell، S. (2003)، Public Places -Urban Spaces - The Dimensions of Urban Design، Architecture Press، Oxford/ United Kingdom. P.119-120