البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

بين الدَّم والدماغ، هل نجد علاجاً للألم؟!

في دراسةٍ هي الأولى من نوعها، يكتشفُ العلماءُ كيفيّة تحويلِ الخلايا الدّمويةِ إلى خلايا عصبيةٍ، فاتحين الباب أمام فهمٍ أفضلَ للأمراض في الجسم.

عندما نجرح أنفسنا، فإنَّ الخلايا العصبية في جسمنا - في جهازنا العصبي المحيطي تحديداً - تستشعر هذا الألم الناتج ومن ثم تقوم بنقل رسائل إلى الخلايا العصبية في دماغنا، لكنّ الآلام العصبية غير النّاتجة عن إصابةٍ مباشرةٍ أو جرح، إنّما عن نوع من الأذية البنيوية في الخلية تكون أكثر تعقيداً، ذلك أنّ نظام الرّسائل لا يقوم بوظيفته على نحوٍ صحيحٍ.

لا يزال فهم الأطبّاء قاصراّ عن معرفةِ سبب هذا النّوع من الألم و كيفية علاجه، لأنّه من الصّعب إجراء الاختباراتِ على الخلايا العصبية مباشرة. و مع أنّه يمكن للباحثين شراء أنواع معينة من خطوط الخلايا العصبية للفئران بهدف اختبار الأدوية، إلّا أنّ هذه الخلايا لا تستجيب دائماً للمُنبِّهات بنفس الطريقة التي تستجيب بها الخلايا العصبية البشرية.

حتى الآن، لم يُعرف سوى القليل فقط عن الألم و كيفية معالجته، والسببُ الرئيسي في ذلك يرجع إلى حقيقة أنّ الجهازَ العصبيَّ المحيطيّ مؤلّفٌ من أنماط مختلفة من الأعصاب، بعضها ميكانيكيّ (للإحساس بالَضغط) وبعضها الآخر للإحساس بالحرارة. و ضمن الشّروط القياسيّة، فإنَّ الدّماغ يستقبل الإحساس بالألم أو الخدر باستخدام إشاراتٍ مُرسلةٍ عن طريق هذه الأعصاب.

يقول الدكتور Mick Bhatia: "تكمن المشكلة في أنّه، وعلى خلافِ عينات الدم أو الجلد أو حتى الخزعة النسيجية، فإنّك لا تستطيع أن تحصلَ على قطعة من الجهاز العصبي للمريض! فهو يسير في الجسم كشبكةٍ معقّدةٍ من الأسلاك فلا يمكن أخذ أجزاءٍ منه كعيّناتٍ للدراسة".

- ما هي العينات المستخدمة للدراسة وما هي أبرز نتائجها؟

يستطيع فريق الدراسة اليوم أن يقومَ بتحويلٍ مباشرٍ لخلايا دموية لإنسان بالغ إلى خلايا عصبية كتلك الموجودة في الجهاز العصبيّ المركزيّ (الدماغ والنخاع الشوكيّ) إضافةً إلى تلك الموجودة في الجهاز العصبيّ المحيطيّ والمسؤولة عن الإدراك الحسيّ للألم والحرارة و الحكة. في طبق مخصص لكلّ مريضٍ على حدى. حيث تمكنوا من إنتاج ما يقارب 100مليون خليةٍ عصبيَّة حسِّيةٍ ابتداءً من عينة دموية لشخصٍ بالغٍ تحوي 50 ألف خلية دموية فقط. ووفقاً للدكتور Bhatia: "لم يسبق لأحد أن قام بمثل هذه الدراسة باستخدام دم إنسان بالغ على الإطلاق!"

قام الفريق باختبار هذه العملية باستخدام عينات حديثة ومجمّدة من دم الحبل السريّ و أخرى من دم إنسان بالغ. كما قام باستخلاص الخلايا الجذعية من عينات الدّم، والتي كانت ستتطوّر إلى خلايا دم حمراء أو بيضاء. وعلى مدار ما يقارب الشّهر، قاموا باستخدام تقنية حاصلة على براءة اختراع لتحويل هذه الخلايا إلى خلايا سليفة العصبية (التي تعطي بانقسامها خلايا عصبية)، والتي يمكن أن تتكاثرَ و تتطورَ إلى خلايا عصبية موجودة في كلّ من الدماغ والنخاع الشوكي، وبقية أنحاء الجسم.

يُمكننا مجازاً القول أنّ الباحثين قد تمكنوا بشكلٍ أساسيّ من "تحويل الدّم إلى جهاز للإحساس"، وبالتالي أصبح بإمكانهم أن يدرسوا بسهولة كيفية تفاعل واستجابة خلايا الجهاز العصبي للشخص لمختلف المنبّهات.

يوفر أسلوب إعادة البرمجة الجديد هذا وسيلةً لمحاكاة خزعة من الدماغ أو الجهاز العصبي.

إنّ هذه الدراسة تمهّد الطريق لاكتشاف أدوية جديدة خاصّة بالألم لا تقوم فقط بتسكين الألم، بل بعلاجه أيضاً. حيث يقول الدكتور Bhatia أنّ المواد الأفيونية غير النّوعية التي استخدمت لعقود والتي من شأنها أن تسبّبَ الإدمان بالإضافة إلى آثرها الجانبية الأخرى لا تزال تُستخدم إلى اليوم.

يلّخص الدكتور Bhatiaحديثه بالقول:" سيساعدنا هذا البحث على فهم استجابة الخلايا للعقاقير والمنبّهات المختلفة، مما يسمح لنا بتقديم علاج طبي فردي أو شخصي للمرضى الذين يعانون من ألم الاعتلال العصبي". ويضيف:"إنّك لا تريد أن تشعر بالنعاس أو الخدر، بل تريد أن تتخلًص من ألمك فحسب. ولكن، لم يمتلك أحد حتى الآن القدرة أو التكنولوجيا اللازمة لاختبار أدوية مختلفة للتوصل إلى الدّواء الذي يمكن أن يستهدف الجهاز العصبيّ المحيطيّ لا الجهازَ العصبيَ المركزيَ لدى مريض بعينه".

يأمل الفريق أن يقوم مستقبلاً بتطوير خلايا عصبيّة مستخلصة من الدّم والتي يمكن أن يتمَّ زراعتها في المرضى لاستبدال الخلايا الدّماغية التّالفة عند الأشخاص الذين يعانون من أمراض كالزهايمر وداء باركنسون.

المصادر:

هنا

هنا

البحث الأصلي: هنا