البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

الذكرى المئوية لبكتيريا الشيغيلّا (Shigella) المسببة للزُّحار البكتيري

بمناسبة الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، هل تصدق صديقي القارئ أن عدد الجنود الذين ماتوا بسبب العدوى البكتيرية أكبر بكثير من الذين ماتوا في ساحات المعارك! دعنا نقرأ هذا المقال للتعرف على الحقائق المتعلّقة بخفايا الحرب العالمية الأولى.

تروي لنا سُلالة من البكتريا عُزلت لأول مرة عام 1915م قصّة المجنّد الشاب الذي توفي بسبب هذا المرض في بداية الحرب العالمية الأولى. إذ لقي العديد من مجندي الحرب العالمية الأولى حتفهم بسبب العدوى ببكتريا الشيغيلا، والتي تتسبب بمرض ومقتل حوالي مئة ألف طفل في البلدان النامية سنوياً.

في أوائل عام 1915، وقبل مرور أقل من عام على بداية الحرب العالمية الأولى أُسعِف المجنّد "إيرنيست كيبل" إلى مشفى "وايميروكس" في فرنسا، حيث كان يشكو من تشنجات في البطن مع إسهال شديد ونزيف. وقد شخَّص الأطباء أنه يشكو من مرض الزّحار والذي تَسبَّب بمفارقة كيبل ابن الـ 28 ربيعاً الحياة بعد فترة قصيرة.

وفي عام 2011، وعلى هامش إحدى المؤتمرات قام الباحث في علوم الوراثة "نيكولاس تومسون" بلقاء "فيليبا براسيغريدل" والتي كانت تعمل حينها في أرشيف منظمة المملكة المتحدة للمجموعات البكتيرية (NCTC) والتي تمتلك أقدم مجموعة للعزلات البكتيرية في العالم، أراد يومها "تومسون" معرفة التفاصيل وراء موت "كيبل"، وقد أشارت له "براسيغريدل" أن مجموعاتها تحتوي على عزلات لبكتيريا الشيغيلا المسببة لمرض الزحار الذي قتل "كيبل"، والتي عُرفت لاحقا بأنها من النوع Shigella flexneri وهي أُولى العزلات البكتيرية التي وُضعت في منظمة NCTC والتي تحتوي اليوم أكثر من خمسة آلاف عزلة في بنكها الحيوي.

وخلال الذكرى المئوية على نهاية الحرب، كان تومسون توّاقاً لمعرفة تفاصيل عن هذه العزلات ودراسة جينوم بكتيريا الشيغيلا وغيرها من الكائنات الممرضة والتعرف على تسلسل المادة الوراثية البكتيرية. على الرغم من ذلك كانت فُرصُه ضئيلة في اكتشاف أشياء جديدة مرتبطة بمرضى ماتوا قبل قرن من الزمن . كان تومسون محظوظاً بوجود أحد الباحثين في مجموعته والتي تدعى "أليسون ماذر" والتي كان لها أبحاث على تاريخ عائلتها العسكري لذا عرضت بأن تقوم بجمع المعلومات حول كيبل. قامت ماذر بالذهاب إلى المشفى الذي مات فيه كيبل والاستفادة من العزلات التي أخذها الملازم "بروغتون ألكوك" في ذلك الوقت -خبير في علوم الكائنات الدقيقة كان يعمل في نفس المستشفى حينها- وقد أحرز تومسون وفريقه تقدماً بدراسة جينوم العزلات التي حصلوا عليها ومقارنتها مع الدراسات المنشورة عن أربع سلالات من بكتيريا الشيغيلا Shigella flexneri، والتي توصّلت إلى أن بلازميد هذه البكتريا يحتوي على العديد من العوامل الإمراضية التي تسبب العدوى. من خلال مقارنة تومسون لنتائج دراسته على عزلاته التي تعود إلى حقبة زمنية قديمة مع نتائج الدراسات الحديثة أصبح من الممكن تحديد التطور الذي طرأ على هذا النوع من البكتريا خلال مائة عام.

وقد وجد الفريق أن بكتيريا الشيغيلا المعزولة من كيبل كانت تحمل دلالات وراثية على قدرتها على مقاومة بعض المضادات الحيوية بما فيها البنسلين. هذا ما جعل تومسون مندهشا وهو يقول أن هذه البكتريا تعرضت للبنسلين طبيعيا قبل حتى أن يستخدمها الإنسان كأدوية! كما وجد الفريق أيضاً أنّ السُلالات الحديثة من بكتيريا الشيغيلا تحتوي على درجة مقاومة أكبر لنفس المضادات الحيوية التي واجهتها بكتيريا كيبل. كما أن هذه البكتريا الحديثة اكتسبت مناعة لمضادات حيوية أخرى خلال تطورها.

و أظهرت دراسة جينوم بكتيريا شيغيلا الحرب العالمية الأولى، أن هذا الجينوم قد تطور بشكل كبير خلال المئة عام مكتسباً بعض الجينات القادرة على مقاومة المضادات الحيوية الحديثة وغيرها من المركبات الكيميائية المختلفة. وهنا تقول الدكتورة هولت أحد الباحثين في الجامعة الأسترالية أن استخدام المضادات الحيوية ومثيلاتها قامت بتغيير المسار التطوري لهذه الكائنات الممرضة لتصبح قادرة على التأقلم لمواجهة هذه العقاقير الطبية.

أخيرأ يقول تومسون أنه في سياق هذه الحرب الطاحنة التي أزهقت ملايين الأرواح في ساحات المعارك و المستوصفات من الصعب على العقل البشري تصديق حقيقة أن عدد الجنود الذين ماتوا من عدوى بكتيرية أكبر بكثير من الذين ماتوا بالرصاص ومن جروح المعارك. هذه الحرب تسببت بنشر العديد من الأمراض المعدية كالزّحار الذي مازال يقتل الملايين حتى الآن.

هامش:

البلازميد: عبارة عن DNA مضاعف حلقي يحمل جينات لصفات معينة كصفة مقاومة مضاد حيوي معين، يستقل بتضاعفه عم تضاعف الكروموزوم البكتيري.

المصادر:

هنا

هنا