علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

تأثير موانع الحمل الفموية على عمل الدماغ.

خمسون عاماً مضت على صنع حبوب منع الحمل التي كانت ثورةً غيرت حياة النساء حول العالم، فحوالي 100 مليون امرأة تستعمل هذه الحبوب التي حازت على استحسان الغالبية العظمى منهن.

ولا يخلو دواء طبي من التأثيرات الإضافية السلبية أو حتى الإيجابية، فهل لحبوب منع الحمل آثاراً نجهلها؟ وهل تتعدى هذه الآثار المضاعفات الجسدية والمزاجية لتغير بنية الدماغ الأساسية؟! في الواقع، تشكو العديد من النساء من تأثيرات جانبية تتفاوت بين تقلبات المزاج والمضاعفات الأندروجينية الذكورية لحبوب منع الحمل، مثل العد (حب الشباب) أو نمو زائد للشعر في أنحاء الجسم، وينتج الأخيرين بسبب تداخل بعض موانع الحمل البروجسترونية مع مستقبلات الأندروجين الذكورية، وهذه الأندروجينات (منها التستستيرون) هي هرمونات ستيروئيدية مسؤولة عن السمات الخاصة بالذكورة، بعض موانع الحمل البروجستينية تحتوي تركيزاً عالياً من الهرمونات الذكورية وبالتالي تسبب الكثير من هذه المضاعفات المحرجة للمرأة، بينما تتميز الحبوب الحديثة منها بتأثيرها المضاد للأندروجين.

خلال سنوات أجريت العديد من الدراسات للبحث في هذه التأثيرات، وتركزت في معظمها حول الآثار الاستقلابية والنفسية، بينما أسهب بعضها في البحث حول الوظائف الإدراكية فوُجد أن هذه الحبوب ترتبط بتغيرات في الذاكرة تتلخص بتعزيز الذاكرة التعرفية واللفظية، ولكن قوبلت هذه النتائج بالتجاهل إلى حد كبير رغم أن الستيروئيد الذي اشتقت منه العديد من موانع الحمل البروجستينية معروف بتأثيره على وظائف الدماغ.

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، أقيمت دراسة تهدف لرتق هذه الفجوة العلمية، أظهرت حينها أن النساء اللات يتعاطين حبوب منع الحمل يمتلكن نصيباً أكبر من المادة الرمادية (نسيج دماغي يتألف من أجسام الخلايا العصبية) في مناطق معينة من الدماغ، ولكن لم تأخذ هذه الدراسة الفعالية الأندروجينية أو فروق السن بعين الاعتبار.

وبناء على هذه المعطيات طوع علماء من جامعة Salzberg ستين امرأة من أجل دراسة جديدة، كانت 20 امرأة منهن لا تتناول موانع الحمل الفموية، 18 امرأة تستخدم حبوب مشتقة من الهرمونات الأندروجينية، و22 تتناول حبوب مضادة التأثير الأندروجيني (الذكوري).

تبين من خلال هذه الدراسة أن النساء اللواتي استخدمن موانع الحمل المضادة للتأثير الأندروجيني يتمتعن بكمية أكبر بكثير من المادية الرمادية في العديد من مناطق الدماغ مقارنة مع النساء اللواتي لا يتناولن أياً من موانع الحمل، وتشتمل هذه المناطق الدماغية منطقة الحصين hippocampus المعنية بالتعلم والحفظ، إضافة للتلفيف المغزلي fusiform face area (FFA) الذي يعتقد بتخصصه في التعرف إلى الوجوه، كما أظهرت الدراسة أن حجم المادة الرمادية يتناسب طردياً مع مدة استعمال موانع الحمل هذه، بينما على النقيض من ذلك، بدت المادة الرمادية لدى متعاطيات الحبوب الأندروجينية أصغر في عدة مناطق دماغية مقارنة بالنساء العاديات (لا يتناولن أياً من النوعين).

لاحقاً، طُلب من المشاركات في الدراسة إجراء اختبار التعرف على الوجوه، حيث عرض عليهن 30 صورة لإناث وذكور مع مدة 3 ثواني لتأمل كل صورة، ثم طلب منهن تمييز الصور التي عرضت عليهن سابقاً من بين 60 صورة تشمل 30 صورة أخرى لم يسبق لهن رؤيتها، ومن خلال هذه التجربة تبين للباحثين أن النساء اللواتي يتعاطين حبوب منع الحمل الفموية المعاكسة للتأثير الأندروجيني قد تفوّقن بشكلٍ ملحوظ في أدائهن على المجموعتين الأخريين، ويرجع ذلك إلى حجم المادة الرمادية في المنطقة المغزلية FFA.

خلاصة الدراسات، أن كلا النوعين الأندروجيني والمضاد له من موانع الحمل قد يبدي تأثيرات مختلفة على بنية الدماغ، ولكن يجب التنويه إلى أن هذه النتائج بنيت على عينة صغيرة من المشاركات، إضافة إلى أنه من الصعوبة بمكان أن نميز أي المكونات في موانع الحمل المركبة هو المسؤول عن تحفيز هذه التغيرات تحديداً.

المصادر:

هنا

هنا

هنا