البيولوجيا والتطوّر > التطور

تطوُّر الرؤية اللونية عند البشر

استمع على ساوندكلاود 🎧

في الماضي، لم تكن عيون أسلافنا كحالنا اليوم، لم يكونوا وقتها قادرين على رؤية هذه الألوان الرائعة حولنا، وإنما كانوا رئيسياتٍ امتلكت رؤيةٍ عاتمةٍ وظليلة، لكن، وبسبب الطفرات التي امتدت على مدار ملايين السنين استطاعوا رؤية ألوان الطيف المرئي كاملةً؛ والآن وبفضل الجهود الحثيثة والدراسة المتواصلة لأكثر من عقدين، تمكن العلماء من الحصول على صورةٍ دقيقةٍ وكاملةٍ لتطوّر الرؤية اللونية لدى البشر.

ولنبدأ في معرفة تفاصيل هذه القصة المشوقة يخبرنا Shozo Yokoyama وهو عالم أحياء في جامعة Emory بأنّهم قد تتبعوا آثار العملية التطورية إلى ما قبل 90 مليون سنةٍ من الآن على الأصعدة الجينية (التي لها علاقةٌ بالمورثات) والكيميائية والوظيفية، وكل ذلك بغية أن يعرفوا كيف انتقل الإنسان من "رؤية الأشعة تحت البنفسجية" إلى "الرؤية البنفسجية" أو بمعنىً أبسط "القدرة على رؤية اللون الأزرق".

ولفهم أسرار هذه العملية التطورية التي شملت البشر وأنواعاً أخرى من الفقاريات، قام العلماء بصناعة الجزيئات السليفة (التي تعود لأسلاف الكائنات الموجودة حالياً)، حيث عليهم أولاً أن يقدّروا ويصنعوا البروتينات والصبغات اللونية (التي لها دور في الرؤية) الخاصة بالنوع المدروس بالاعتماد على التقنيات الميكروبيولوجية والحوسبة النظرية والفيزياء الحيوية والكيمياء الكوانتية والهندسة الجينية.

وفي هذه الدراسة حدد العلماء خمس مجموعاتٍ من جينات الأوبسين* والتي تُشَفِّر (تملك المعلومات الجينية) الخاصة بصناعة أصبغة الرُّؤية الظليلة والملونة، ونتيجة تغير الظروف البيئية المحيطة بالكائن الحي فإن الطفرات الجينية الخاصة بالأوبسينات تؤمِّن تكيُّف الرؤية مع المتغيرات الجديدة.

ولنوضح الصورة أكثر، فإن أسلاف البشر منذ 90 مليون سنة، كانوا كائناتٍ ليليةً ذات رؤيةٍ ثنائية، أي أنهم قادرون على رؤية اللون الأحمر والأشعة تحت البنفسجية، لكن وقبل 30 مليون سنةٍ من الآن، تطورت لديهم أربعة أنواعٍ من الأوبسينات مكنتهم من رؤية ألوان الطيف المرئية (لم يعودوا قادرين على رؤية فوق البنفسجية).

وقد أشار العلماء القائمون على هذه الدراسة، أن سبعة طفراتٍ امتدت لـ 60 مليون سنة (من 90 مليون إلى 30 مليون سنة قبل الآن) أفقدت الإنسان القدرة على رؤية الأشعة فوق البنفسجية وأعطتهم الصبغات الحساسة للون الأزرق (الطيف المرئي).

وفي الواقع، فإن الباحثين وجدوا 5040 طريقةٍ لتغيُّر الأحماض الأمينية (التي تشكل البروتينات والأوبسين هو بروتين كما ذكرنا) لتؤمِّن التغير الجيني اللازم. وقد أُجريت التجارب على الاحتمالات الـ5040 الممكنة، ووُجِد أن الطفرات الجينية السبعة يجب أن تحدث في ترتيبٍ معين حتى نحصل على النتيجة المطلوبة وأنَّ كل طفرةٍ لوحدها لا تسبب أيَّ تأثير.

وبنظرةٍ أعمق، فإن 80% من الاحتمالات الـ 5040 الممكنة فشلت وأرجع العلماء السبب إلى حاجة البروتين للماء كي يعمل وعندما تحدث طفرةٌ قبل الأخرى، فإن الماء لا يستطيع عبور االقنوات الغشائية الخاصة بالبرويتن فلا يعمل. بقي لدينا إذاً 20%، لكن كان هناك طريقٌ تطوريٌ واحد تعرَّض له أسلافنا، وهو ما حدده العلماء في هذه الدراسة.

بتعبيرٍ آخر، كما أنَّ الظروف البيئة تسيّر التطور بالانتخاب الطبيعي، فإن البيئة الجزيئية (على المستوى الجزيئي) تفعل نفس الشيء.

ماذا عن باقي الحيوانات؟

لدينا مثالٌ جيدٌ هو سمكة الـ Scadderfish وهي سمكةٌ تعيش على عمقٍ يتراوح بين 25-100 متر وقد احتاجت إلى طفرةٍ واحدةٍ لتنتقل من "رؤية الأشعة تحت البنفسجية" إلى "رؤية اللون الأزرق" بينما احتاج البشر إلى سبع طفراتٍ على مدى عشرات الملايين من السنين. وسبب ذلك على الأرجح هو أنَّ بيئة السمكة كانت تتغير بشكلٍ أكبر من بيئة البشر.

وخلاصة القول، القصة بدأت عام 1990 عندما بدأ العالم المشرف على هذه الدراسة Yokoyama ومروراً بعام 2008 عندما تم تحديد الشجرة التطورية الخاصة بالرؤية الظليلة لكائناتٍ متعددةٍ انطلاقاً من الأنقليس وانتهاءً بالبشر، هذه القصة أعطت في ختامها رؤيةً واضحةً لتطور الرؤية الملونة للإنسان، حتى على مستوى تغيرات الحموض الأمينية.

الجامعات المشاركة بهذا البحث:

Syracuse University ،

Fatih University، Emory University

المقالة البحثية نشرت في:

PLOS Genetics

الأوبسين Opsin : الأوبسينات هي البروتينات الحساسة للضوء الموجودة في شبكية العين.

المصادر:

هنا

هنا