التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

الستونهينج مُحاط بمعالم غامضة مدفونة!

يقبع في ويلتشر واحد من أهم نصب ما قبل التاريخ في بريطانيا، نصب "ستونهينج"، الذي بني في عام 2000 ما قبل الميلاد، كشفت دراسة حديثة نشرتها قناة Smithsonian Channel حقائق جديدة لم تكن معروفة من قبل، ولكن قبل ذلك فمن المعروف لدينا أن نصب ستونهينج قد بني في الفترة الممتدة بين العصر الحجري والعصر البرونزي ما بين 3000 – 1500 ق.م وبقي الغرض من بنائها موضع تكهنات كثيرة لعدة قرون، آخرها أن النصب قد بني كي يكون مكان للاستشفاء أو لهبوط الكائنات الغريبة، والكثير من التفسيرات التي لم تثمر حتى الآن عن أي تفسير منطقي لما كانت عليه الاستخدامات الحقيقية لتلك الصخور، أو كيف بنيت حتى. إلى أن جاء فريق بحثي بريطاني بالتعاون مع معهد لوفدينيج بولتزمان الآثاري في النمسا، يحذوه الطموح والمغامرة، ببحث استمر لمدة أربع سنوات بدأ في 2009، ليكشف لنا الكثير من المعلومات الخاطئة التي سادت فترة طويلة من الزمن حول تلك الصخور، حيث تم إجراء مسح تحت الأرض للمنطقة المحيطة بستونهينج ضمن مساحة بلغت 4 أميال مربعة، وأظهرت تلك المسوحات نتائج مثيرة.

أظهر المشهد المحيط بالستونهينج كنوزاً مخبأة، فنجد سبعة عشر معلماً طقسياً غير معروف، وبيتاً للأموات يسبق تاريخه دائرة الحجر، بالإضافة لمسار شعائري يحيط بالستونهينج نفسه. لم يكن الستونهينج معلماً منعزلاً كما نراه اليوم، بل كما يقول عالم الآثار فينسينت غافني من جامعة بيرمينغهام البريطانية هو "مجموعة مسرحية كاملة" .

وجد الباحثون خلال رحلتهم أكثر من 15 دليل تحت الأرض لم تكن معروفة من قبل، عن أواخر العصر الحجري الحديث، عربات، خنادق، وأدوات حفر، تشير هذه النتائج إلى نشاط بشري ملحوظ حول النصب لم يكن معروفا من قبل، لقد أظهرت هذه الأدلة أن النصب قد بني ليكون مكان يتم فيه "خلوة" الأشخاص المهمين، ربما كانو كهنة أو رجال مهمين أو غير ذلك، لكن مجموعة من الجثث تم إيجادها ستكشف كل تلك الأمور الغامضة التي تكتنف في طيات الموقع.

قدّم غافني وزملاؤه خريطة مفصلة للمساحة المحيطة بالستونهينج والمقدرة بـ12 كيلومتراً مربعاً. ولم يكن هناك أعمال تنقيبية، إذ قضى غافني وفريقه أربع سنوات بمسح المنطقة باستخدام المقياس المغناطيسي والرادار وأجهزة قياس المقاومة الكهربائية والليزر، فصنعوا صورة مفصّلة لما يقبع تحت المشهد المرئي. وقد تمّ الكشف عن هذه الخريطة في هذا الأسبوع في مهرجان العلوم البريطاني في بيرمينغهام.

عالم مخفي

كان أكثر الاكتشافات إذهالاً هو أقدمها: مدفن رابية طويل يعود تاريخه لما قبل الستونهينج بآلاف السنين. وقد تمّ بناء الرابية على بقايا مبنى خشبي قديم بعمر ستة آلاف سنة يعتقد أنه بيت الأموات. كان يستخدم هذا البيت لحفظ الجثث التي كانت تفكك ويزال اللحم عنها بطرق شعائرية.أما من حيث الشكل للمبنى شكل شبه منحرف، يشابه بذلك الكثير من المباني في قارة أوروبا .

أظهر المسح أيضاً سبعة عشر معلماً طقسياً صغيراً، العديد منها دائري، يعتقد أنها عاصرت أكثر أوقات الستونهينج نشاطاً. و يعتقد غافني أنها كانت كالمصليات الكنسية الصغيرة في وقتنا.

ولكن جدران دورينغتون أو الهينج الأعظم يحمل أسرار أكثر. فبعمق خمسمائة متراً يعتبر أحد أكبر المعالم على الأرض من نوعه. وقد اكتشف فريق غافني أدلة على أنه كان مجانباً بصف من ستين حجراً هائلاً أو ركيزة على ارتفاع ثلاثة أمتار. بعضها بقي سليماً كما هو تحت ركام المَعْلم.

كما تظهر الخريطة أيضاً خصائص متطاولة، يعتقد غافني أنها توحي بأن الأرض كانت مقسمة في أحد الأوقات إلى حقول أو عزبات مبدئية .إضافة لكل ذلك فقد وجد الفريق العديد من الحفر الخندقية والممرات التي تمر عبر المساحة المقصودة، وهم يأملون أن تلك ستساعد على فهم كيفية اجتياز زوار ما قبل التاريخ لهذا الموقع .

فعلى سبيل المثال، كشف المسح عن تجويفين بعمق خمسة أمتار تشكل مثلثاً هائلاً مع الستونهينج. يقول غافني وبذلك يشاهد المارة عبر الممرات بينهما تتابع مشاهد يكشف معالم طبيعية ومصطنعة للمنظر العام تتكشف واحدة تلو الأخرى .

"ينظر الناس لهذه الخريطة ويتعجبون يوجد مخطط !" ولكن في الحقيقة لم يكن هناك مخطط، وإنما ظهر. فما نراه هو تأكيد متجدد على هذه القطعة من الأرض" .

يقول هنري تشامبون من جامعة بيرمينغهام "في السنوات الـ300 التي قضاها الناس يتفحصون الستونهينج بإمعان، يُعد جيلنا أول من سيستطيع أن يفهم كيف ظهرت" .

لمعرفة كيف كان الناس يستخدمون هذا الموقع، استخدم تشامبون تجسيداً يعتمد على العملاء، حيث يتحرك الأفراد الصوريون في المساحة المحددة باتباع قواعد بسيطة. وينوي فيليب مورغاترويد أن يضع المئات من العملاء في الوقت ذاته في المحاكاة ليرى كيف سيتحركون على الممرات وليكتشف الأماكن المميزة التي ستظهر على مساحة المكان.

يمكن أن يوفر هذا بعض المعلومات عن سبب احتلال الستونهينج، والذي بدأ ربما كموقع شعائري ثانوي، موقعاً مهماً في قلب بريطانيا وحتى أوروبا. تحتوي أسنان شخصين على الأقل من أولئك المدفونين هناك تركيباً كيميائياً يقترح أنهم من مكان آخر. "الصبي ذو قلادة الكهرمان" أتى من المتوسط و"رامي سهام الأمزبيري "أتى من الألب.

والسؤال المهم الآن، هل كانت ستونهينج مقبرة أم برلمان أم معبد أم أرض للاستشفاء؟ للإجابة على هذا السؤال لابد لنا أن ننظر أبعد من تلك النظرة القديمة عن مفهومنا للحجار المصفوفة بشكل منتظم، وأن نقرأ وجود الجثث على أنه مجموعة قرائن قد ترشدنا إلى مفاهيم جديدة، فمن خلال جثث الحيوانات والأشخاص الذين تم إيجادهم بالقرب من الموقع يمكن القول أن الناس سافرت مئات الأميال من أجل الوصول إلى هذا المكان.

لنشرح الموضوع بدقة، كيف للحجارة الزرقاء الوصول إلى الموقع قبل 5000 سنة – والتي تزن حوالي 4-8 طن – قاطعة 170 ميلاً من غربي ويليز؟ هل أتت عبر البر أم البحر؟ في هذا الصدد أسهب باركر بيرسون من جامعة كوليدج في لندن في شرح هذه العملية حيث أكد أن الحجارة تم نقلها على ألواح خشبية بمساعدة عشرات الرجال ومن ثم تم نقلها إلى الموقع.

ولكن متى بدأت أول محاولات البحث عن تفسيرات خبايا أرض الموقع؟ هذا ما حاول فعله دوق باكينغهام، حيث قامو بإجراء الحفريات في وسط النصب بحثاً عن الكنز إلا أنهم في المقابل وجدو جثث لماشية وكميات كبيرة من الفحم، ثم حاول ضابط بحري بريطاني لاحقاً الحفر في الموقع سنة 1839.

وعلى مر العصور المتعاقبة وضعت الكثير من الفرضيات التي ما لبثت أن تغيرت أو تعدلت حول أصل النصب، أحدها أن أول حجارة النصب وضعت في عام 2600 قبل الميلاد، بناءاً على دراسة الأكواخ المحيطة بالموقع والجثث التي تم إيجادها والتي ربما تعود إلى العمال الذين بنو الموقع، وفي هذا الفرض يتم التأكيد على أن النصب في الأصل تم إيجاده كي يكون مقبرة للموتى أي بعيداً كل البعد عن الدور الديني اليومي المعتاد.

لكن ماذا عن دور فلكي حقيقي لتلك الصخور، هل تبدد تلك الاكتشافات تلك المعلومة القديمة أم تدعمها؟ لوحظ خلال البحث ضمن الممرات والصخور وجود تشكلات هندسية متوافقة مع شروق الشمس والإنقلاب الصيفي، فإذا مررت خطاً مستقيماً بين الحفرة وصخرة Heelstone ستصل مباشرة إلى الجهة الأخرة ملتقية بشروق الشمس في يوم الإنقلاب الصيفي، وإذا ما نظرنا لبقية الحفر وما يقابلها من صخور سنرى بالفعل روزنامة سنوية شمسية ضمن مثلثات تشكل شروق الشمس وغروبها.

ويتطلع الفريق في المستقبل إلى إجراء المزيد من المسوح على المنطقة وذلك لإتاحة الفرصة من أجل كشف مزيد من الأدلة ربما تخفيها الأرض المجاورة للنصب.

المصدر:

هنا

هنا