علم النفس > القاعدة المعرفية

إيذاء الذات... ماذا يدفعك لجرح نفسك؟

عندما تحدثت الأميرة الراحلة ديانا في مقابلة تلفزيونية لها عن معاناتها مع إيذاء الذات، كانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها الإفصاح بشكل علني عن هذه المشكلة!

فإيذاء الذات هو مصطلح يشمل أي نوع من الممارسات التي يُخضٍع فيها الشخص جسده للألم إرادياً، كجرح اليدين أو الفخذين (بواسطة سكين أو أي أداة حادة) أو الحرق بالسجائر أو صفع الوجه أو الإيذاء بالإبر أو حتى رمي النفس على الحائط وبعض هذه الأفعال قد يصل إلى إصابات خطيرة وقد يُحدث الفرد بذاته عاهات مستديمة.

ولكن ما هي الأسباب التي قد تدفع الأفراد للقيام بهذه الأفعال؟ وبماذا يعود عليهم ايذاء أجسادهم؟ و ماهي الطرق التي يمكننا بها توعيتهم وعلاجهم؟

التوصيف والأسباب:

يعتبر التوتر الشديد و الشعور بالوحدة أو الغضب، بالإضافة الى الضغوط النفسية المتعددة في طليعة الأسباب التي قد تودي بالشخص لإيذاء نفسه جسديا، سعياً منه للشعور بالخدر وإيقاف الالم النفسي والمعنوي. كما أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون بحالة كاملة من فقدان المشاعر وعدم الإحساس بأي شيء على الإطلاق كحالة خدر عام أو لإيقاف عاصفة الأفكار والتخلص من الغضب.

- يعترف الأشخاص الذين يقومون بتلك التصرفات، بأنه يريحهم من الألم النفسي لفترة وجيزة، ويقولون بأنهم يفضلون الشعور بالألم الجسدي على الشعور بالألم النفسي. فإيذاء النفس له فعله البيولوجي في الجسم الذي يدفع الأشخاص للقيام به، فهو يؤدي لإفراز الاندروفينات في الجسم والتي تؤدي للشعور بالنشوة المؤقتة وتخفيف الألم والاكتئاب.

إن إيذاء الذات المتعمد، اذا، لا يعكس بالضرورة وجود نوايا انتحارية لدى الأفراد الذين يقومون به، بل يمثل وسيلة لتنظيم العواطف التي لم يعتد الشخص أن يتعامل معها داخليا، ويؤمن له ملجأً للهروب من الألم النفسي وإفراغه في قوقعة الألم الجسدي، إلا أنه وفي حالات متطرفة قد يصل الأمر إلى محاولات شبه انتحارية كتناول الفرد السموم أو إطلاق النار على نفسه. وليست هذه الممارسات للفت الانتباه او بداعي الانتحار إلا انها من الممكن ان تؤدي الى الموت في حال انجرف الشخص أثناء إيذاء نفسه.

- يقول بعض هؤلاء الأفراد أنهم كبروا مع الخوف من التعبير عن مشاعرهم، وبالأخص مشاعر الغضب والحزن

كما وأن بعض ممن اعترفوا بالقيام بإيذاء أنفسهم قالوا أنهم تعرضوا لنوع من أنواع سوء المعاملة أثناء مرحلة الطفولة كالعنف أو الاعتداء الجسدي أو الإهمال.

- بينما يلجأ بعض الناس والمراهقين خاصة لإيذاء النفس كاستجابة لمشاكل نموذجية تتعلق بفترة النضج كتكوين الهوية (النفسية، العاطفية، والجنسية) و المشاكل العاطفية و الاجتماعية و العزلة و غيرها.

من الافكار الشائعة بين البعض هو الاعتقاد بأن إيذاء الذات هو ليس إلا طريقة لجذب الانتباه يستخدمها المراهقون، الا أن ذلك ليس سوى خرافة، كما أن إيذاء النفس نادرا ما يعكس أي ميول انتحارية، إنما على النقيض تماما فهو يرتبط بالرغبة بالبقاء ويعتبر كنوع من الحفاظ على الذات، وردة فعل للتعامل مع العاصفة النفسية التي تنشأ في داخل الشخص.

درس العالم فافازا هذه الظاهرة ببداية التسعينات وقام بتلخيص الدوافع المتعددة لإيذاء الذات كالتالي:

-الهروب من الفراغ، الهم، ومشاعر عدم الواقعية. 

-تهدئة التوتر.

-التخفيف: إخفاض مستوى الإثارة الانفعالية والفيزيولوجية إلى إثارة يمكن احتمالها.

- التعبير عن الألم الانفعالي.

- الهروب من فقدان الإحساس.

- الحصول على النشوة النفسية أو اليوفوريا. 

- تخفيف الغضب وكبته عند الخوف من التعبير عنه علنا.ً 

- زيادة إحساس الفرد بتحكمه بجسده.

- الإبقاء على الشعور بالأمان أو الشعور بالتفرد.

-التعبير الجنسي.

السلوكيات والتشخيص:

- يعتبر إيذاء الذات تشخيصاٌ مرضياً بحد ذاته، إلا أنه قد يكون أحيانا عرضاً من أعراض اضطرابات ثانية مثل اضطراب الشخصية الحدية، الاضطرابات المزاجية، اضطرابات الطعام، الوسواس القهري، اضطراب ما بعد الصدمة، الاضطرابات الانفصالية، القلق والهلع..

و من الصعب الكشف عن هذا السلوك لأنه يتم بالخفاء وبمناطق من الجسم يسهل إخفاؤها، وهذا دليل اخر على أن هذه الممارسات لا تعكس رغبة بلفت الانتباه بل أن صاحبها يحاول اخفائها شعورا منه بالخجل والندم من فعلته. ويشير الباحثون الى عدة سلوكيات قد تشير إلى إيذاء الذات كالحروق أو مجموعة من الندوب والجروح غير المبررة في المناطق الشائعة كالمعصمين و قبضة اليد والساعدين، وقد لا يقتصر الأمر على ذلك، فأي منطقة من الجسم هي احتمال قائم.

- غالبا ما يرتدي الذين يقومون بهذا السلوك ملابس لا تناسب الموسم، مثل الأكمام الطويلة والعصابات حول الرسغ و الأربطة والضمادات كما يلاحظ عليهم علامات متزايدة من الاكتئاب والقلق..

- لوحظ أن أعداد الذين ينخرطون في ممارسات ايذاء النفس يتناقص مع التقدم بالعمر، كما يواجه هؤلاء صعوبة في التوقف، فالسلوك المتكرر لإيلام الذات يعد اندفاعياً بطبيعته وغالباً ما يصبح كرد فعل لأي نوع من أنواع الضغوط النفسية الإيجابية أو السلبية، تماما كالشخص المدخن الذي يدخن عند الارتباك أو الضيق.

التباين بين الجنسين:

- تشير الدراسات الى أن النساء يقمن بإيذاء أنفسهن بنسبة 85% أكبر مقارنة بالرجال، كما وتدعي ودراسات أخرى وجود نسب متساوية، لكن حقيقةً من الطبيعي و المؤكد أن تقوم النساء بإيذاء الذات بنسبة أكبر وذلك نتيجة للتنشئة الاجتماعية التي تدفع بهن نحو ذلك، فعندما تشعر النساء بالضيق يعلمهم المجتمع أن يحولن مشاعرهن للداخل و نحو أنفسهن عوضا عن التعبير عنها وإخراجها، فاجتماعيا تقيم النساء اعتمادا على أجسادهن، كما أن النساء في بعض المجتمعات تكافح لتلبية المعايير الثقافية المطروحة في السوق كأن تكون رقيقة، رشيقة وغيرها..

- أما بالنسبة للواتي لا ترقى معاييرهن لعارضات الأزياء فإن ذلك يسبب لهن القلق و الاكتئاب والشعور بالفشل و هذا التركيز المفرط لتجسيد النساء وتسليعهن يدفعهن للاعتقاد بأنهن إذا ما سيطرن على أجسادهن فسيستطعن السيطرة على ذواتهن. وإيذاء أنفسهن يعطيهن شعورا من السيطرة، هذا الدافع أيضا هو ذاته المسبب لاضطرابات الطعام.

- أما الرجال من ناحية أخرى، فقد بُرمجوا اجتماعيا لإخراج غضبهم، فهم يقتدون بالذكور الذين يحولون غضبهم وإحباطهم وشعورهم بالضيق إلى صراخ أو ركل للجدران أو أن يدخلوا في شجارات مع ناس آخرين، لذلك عندما يواجهون مشاعر الضيق يفرغونها بالآخرين وليس بأنفسهم.

- رغم ذلك، فإن أعداد الرجال الذين يقومون بهذا الفعل في تزايد، فالمراهقون والبالغون الذين يعيشون حياة الطبقة الوسطى يمارسون ايذاء الذات لأنهم يرون الآخرين يقومون به، فهو سلوك معد بشكل لا يصدق. وهذا يشمل الرجال الذين يعانون من مشاكل نفسية خطيرة، بالإضافة للذين يرضخون تحت الضغوط والتوتر الناجم عن التقدم بالعمر أو التعامل مع المشاكل العاطفية.

- كما أن الشبان أيضا يلجؤون لهذه التصرفات ليعبروا عن انتمائهم لثقافات فرعية معينة ورغبة في التجربة والتمرد وللتظاهر والتفاخر أمام أقرانهم بقدرتهم على تحمل الألم.

- تشاهد هذه الظاهرة أيضاً بتعدادات كبيرة في الفئات المحرومة من الشباب كأولئك البلا مأوى والمحتجزين في السجون حيث ظهرت كحالة تكيف شائعة حيث الحياة قاسية والناس لا يرون أمل يذكر في المستقبل، كما وينتشر أيضا في الجيش حيث الظروف الصعبة والضغوط العالية.

- لوحظ أن الرجال يميلون لجعل الحروق والجروح أكبر وأعمق على صدورهم وأذرعهم وفي مناطق مرئية باستخدام سكاكين مسننة خشنة أو مسامير صدئة..

الحلول والعلاج:

يقول بعض ممن شفي من هذا الإدمان أنهم إما توقفوا من أجل ذواتهم وقاموا بتغيير مسار حياتهم 

أو أنهم قاموا بهذا من أجل الآخرين ممن يحبونهم لإرضائهم وهو السبب الأقوى والأكثر انتشارا.

 

فإذا كنت تعتقد أن شخصا ما تحبه يقوم بإيذاء ذاته أول ما يمكنك فعله هو التحدث معه بالموضوع وألا تطلق الأحكام أو تنهيه عن القيام بالأمر قسراً، وألا تشعره بأن سلوكه ليس مفهوما بالنسبة لك، بل حاول ان تختار وقتاً مناسباً ومكاناً مريحاً وأن تفكر بكلماتك بحذر وتنصحه باستشارة طبيب، فهو سلوك خطير قد يؤدي لإصابات خطيرة أو للموت نتيجة الجروح ولا يجب تجاهله أبداً.

تقوم طريقة العلاج على أن يصف الطبيب الأدوية كمضادات الاكتئاب ومضادات القلق والمهدئات، ثم بعد أن يهدئ وتتحسن حالة المريض قليلاً، يتم العلاج طويل الأمد بتعليم المريض والعمل معه لتعلم طرق أخرى للسيطرة على الغضب والمشاعر السلبية (كتدوين المذكرات، ممارسة هواية ما، الرياضة...)

كما يعتبر العلاج السلوكي الإدراكي أو العلاج السلوكي الجدلي "ديالكتيكي" من بين طرق العلاج الفعالة، وبالأخص بالتعاون مع الأدوية.

تجدر الإشارة الى أن يوم 1 آذار هو اليوم العالمي للتوعية عن إيذاء النفس.

في النهاية نطلب منكم أعزائنا أن تشاركونا آراءكم وتجاربكم عن الموضوع اذا ما وجدت؛ هل شعرتم يوما بإحباط نفسي أدى بكم الى ممارسات مشابهة؟ كيف تجاوزتم تلك المرحلة وما الأشياء التي تتذكرون أنها ساعدتكم بشكل خاص؟ وفي النهاية ماذا تقولون لمن يفكر بإيذاء نفسه الآن؟

المصادر:

كتاب Self injury - you are not the only one BY anne sixton

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا