الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

جزيئات بلاستيكية خطيرة في طعامنا

قد يكون مرعبًا معرفة أن (الجزيئات البلاستيكية الدقيقة المايكروية - Microplastics) و(النانوية - Nanoplastics) قد تدخل دمنا وأعضاءنا وتعبر الحاجز المخاطي إلى أجهزتنا الهضمية، وبمجرد وصول هذه الجزيئات إلى الدماغ، قد تزيد خطر الالتهاب والاضطرابات العصبية، أو حتى أمراض التنكس العصبي، كمرض ألزهايمر أو داء باركنسون، فضلًا عن العواقب التنكسية الشديدة المحتملة، فعلى الرغم من أن هناك حاجةً إلى مزيد من البحث لتحديد العلاقة بين البلاستيك واضطرابات الدماغ، فإنه يعتقد الباحثون أن التلوث باللدائن الدقيقة في أدمغتنا قد يسبب تأثيرات صحية قصيرة المدى، كالضعف الإدراكي والسميّة العصبية وتغير مستويات الناقلات العصبية، التي قد تسهم في التغيّرات السلوكية (1-3).

كيف تؤثر المواد البلاستيكية الدقيقة في معدتنا؟

بيّنت دراسة أن التركيزات العالية من جزيئات (البوليسترين - Polystyrene) تسببت بإفراز البروتينات الالتهابية التي تدعى (السيتوكينات - Cytokines) في نماذج الأمعاء في المختبر، إذ ترتبط السيتوكينات بأمراض الأمعاء الالتهابية (IBD)، كمرض كرون والتهاب القولون التقرحي، التي ارتفعت عالميًا من 3.7 مليون حالة في عام 1990م إلى أكثر من 6.8 مليون حالة في عام 2017م.

فالعلاقة السببية ليست واضحةً بعد، لأن عوامل كاتباع نظام غذائي غني بالأطعمة فائقة المعالجة، والتدخين، والتعرض لتلوث الهواء ترتبط بمرض التهاب الأمعاء أيضًا، لكن يعتقد الباحثون أن المواد البلاستيكية الدقيقة المليئة بمواد كيميائية ضارة مختلفة بما في ذلك المواد المضافة، كالبيسفينول A (BPA)، ومثبطات اللهب والفثالات التي تؤدي دورًا أيضًا في ذلك (4).

وأضاف الباحثون -في دراسة أخرى- المواد البلاستيكية الدقيقة إلى منطقة أمعاء منمذجة، ولاحظوا أنه انخفضت البكتيريا المفيدة، في حين أنه زادت سلالتان من البكتيريا المرتبطة بالمرض (5)، وتوصلّت دراسة أُجريت في عام 2021م إلى أن الأشخاص المصابين بمرض التهاب الأمعاء لديهم 50% من المواد البلاستيكية الدقيقة في برازهم أكثر من أولئك الذين لديهم معدة صحية (6).

فعندما تتغذى ميكروبات الأمعاء على الجسيمات البلاستيكية الموجودة في المعدة أو تلتصق بها، فإنها قد تغيّر تركيبها الكيميائي، مما يؤثر في التنوع البكتيري، ويسبب آثارًا سلبية أخرى كالتغيّرات في الملامح الأيضية للأمعاء والالتهابات، وذلك حسب دراسة أجريت في عام 2022م. وهناك حالات أكثر تطرفًا قالوا إنها قد تسهم في حالة تدعى (إختلال الميكروبيوم - Dysbiosis)، إذ يفوق عدد البكتيريا السيئة البكتيريا الجيدة الموجودة في معدتنا، وقد يزيد دسباقتريوز احتمالية الإصابة بحالات خطيرة أخرى، بما في ذلك مرض السكري ومرض كرون وسرطان القولون والمستقيم (7).

مشكلة كبيرة وحل محتمل:

إن موضوع الجزيئات البلاستيكية الدقيقة وتأثيرها في أجسادنا أمر مثير للقلق، ويبدو أنه ليس هناك كثير مما يمكننا فعله فيما يخص الجزيئات الصغيرة التي تشقّ طريقها إلى دمنا وأدمغتنا ورئتينا. لكن المشجع أنه تشير مجموعة من الأبحاث إلى أنه لدينا على الأقل خط دفاع واحد رخيص الثمن وسهل الوصول إليه ضد الأضرار المرتبطة بالبلاستيك في أنظمتنا الهضمية وهو (البروبيوتيك - Probiotics)، وهي كائنات حية دقيقة نشطة توجد في بعض أنواع الأغذية التي تسهم في تعديل تركيب مكونات الفلورا المعوية لتحقيق فوائد صحية، ويشار إليها غالبًا باسم البكتيريا الجيدة في الأمعاء، وتتنافس مع البكتيريا السيئة لدعم الجسم في عملية الهضم الأمثل ومساعدة وظيفة المناعة (8).

وهناك بالفعل أدلة على أن تدعم هذه البكتيريا -الموجودة في الأطعمة المخمرة كالزبادي والمخلل الملفوف والكيمتشي- جهاز المناعة لدينا وتقدم فوائد قد تخفف مشكلات الجهاز الهضمي والالتهابات والحساسية. ويبدو أنها قد تساعدنا على محاربة بعض تأثيرات هذه الجزيئات البتروكيماوية المنتشرة.

كيف تتفاعل البروبيوتيك والجسيمات البلاستيكية الدقيقة؟

لا تستطيع البروبيوتيك لسوء الحظ أن تزيل الجزيئات البلاستيكية من أجسامنا بطريقة سحرية. ومع ذلك، تشير بعض الأبحاث إلى أن الميكروبات الجيدة قد تساعد على تخفيف بعض السمية والالتهابات التي ينشرها البلاستيك في أنظمتنا الهضمية.

نشر فريق من الباحثين دراسةً مراجعة تستكشف كيف يمكن للبروبيوتيك أن يحمي من الآثار الضارة للمواد البلاستيكية على نباتات الأمعاء. وكتبوا أن البروبيوتيك قد تتفاعل مع جزيئات البوليسترين لتعديل آثارها السامة في الأنسجة المختلفة (9). فضلاً عن دراستين منفصلتين من عام 2021م حددتا سلالات البروبيوتيك بما في ذلك (العصية اللبنية - Lactobacillus plantarum)، الموجودة في منتجات الألبان والمخللات المخمرة، التي ترتبط بـ (BPA) والمتحللة والفثالات، وهي مواد كيميائية ضارة توجد عادةً في البلاستيك (10).

وفي دراسة منفصلة أجريت في عام 2023م، لاحظ الباحثون الصينيون لأول مرة أن الفئران التي تعرضت للجسيمات البلاستيكية الدقيقة والمواد الكيميائية المسببة لاختلال الغدد الصماء تعرضت لالتهاب الخصية، وانخفاض صحة الحيوانات المنوية، واستنزاف بكتيريا الأمعاء الصحية، ثم وجدوا أن مكملات البروبيوتيك لدى الفئران زادت حيوية الحيوانات المنوية، مما يوفر أساسًا متينًا لمزيد من الأبحاث عن "الضرر التناسلي للذكور الناجم عن الملوثات البيئية" (8).

هل يمكن أن تؤثر البروبيوتيك في المواد البلاستيكية الدقيقة قبل الابتلاع؟

لا تساعد بعض البروبيوتيك أمعائنا بعد تناول الغذاء فحسب، بل قد تساعد أيضًا على تقليل الإضافات الكيميائية التي تتسرب من عبوات الأطعمة والمشروبات قبل أن تصل إلى أجسامنا.

فهناك أبحاث واعدة عن التفاعل بين البروبيوتيك و(BPA) في حاويات المواد الغذائية. توجد مادة (BPA) ومركبات البيسفينول الضارة الأخرى التي تستخدم أحيانًا بدلاً منها في العلب والزجاجات البلاستيكية الصلبة المصنوعة من البولي كربونات المستخدمة لحفظ الطعام والشراب، ومن المعروف أنه تتسرب هذه الإضافات من الحاويات إلى المنتجات الاستهلاكية التي نتناولها (11).

وأظهرت دراسة أجريت في عام 2019م أنه قلل البروبيوتيك تركيز المادة الكيميائية في العصير والشاي المعبأ في علب تحتوي على مادة (BPA) بنسبة 90% على الأقل في يوم واحد عند إضافة مستحضر (probiotic lactobacillus reuteri)(12).

وتوصل باحثون إيرانيون في عام 2020م إلى نتيجة مشجعة مماثلة عن طريق صنع لبن الزبادي من سلالات البروبيوتيك المختلفة من البكتيريا والحليب الملوث عمدًا بـ 100 جزء في المليون من مادة (BPA)، وبعد 28 يومًا من التخزين، نجح لبن الزبادي المصنوع من (العصيات اللبنية - lactobacillus plantarum) و(العصيات اللبنية الحمضية - lactobacillus acidophilus) في إزالة سموم مادة (BPA) بنسبة 95% و90% على التوالي (13).

هل هناك أي سبب للحذر من استخدام البروبيوتيك؟

لا يزال العلم وراء ما يفعله البلاستيك بأجسامنا، والفوائد التي قد تقدمها البروبيوتيك أوليًا. ومع ذلك، يرى الباحثون أن هناك دعمًا للنظرية القائلة بأن السلالات الشائعة من البروبيوتيك، وخصوصًا بكتيريا حمض اللاكتيك التي نجدها في لبن الزبادي والخبز المخمر والمخللات، قد تساعد على مواجهة آثار المواد الكيميائية التي تنقلها المواد البلاستيكية الدقيقة إلى أجسامنا عند تناولها.

من الحكمة التحدث مع طبيبك قبل تناول مكملات البروبيوتيك، التي قد لا تكون دائمًا متسقةً فيما يخص الجودة أو التأثير. ومع ذلك، تعدُّ البروبيوتيك من الأطعمة المخمرة آمنة على نطاق واسع ومفيدة عمومًا لصحة الإنسان. لذلك؛ يمكنكم أن تشعروا بالرضا تجاه تناول المزيد منها، وتأكدوا من الالتزام بأحجام الحصة الموصى بها فقط، إذ إن الكميات الكبيرة من البروبيوتيك قد تؤدي إلى اضطرابات هضمية بسيطة كالغازات والانتفاخ.

المصادر:

1. Kopatz V, Wen K, Kovács T, Keimowitz AS, Pichler V, Widder J, et al. Micro- and nanoplastics breach the blood–brain barrier (BBB): Biomolecular Corona’s role revealed. Nanomaterials [Internet]. 2023 [cited 2024 Mar 12];13(8):1404. Available from: هنا
2. Gruber ES, Stadlbauer V, Pichler V, Resch-Fauster K, Todorovic A, Meisel TC, et al. To waste or not to waste: Questioning potential health risks of micro- and Nanoplastics with a focus on their ingestion and potential carcinogenicity. Exposure and Health [Internet]. 2022 [cited 2024 Mar 12];15(1):33–51. Available from: هنا
3. Liu X, Zhao Y, Dou J, Hou Q, Cheng J, Jiang X. Bioeffects of inhaled nanoplastics on neurons and alteration of animal behaviors through deposition in the brain. Nano Letters [Internet]. 2022 [cited 2024 Mar 12];22(3):1091–99. Available from: هنا
4. Chen Y, Williams AM, Gordon EB, Rudolph SE, Longo BN, Li G, et al. Biological effects of polystyrene micro- and nano-plastics on human intestinal organoid-derived epithelial tissue models without and with M cells. Nanomedicine: Nanotechnology, Biology and Medicine [Internet]. 2023 [cited 2024 Mar 12];50:102680. Available from: هنا
5. Fournier E, Leveque M, Ruiz P, Ratel J, Durif C, Chalancon S, et al. Microplastics: What happens in the human digestive tract? First evidences in adults using in vitro gut models. Journal of Hazardous Materials [Internet]. 2023 [cited 2024 Mar 12];442:130010. Available from: هنا
6. Yan Z, Liu Y, Zhang T, Zhang F, Ren H, Zhang Y. Analysis of microplastics in human feces reveals a correlation between fecal microplastics and inflammatory bowel disease status. Environmental Science & Technology [Internet]. 2021 [cited 2024 Mar 12];56(1):414–21. Available from: هنا
7. Tamargo A, Molinero N, Reinosa JJ, Alcolea-Rodriguez V, Portela R, Bañares MA, et al. Pet microplastics affect human gut microbiota communities during simulated gastrointestinal digestion, first evidence of plausible polymer biodegradation during human digestion. Scientific Reports [Internet]. 2022 [cited 2024 Mar 12];12: 528. Available from: هنا
8. Zhang Y, Hou B, Liu T, Wu Y, Wang Z. Probiotics improve polystyrene microplastics-induced male reproductive toxicity in mice by alleviating inflammatory response. Ecotoxicology and Environmental Safety [Internet]. 2023 [cited 2024 Mar 12];263:115248. Available from: هنا
9. Bazeli J, Banikazemi Z, Hamblin MR, Sharafati Chaleshtori R. Could probiotics protect against human toxicity caused by polystyrene nanoplastics and microplastics?. Frontiers in Nutrition [Internet]. 2023 [cited 2024 Mar 12];10. Available from: هنا
10. Baralić K, Živančević K, Jorgovanović D, Javorac D, Radovanović J, Gojković T, et al. Probiotic reduced the impact of phthalates and bisphenol A mixture on type 2 diabetes mellitus development: Merging bioinformatics with in vivo analysis. Food and Chemical Toxicology [Internet]. 2021 [cited 2024 Mar 12];154:112325. Available from: هنا
11. Moon MK. Concern about the safety of bisphenol A substitutes. Diabetes & Metabolism Journal [Internet]. 2019 [cited 2024 Mar 12];43(1):46-48. Available from: هنا
12. Ju J, Shen L, Xie Y, Yu H, Guo Y, Cheng Y, et al. Degradation potential of bisphenol A by lactobacillus reuteri. LWT [Internet]. 2019 [cited 2024 Mar 12];106:7–14. Available from: هنا
13. Moghaddam S, Javadi A, Matin AA. Reduction of bisphenol A by lactobacillus acidophilus and lactobacillus plantarum in yoghurt. International Journal of Dairy Technology [Internet]. 2020 [cited 2024 Mar 12];73(4):737–42. Available from: هنا