علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

لماذا نغفل عن الأمور الواضحة أحياناً؟

حين ننخرط ونتعمق في إنجاز عمل محدد ونصبُّ كل تركيزنا عليه تتبدد العوامل المحيطة بنا من أصوات وأشخاص كأنها اختفت أو كأننا أصبحنا صُمّاً وعميان، فعلى سبيل المثال هناك عدد كبير من السائقين الذين تعرضوا لحوادث مرورية أفادوا أن السيارة المقابلة كانت مرئية بالنسبة إليهم إلا أنهم لم ينتبهوا لها.

تُدعى هذه الظاهرة بالعمى غير الإدراكي، وقد عمِل الباحثون تجربة بسيطة عام 1999 لإثبات كيف يقودنا الاستغراق بعمل محدد بتركيز إلى وقوعنا بهذه الظاهرة.

عُرض مقطع فيديو لفريقين -أبيض وأسود- يمرران كرة سلة بينهما، ثم طُلب من المشاركين مشاهدة هذا المقطع وعدَّ التمريرات التي أنجزها الفريق الأبيض، بعد الانتهاء لم ينتبه المشاركون لوجود شخص يلبس زي غوريلا يمرُّ ضمن اللاعبين على نحوٍ واضح وصريح.

واقتُرِحت فكرتان لتحليل النتيجة، فالفكرة الأولى هو أن وجود اختلاف بين الشيء الذي نركز عليه والآخر الذي لم ننتبه له يزيد ظاهرة العمى غير المقصود والعكس صحيح، ففي هذه التجربة مثلاً لو طُلِب عدّ تمريرات الفريق الأسود(ذو اللون المشابه للون الغوريلا) سيكون الانتباه للغوريلا أعلى.

أما الثاني فهو صعوبة الانتباه للشيء المحيط بنا(الغوريلا مثلاً) كلما كانت المهمة التي ننجزها تتطلب تركيزاً عالياً(1).

لكن هل وجود الخبرة في المجال يقلل من العمى غير المقصود؟ من هذا السؤال نشأت فكرة التجربة جديدة.

تضمّنت التجربة الجديدة مجموعتين، المجموعة الأولى عبارة عن 24 خبيرَ أشعة والأخرى 25 شخصاً مبتدئاً ليس لديهم أدنى معرفة بالأشعة، فقد دُربوا لمدة عشر دقائق على تمييز العقد الموجودة بالرئة على صور الأشعة.

شاهدت المجموعتان مجموعة من الصور المرضيّة للرئتين المصورة بتقنية التصوير المقطعي المحوسب CT scan للرئة والمهمة هي إيجاد عقد لكن وُضعت صورة غوريلا حجمها يساوي 48 ضعف حجم العقدة في الصورة الأخيرة.

وبعد الانتهاء من مشاهدة الصور سُئل الخبراء عدة أسئلة مثل:هل رأيت شيئاً غريباً؟ هل شاهدت الغوريلا؟ 4 فقط من أصل 24 خبير انتبهوا لوجود غوريلا بالصور على الرغم من أن 12 منهم نظروا مباشرةً إلى الغوريلا وبرغم ذلك لم يلاحظوا وجودها أبداً.

فأمّا بالنسبة للمجموعة الثانية من عدم الخبراء فقد انتبهوا جميعهم للغوريلا.

وحين يكون الشخص خبيراً بموضوع ما وينجزُ عمله فسيكون كل تركيزه بمهمة واحدة، وهي في هذه الحالة إيجاد عقد الرئة ووجود شيء آخر غير متوقع مثل الغوريلا لن يُلاحظ حتى لو كان النظر إليه مباشراً.

من المجحف تحليل نتيجة هذه الدراسة بأنها اتهام لاختصاصيّ الأشعة بعدم الخبرة والمعرفة بل هي تأكيد على أن الخبرة لا تشترط خروج الشخص من تأثير العمى غير المقصود، وهذه الدراسات تسعى لفهم طريقة تجنب الظاهرة قدر الإمكان(2).

في تجربة مشابهة كانت المهمة عبارة عن تمييز بصمتي أصابع ومعرفة فيما إن كانتا يعودان لذات الشخص أو أنهما مختلفتان، فقد شارك فيها 40 خبير بتحليل بصمات الأصابع و40 شخص بدون خبرة بهذا المجال، ووضعت في نهاية الاختبار صورة غوريلا.

عند الانتهاء سأل الباحثون المشاركين عن ملاحظتهم لشيء غريب في الصورة الأخيرة ووجود غوريلا، وكانت نتيجة ملاحظة الغوريلا لصالح المجموعة غير الخبيرة مما يدعم فكرة أن الخبرة لا تنفي وجود ظاهرة العمى غير المقصود واحتمالية عدم الانتباه لأشياء واضحة.

وتقترح الدراسة أن سبب إغفال الخبراء لصورة الغوريلا ناجم عن حصر تركيزهم في تحليل المعطيات والمعلومات القيمة وتجاهل التفاصيل غير المهمة والتي لا تكون ذات صلة(3).

المصادر:

1. Légal J, Chekroun P, Coiffard V, Gabarrot F. Beware of the gorilla: Effect of goal priming on inattentional blindness. Consciousness and Cognition [Internet]. 2017 [cited 2024 Jan 10];55:165–71. Available from: هنا

2. Drew T, Võ MLH ., Wolfe JM. The Invisible Gorilla Strikes Again: Sustained inattentional blindness in expert observers. Psychological Science [Internet]. 2013 [cited 2024 Jan 10];24(9):1848–53. Available from: هنا

3. Robson SG, Tangen JM. The invisible 800-pound gorilla: expertise can increase inattentional blindness. Cognitive Research: Principles and Implications [Internet]. 2023 [cited 2024 Jan 10];8(33). Available from: هنا