علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الثبات النفسي

 الكَرب هو ردة فعل الجسم النفسية والفيزيولوجية عند التعرض للتوتر، إذ يؤدي التغلب على الموترات البسيطة إلى الإحساس بالإنجاز. أما في حال كان الحدث مهددًا للحياة وخطيرًا فقد يؤدي إلى الضرر النفسي.

يعدُّ الدماغ العضو الأهم في حالة الكَرب؛ إذ أنه المسؤول عن ردة الفعل النفسية والفيزيولوجية عبر التواصل مع الجهاز المناعي والجهاز القلبي الوعائي، عن طريق الغدد الصماء والنواقل العصبية. وتُسمَى الاستجابة الفيزيولوجية للكَرب الحاد (الاستتباب بالتلاؤم - Allostasis)، وهي عملية تحافظ على التوازن عند التوتر الحاد. وتنجح بذلك عبر التأثير قصير الأمد في الجهاز العصبي الودي ونظير الودي، والمحور الوطائي-النخامي- الكظري. وتدعى هذه العملية بـ(القتال-أو-الهروب - Fight-or-flight). وفي حال إزمان التوتر، يفشل التوازن، وتحدث استجابة عصبية-غدية شديدة. ويؤدي الأثر التراكمي لها إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) و (MDD) الاضطراب الاكتئابي الكبير (1).

ما (الثبات النفسي - Resilience)؟

يصف العلماء الثبات النفسي بالقدرة على الحفاظ على حالة صحية ونفسية جيدة على الرغم من المصاعب والمحن وعدم الاستسلام. ويقترح البعض أن الشخصية الثابتة نفسيًّا تتحلى بالصمود والذكاء. وتُعزَز عن طريق عدة عوامل منها، كالتحلي بالمرونة والتفاؤل والفكاهة والتقبل والتأقلم والروحانية، ويساعد أيضاً الدعم الاجتماعي وممارسة التمارين الرياضية. يؤدي الثبات النفسي إلى العودة بسرعة إلى الحالة الطبيعية بعد المحن، وحتى العودة بحالة أفضل من السابق عبر النضوج والانفتاح على التغيير (2).

الأساس البيولوجي للثبات النفسي:

تسهم عديد من المركبات العصبية في ردة فعل الجسم تجاه التوتر، ومنها مركبات تسهم في الثبات النفسي والأمراض النفسية؛ إذ تؤدي دورًا في الوظائف المعرفية والتأقلم مع الخوف، وتنظيم نظام المكافأة والسلوك الاجتماعي. ومنها مركبات في الجهاز العصبي الودي كـ(النورأدرينالين والغالانين - Noradneraline and Galanin). ومركبات تتعلق بالمحور الوطائي- النخامي- الكظري، كالهرمون المحرر للستيروئدات، والكورتيزول. وتتضمن أيضًا أنظمة الدوبامين والسيروتونين (1).

الأساس الجيني للثبات النفسي:

تؤدي الجينات دورًا مهمًّا في ردة فعل الإنسان تجاه التوتر، إذ تحدد قابلية الثبات النفسي أو الإصابة بالمرض النفسي. وبيَّنت الدراسات دور بعض الجينات في الجهاز العصبي الودي، والمحور الوطائي- النخامي- الكظري، وأنظمة النورأدرينالين والدوبامين والسيرتونين. لكن يبقى هذا الأساس لغزًا غير مفسر وغير معروف تمامًا. وتؤدي عوامل أُخرى، كالسمات الشخصية واللياقة البدنية والمكانة الاجتماعية دورًا في الثبات النفسي (1).

إذًا؛ آليات الثبات النفسي معقدة، فتتفاعل العوامل الجينية مع العوامل البيولوجية والفوق جينية، وتؤثر في تنظيم المركبات العصبية. وكذلك تؤدي العوامل البيئية الخارجية دورًا عبر تأثيرها في الإنسان في مستوى فوق جيني؛ إذ تُعدّل من تعبير الجينات المسؤولة عن الثبات النفسي، دون تغيير الحمض النووي. واجتماع الآليات السابقة معًا، يحدد قدرة الإنسان على الثبات النفسي أو الإصابة بالمرض النفسي (1).

لماذا يختلف التأقلم بين الناس تجاه المصاعب؟

يصل الأفراد إلى نتائج مختلفة على الرغم من التعرض إلى المواقف الصعبة ذاتها في الحياة، درس العلماء هذه الظاهرة عبر مقياس الحصانة النفسية (المرونة النفسية)، ويعمل هذا المقياس على أساس آليتي التحمل والتفسير الأحداث. التحمل هو الطور الأول للثبات، وتكون ردة فعل الفرد فيه غير دفاعية ويبدي ثبات نفسي تجاه الموقف الصعب، وتفسير الأحداث هو الطور الثاني ويدل على قدرة الفرد على استيعاب الموقف وتقبله. وتؤدي العوامل النفسية الداخلية والبيئية الخارجية دورًا في تأقلم الفرد وقدرته على تحمل وتفسير المصاعب (3).

ويميز المقياس أربعة نتائج تدل على التأقلم وهي: الاستمراريّة، والشفاء النفسي، والتغيّر، والنضوج. و نتيجتين لسوء التأقلم: الجمود السلوكي، والضعف. تكون الاستمرارية بالقدرة على تحمل المصاعب والاستمرار في الحياة بعقلية سليمة. النضوج هو التطور بعد الحدث الصعب، يقوى الفرد بسبب المصاعب. الشفاء هو العودة إلى الحالة النفسية السليمة بسرعة بعد الحدث الصعب. التغيّر يكون عبر التفسير الإيجابي للأحداث. وآليات التأقلم السابقة جميعها تؤدي إلى الثبات النفسي. عكس ذلك، يكون الجمود بترَّسخ العادات السيئة وتقييد السلوك النفسي في مواجهة الموقف الصعب. ويكون الضعف بتدهور النفسية والحساسية الزائدة عند المرور بالمصاعب. وتدل الآليتان الأخيرتان على انعدام الثبات النفسي (3).

يمثل الثبات النفسي القدرة على تحمل المصاعب والمرور بها دون التعرض لأضرار فيزيولوجية أو نفسية خطيرة، ويتعلق بخطورة المصاعب، والتأقلم الإيجابي نتيجةً لها، ويُستدَل عليه بالسلوك الاجتماعي الإيجابي أو تحقيق النجاح على الرغم من المصاعب. ويجب الإشارة إلى أن الثبات النفسي لا يعني غياب الأمراض النفسية، وإنما يشير إلى القدرة على التأقلم الصحي مع الأحداث الصادمة، ويكون على المستوى البيولوجي والسلوكي والمعرفي (1).

ويكون الثبات النفسي بإيجاد هدف ومغزى وجودي للحياة، يساعد على المتابعة على الرغم من المصاعب والمحن. ويُحقق عن طريق الصمود والانفتاح إلى التغيير عند مواجهة العقبات. والحفاظ على الوعي بالذات الداخلية والعمل لتطويرها، لاستعادة التوازن، والعمل على تحقيق النفس. وتحتاج المهارات والصفات الشخصية اللازمة للعثور على هدف من الوجود والتمسك به إلى المزيد من التحري والدراسة (2).

المصادر:

1- Osório C, Probert T, Jones E, Young AH, Robbins I. Adapting to stress : understanding the neurobiology of resilience. Behavioral Medicine. 2016;43(4):307-322. Available from: هنا

2- Sisto A, Vicinanza F, Campanozzi LL, Ricci G, Tartaglini D, Tambone V. Towards a Transversal Definition of Psychological Resilience : A Literature Review. Medicina.2019;55(11):745. Available from: هنا

3- Ijntema RC. Resilience mechanisms at work : The psychological immunity-psychological elasticity ( PI-PE ) model of psychological resilience. Current Psychology. 2023;42:4719–4731. Available from: هنا