الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية

لماذا ننجذب إلى الطّعام غير الصّحّي؟

أجرت شركات الصّناعات الغذائية بحوثًا مكثّفةً لتطوير آليات تجذبنا للأطعمة الغنية بالسّكريات والدّهون، والتي تؤدّي إلى زيادة إشارات المكافأة في الدّماغ عبرَ زيادة النّاقل العصبي (الدوبامين - Dopamine) في كلّ مرّة نأكُل فيها هذه الأطعمة أو نراها أو نفكّر فيها. إذ يؤدّي المزيج المثالي من السّكر والملح والدّهون والمنكّهات الصناعيّة والمحليات في الأطعمة فائقة المعالجة إلى حدوث طفرات كبيرة في الدوبامين في الدماغ، ممّا يجعلنا نرغب في الاستمرار في تناولها.

 

كيف تؤثّر هذه الأطعمة في دماغنا؟

بيّنت بعض الدراسات أنَّ الأطعمة التي تحتوي  نسبة عالية من الدّهون والسكر تغيّر دماغنا؛ عندما نتناولها بانتظام حتّى لو كميات صغيرة منها، فإنّ الدّماغ يتعلّم أن يستهلك بدقة هذه الأطعمة في المستقبل. مع الإشارة إلى أنّ مَيلَنا إلى تناول تلك الأطعمة يُمكن أن يرافقنا منذ الولادة أو يتطوّر نتيجة لزيادة الوزن. لكنّ الاعتقاد أن الدماغ يتعلم هذا التفضيل (1).

لاختبار هذه الفرضيّة، قام الباحثون بإعطاء مجموعة من المتطوعين حلوى صغيرة تحتوي كثير من الدهون والسكر يوميًّا مدّةَ ثمانية أسابيع إضافةً إلى نظامهم الغذائيّ العادي. تلقّت المجموعة الأخرى حلوى تحتوي نفس العدد من السّعرات الحرارية، لكنّها تحتوي دهون أقلّ، ثمَّ قاسوا نشاط دماغ المتطوع قبل وفي أثناء الأسابيع الثمانية. والنتيجة كانت ازدياد استجابة الدماغ للأطعمة الغنية بالدهون والسكر على نحوٍ كبير في المجموعة التي تناولت الحلوى عالية السكر والدهون بعد ثمانية أسابيع. أدّى هذا إلى تنشيط (نظام الدوبامين - Dopaminergic system)، وهي المنطقة في الدماغ المسؤولة عن التحفيز والمكافأة. وأظهرت قياسات نشاط الدّماغ أنَّ الدّماغ يعيد توصيل نفسه من خلال استهلاك رقائق البطاطا، ويتعلّم اللاوعي تفضيل الطعام المكافئ. من خلال هذه التغييرات في الدماغ، سنفضل دائمًا دون وعي الأطعمة التي تحتوي كثير من الدهون والسكر كما وضّحت الدراسة (1).

خلال فترة الدراسة، لم يكتسب الأشخاص الذين شاركوا في المجموعة الأولى وزنًا أكبر من الأشخاص الذين شاركوا في مجموعة الشاهد، ولم تتغيّر أيضًا مؤشرات الدّم لديهم، مثل سكر الدم أو الكوليسترول. ومع ذلك، يفترض الباحثون أن تفضيل الأطعمة السكرية سيستمر بعد نهاية الدراسة. وذكروا أنّه قد تشكلت اتصالات جديدة في الدماغ لا تتحلّل بهذه السرعة. الخلاصة، أنّه بمجرد أن تتعلم شيئًا ما فإنّك لا تنساه بهذه السرعة (1).

 

ما العوامل التي يُمكن أن تؤثّر في استهلاك الأكل غير الصحي؟

أُجريت دراسة لتحديد كيفية تأثير الجنس والعمر ومؤشر كتلة الجسم BMI والتدخين وفعالية الشم في استهلاك مجموعة من منتجات "الأطعمة غير الصحية ذات النكهة القوية": كرقائق البطاطا والوجبات الخفيفة المالحة والوجبات السريعة والمشروبات الغازية السكرية والمنتجات الحامضة. شارك فيها مجموعة تراوحت أعمارهم بين 18 و 82 سنة. أُجريت مقابلة واختبارات شمية مع تقييمات تفضيلات الطعام من 25 نوعًا من المنتجات الغذائية. كان الطّعام غير الصّحي محبوبًا أكثر من قبل الأشخاص الأصغر سنًا، والذين لديهم مؤشر كتلة الجسم BMI أعلى. ولم يكن لحاسة الشم دورًا مهمًّا في تفضيل مجموعة "الطّعام غير الصحي". كذلك فقد أظهر تحليل هذه الأنواع  أن الشباب يحبون هذه الأطعمة أكثر من النساء، والأشخاص الذين يتمتعون بحاسة شم جيدة يحبّون المنتجات الحامضة (2).

إدمان الطعام:

مازال مفهوم "إدمان الطعام" ذو شعبية كبيرة، إذ أظهرت الدراسات البشرية والحيوانية التأثيرات التفاضلية للأطعمة التي تحتوي نسبة عالية من الدّهون أو السكر أو البروتين على الشهية والشبع وسلوك الأكل وتطور إدمان الطعام. ومع ذلك، فقد عارضت بعض الدراسات حدوث الإدمان عند البشر. ظهرت أسئلة أيضًا بشأن التأثيرات المحتملة التي قد تحدثها المضافات الغذائية على تطور إدمان الطعام أو اضطرابات الأكل. ومن المعروف أيضًا أنّ التغيرات في تكوين الغذاء ووجود المضافات الغذائية (معززات النكهة والسكريات وبدائل السكر والمحليات غير الغذائية) هي عوامل تؤثّر عمومًا في الإدراك الحسي للطعام. يتطور أيضًا فهمنا للأدوار المحتملة للناقلات العصبية المركزية (مثل الدوبامين) وبعض الببتيدات العصبية في تطور إدمان الطعام؛ لكن في الوقت الحالي، لا تتوفّر أدلّة علمية كافية لإعلان أي مكوّن غذائي أو مغذيات دقيقة أو مضافات غذائية قياسية مُسبّبًا للإدمان (3).

وفي مراجعة لمجموعة من الأبحاث التي تختَبر صحة التشابه بين العقاقير المسببة للإدمان مثل الكوكايين، والأطعمة شديدة النضج -لا سيما تلك التي تحتوي نسبة عالية من السكر المضاف (مثل السكروز)-؛ أشارت النتائج إلى أنّ السكر والحلاوة يُمكن أن تحفز على المكافأة والرغبة التي يمكن مقارنتها -من حيث الحجم- بتلك التي تُسبّبها العقاقير المسببة للإدمان. على الرّغم من أنّ هذا الدليل محدود بسبب الصعوبة الكامنة في مقارنة أنواع مختلفة من المكافآت والتجارب النفسية لدى البشر، غيرَ أنّه مع ذلك يدعمه بحث تجريبي حديث عن السكر والمكافأة الحلوة في الفئران المختبرية. على المستوى العصبي البيولوجي، يبدو أن الرّكائز العصبية للسكر والمكافأة الناجمة عنه أقوى من تلك الموجودة في الكوكايين (أي أكثر مقاومة للفشل الوظيفي)، وربما تعكس الضغوط التطورية الانتقائية السابقة للبحث عن الأطعمة الغنية بالسكر والسعرات الحرارية وتناولها. وقد تكون القوة البيولوجية في الركائز العصبية للسكر والمكافأة الحلوة كافية لتفسير سبب صعوبة التحكم في استهلاك الأطعمة التي تحتوي  نسبة عالية من السكر عند التعرض المستمر لها (4).

كيف نقلّل إدماننا للطعام غير الصحي؟

هناك عديد من الطّرائق التي تقلّل اعتمادنا على الأكل الصحي وقد ذكرناها بالتفصيل في هذا المقال: هنا.

 

المصادر:

 
1. Edwin Thanarajah S, DiFeliceantonio AG, Albus K, Kuzmanovic B, Rigoux L, Iglesias S, et al. Habitual daily intake of a sweet and fatty snack modulates reward processing in humans. Cell Metabolism. 2023 [cited 2023 April 04];35(4):571-584. Available from: هنا
2. Hartman-Petrycka M, Witkoś J, Lebiedowska A, Błońska-Fajfrowska B. Who likes unhealthy food with a strong flavour? influence of sex, age, body mass index, smoking and olfactory efficiency on junk food preferences. Nutrients. 2022 [cited 2023 April 04];14(19):4098. Available from: هنا
3. Onaolapo AY, Onaolapo OJ. Food Additives, food and the concept of ‘food addiction’: Is stimulation of the brain reward circuit by food sufficient to trigger addiction?. Pathophysiology. 2018 [cited 2023 April 04];25(4):263–76. Available from: هنا
4. Ahmed SH, Guillem K, Vandaele Y. Sugar addiction - pushing the drug-sugar analogy to the limit. Current Opinion in Clinical Nutrition and Metabolic Care. 2013 [cited 2023 April 04];16(4):434–9. Available from: هنا