الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

قضية التبني تصرخ من تحت الأنقاض

ما إن أبصرت تلك العيونُ الصغيرة الضوءَ من تحت الأنقاض -معلنةً انتصار إرادة الحياة بقوة الأيدي الصغيرة على شبح الموت الذي طوّق المدينة آخذًا معه الآباء والأمهات- حتى علت الأصوات من كل الأرجاء لتقدم جُلَّ ما تستطيع في سبيل حماية الطفولة التعيسة، ولتمنحها سبلًا جديدةً لحياة أفضل؛ ومن تلك السبل كان التبني.. ولكن  ماذا نعرف عن التبني؟ وكيف يُوصف من ناحية أخلاقية وقانونية؟

إن التبني ليس مجرد ردِّ فعلٍ إنساني نُداوي من خلاله روحنا المكسورة نتيجةَ كل ما مررنا به وشاهدناه؛ بل إنه يفتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات عن الظروف التي تسمح بتبني طفل، أو تكوين أسرة بالتبني من الناحية الأخلاقية، وماهية المسؤوليات الأخلاقية تجاه الطفل من العائلة الجديدة (1).

ويجب أن ندرك اختلافَ قوانين الأسرة بين المجتمعات وتغيراتها مع مرور الزمن، لذلك يمكننا من خلال تحليلٍ مقارنٍ مستنير أن نحصل على رؤىً تنويرية لدراسة الطبيعة المجتمعية لأخلاقيةِ التبني؛ لا سيما أن قوانين الأسرة تعكس الأفكار والقيم المعاصرة في المجتمع (2).

وينطوي المفهوم الثقافي للتبني المختلف باختلاف المجتمعات على فهمٍ ثقافي لمعنى الطفولة والأبوة والأسرة؛ أي أننا نتعامل مع البعد الأخلاقي ليس على المستوى الشخصي فحسب، بل على المستوى المؤسساتي أيضًا؛ ومن ثم لا يجب أن يكون التبني إجراءً فرديًّا، بل تُؤخذ بالحسبان الدولة وقوانينها شرطًا أساسيًّا (2).

وتوصلت مجموعةٌ من الدول إلى تركيز أهداف قوانين التبني لتحقيق "المصلحة الفُضلى للطفل"، ما تطور فيما بعد ليصبح جزءًا من حقوق الطفل ويعزز مشاركته في صنع مستقبله (2).

وانطلاقًا من مصلحة الطفل؛ يُنظر إلى التبني على أنه واجب أخلاقي يحتّمه علينا مبدأ تقديم المساعدة للآخر وحمايته من الضرر، لكن بالمقابل ليس كل الأشخاص قادرين على فعل ذلك وحماية الأطفال من الضرر؛ إذ يفتقر بعض الناس إلى القدرة المالية لتلبية الاحتياجات المادية الأساسية كالطعام والملبس والمأوى والرعاية الصحية، ويفتقر بعضهم الآخر إلى القدرات العاطفية والتحفيزية لبناء بيئة آمنة مليئة بالمحبة ومحفزة فكريًّا قادرة على إشباع احتياجات الطفل النفسية الأساسية (3).

أما مناقشة التبني في حالات الطوارئ والكوارث فتأخذ منحىً مختلف؛ إذ تُراعى مخاوفُ عدة منها الاتجار بالبشر؛ الأمر الذي استدعى مناقشة قانون التبني عالميًّا من قبل لجنة لاهاي الخاصة في يونيو/حزيران 2010، الذي خلُص إلى الآتي:

"...في حالة الكوارث، … يجب تجنب محاولات تبني الأطفال المبكرة وغير المنظّمة خارج البلاد المنكوبة، ولا ينبغي تقديم طلبات جديدة للتبني بعد الكارثة مباشرة، قبل أن تكون السلطات قادرة على توفير ضمانات السلامة اللازمة للأطفال، بل يجب تركيز الجهود على أولوية جمع الأطفال بأسرهم ووالدَيهم" (من مؤتمر لاهاي بشأن القانون الدولي الخاص، 2010 ب، الصفحة 5، الفقرتان 38 و39) (4).

برأيكم؛ هل نستطيع توفير بيئة مناسبة للتبني حتى نقلل من آثار -سنوات الحرب الطويلة والكارثة الأخيرة- في أطفالنا، ولنجمعَ شتات الطفولة المشردة ونوفر لها حضنَ العائلة الدافئ؟

المصادر:

1. Haslanger S، Frances L، Mianna L، Shelley P، Tina R، Charlotte W . "Adoption in Philosophy." Adoption & Culture. 2014;4(1):127-132. Available from: هنا

2. Howell S. Changes in Moral Values about the Family: Adoption Legislation in Norway and the US. Social Analysis: The International Journal of Anthropology [Internet]. 2006;50(3):146–63. Available from: هنا

3. Friedrich D. A duty to adopt?. Journal of Applied Philosophy. 2013;30(1):25–39. Available from: هنا

4. Selman P. Intercountry Adoption after the Haiti earthquake: Rescue or robbery?. Adoption & Fostering. 2011;35(4):41–49. Available from: هنا