الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

زلزال كبير يهدّد إسطنبول

ضجت في الآونة الأخيرة وسائل الإعلام بالتحذير من زلزال مدمّر يُتوقع بأن يضرب مدينة إسطنبول ذات الاثنين وعشرين مليون نسمة، عقب زلزال ضرب أواخر العام 2020 مدينة إزمير الواقعة على ساحل المتوسط غرب تركيا. وسبق ذلك عدة دراسات من جامعات متخصصة - مثل جامعة إسطنبول التقنية - تتحدث عن زلزال قوي مُحتمل من المتوقع أنه سيضرب مدينة إسطنبول.

وحذّرت هيئة الكوارث والطوارئ التركية AFAD رسمياً من تداعيات حدوث زلزال قوي قد تبلغ شدته 7 درجات على الأقل من المتوقع أن يضرب منطقة إسطنبول وما حولها، وقد نشرت مؤخراً تقريراً عن خُطط الإخلاء والطوارئ المعدة للتنفيذ في حالة وقوع الزلزال المتوقع (1).

الزلازل ليست بجديدة على منطقة إسطنبول وحتى عن عموم تركيا، فقد حصل وضربت المنطقة في الماضي زلازل قوية ومدمرة نذكر منها على سبيل المثال: 

ولنفهم أكثر طبيعة التهديد المحتمل؛ علينا أولاً أن نفهم ما هو الزلزال، وكيفية حدوث الزلازل: 

الزلزال هو اهتزاز منطقة من الأرض نتيجة تمزق الصخور والانزلاق الناجم عن ذلك التمزق، وتحدث تلك التكسرات والانزلاقات على حدود الصفائح التكتونية أو بالقرب من تلك الحدود نتيجة الحركات التكتونية (3). تتمتع صخور القشرة وأعلى المعطف المتأثرة بالتكسر المسبب للزلازل بقساوة عالية؛ إذ تحتمل كماً كبيراً من الإجهاد المطبق عليها نتيجة حركة الصفائح، ولكن في الوقت ذاته فإنها وعند حد معين - يسمى حد متانة الصخر (قدرة الصخر على احتمال الإجهاد) - عند وصول الإجهاد الواقع على الصخر إلى حد متانته فإن الصخر ينكسر وينزلق طرفاه مع بعضهما بحسب اتجاه الحركة المؤثر للصفيحتين المتحركتين على حدود الكسر (3).

ترجمة الصورة:

pre-stressed state  حالة الصخر قبل الإجهاد
stressed rock deforms elastically  حالة الصخر في أثناء تطبيق الإجهاد؛ الصخر في حالة مرنة
post-rupture unstressed rock  الصخر بعد الكسر (رفع الإجهاد عنها)

الشكل 1: رسم توضيحي يظهر تجاوب الصخور مع الإجهادات المطبقة عليها، في الشكل a يمثل الصخر بحالته الطبيعية تحت شروط الضغط النظامي دون تطبيق أي إجهاد، الشكل b في الوسط يظهر تجاوب الصخر تجاوباً مرناً نتيجة تطبيق إجهاد قصّي عليه دون تجاوز حد متانته، الشكل c علي اليمين يوضح انكسار الصخر وانزلاق قطعتيه فوق سطح التكسر نتيجة تجاوز الإجهاد لحد متانة الصخر (Earle S. Physical Geology. 2nd ed.) .

أما عن أسباب الزلازل في منطقة الأناضول عموماً فهو حركة صدع الأناضول شمال الأناضول، وسنتعرف إلى بعض خصائصه مع امتداده في بحر مرمرة، المسبب الأبرز للزلازل في منطقة إسطنبول:

صدع الأناضول:

إن امتداد صدع التحويل بين الصفيحة الأوراسية وصفيحة المتوسط عبر الأناضول شمالاً يجعل من هذه المنطقة نشطة زلزالياً؛ إذ سُجل على مدى الخمسمئة عام المنصرمة عددٌ كبيرٌ منها، عشرات منها كانت زلازل مدمرة. ويعدّ صدع شمال الأناضول أحد أكبر صدوع الانزلاق النشط في العالم، والبالغ طوله 1600 كم، ممتداً من مفترق كارليوفا الثلاثي the triple junction of Karlıova شرق الأناضول وحتى شبه جزيرة بيلون Pelion Peninsula في المتوسط، ماراً بشمالي بحر إيجة الذي يربط الهضبة التركية الإيرانية العالية مع مجموعة الصدع غرب الأناضول على مسار موازٍ للساحل بطول 100 كم جنوب ساحل البحر الأسود (الشكل 2). يضم مجمل الصدع عدة انقطاعات على طوله تتحرك مرتبطة ببعضها، وتكون مسؤولة عن زلازل تتجاوز قوتها 8 درجات، وإن كانت الزلازل الأكثر تدميراً على مدى القرون الماضية تطلق طاقات مكافئة من 6 + إلى 7 + على مقياس ريختر، ولم تصل تماماً إلى 8. وتشير الأدلة الجديدة إلى أن الفرع الشمالي من الصدع يزحف أيضاً في الجزء الغربي من بحر مرمرة، وتلك المناطق الواقعة جنوب الصدع في بحر مرمرة ترزح حالياً تحت توتر أكبر من المناطق الواقعة شمالها (وفقًا لقياسات نظام تحديد المواقع العالمي)، ما يدعم الفرضية القائلة بأن الجزء الأوسط من صدع مرمرة الرئيسي مغلق (تمانع صخور القشرة القاسية استمرارية حركته) وربما يكون مهيأ لتوليد زلزال كبير بقوة 7.6 درجات في المستقبل القريب يهدد أحد أهم مواقع التراث الثقافي الرئيسة للبشرية والمركز الاقتصادي لتركيا (مدينة إسطنبول) (4).

الشكل 2: يوضح الشكل امتداد صدع الأناضول بين مفترق كارليوفا الثلاثي the triple junction of Karlıova شرق الأناضول وحتى شبه جزيرة بيلون Pelion Peninsula في المتوسط، مروراً ببحر إيجة بأجزائه الرئيسية كاملة.

صدع شمال بحر مرمرة:

هو امتداد لصدع الأناضول بدءاً من منطقة إزميت وانتشاراً في الجزء الشمالي من بحر مرمرة باتجاه بحر إيجة، والذي تسببت حركته عام 1999 بزلزال مدمر ضرب شبه جزيرة كوجالي بقوة 7.4 درجات. سُجلت آخر حركة لهذا الصدع عام 1912 عن طريق زلزال بقوة 7.3 درجات، ولم ينشط بعدها إلا حين تمزق في منطقة إزميت خلال زلزال كوجالي عام 1999، ولذلك فإن منطقة بحر مرمرة الآن قد تكون معرضة بشدة لخطر الزلازل المدمرة استناداً إلى سجلات الزلازل التاريخية وعن طريق النزعة الزلزالية النشطة في المنطقة (5). على الرغم من توفر العديد من المعطيات والمعلومات حول حركات وإغلاقات الصدع في اليابسة من خلال المعطيات الجيوديزية؛ لكن تلك المعلومات شحيحة جداً عن الصدع ضمن بحر مرمرة بسبب عتامة المياه للموجات الكهرومغناطيسية، إذ إن معدل حركة الصدع في قطاع بحر مرمرة أيضاً يخشى من ألا يكون دقيقاً (6).

الشكل 3: يُعطي الشكل نظرة عامة عن البنية التكتونية لبحر مرمرة. يتضح في a منطقة كثيفة لبؤر الزلازل المحلية المتمثلة باللون البرتقالي بين عامي 1999 و2009 - 2010 و2021، تشير المثلثات السوداء إلى مواقع محطات قياس الزلازل، تشير الدوائر الخضراء إلى بؤر الهزات الضعيفة، تشير النجمة الحمراء إلى موقع شبكة مسارات مباشرة تركية يابانية حديثة في غربي بحر مرمرة. يُظهر b منظراً جانبياً للزلازل شمال الـ 40.6 درجة شمالاً، مستخدماً ذات الرموز الموجودة في الخريطة a. يُشار إلى الأحواض الرسوبية بأسهم حمراء وإلى مدى زلازل جانوس 1912Ganos وإزميت Izmit 1999 بأسهم سوداء. أما c فيظهر موقع منطقة الدراسة بالنسبة لصفيحة الأناضول.

التنبؤ بالزلازل:

للتنبؤ بوقوع زلزال يجب تحديد ثلاثة عناصر بدقة وهي: موعد الزلزال وموقعه وحجمه، ولا يستند ادعاء القدرة على تحديد أي منها بدقة إلى أدلة علمية (7). ويصنف التنبؤ بالزلازل روتينياً إلى ثلاثة أقسام: التنبؤ قصير الأمد Short‐term (SHT) prediction والتنبؤ متوسط الأمد Intermediate‐term (IMT) prediction والتنبؤات بعيدة الأمد Long‐term (LT) prediction لتوقع حدوث زلزال (8)،. أما فيما يخص التنبؤ قصير الأمد فلم تكن نتائجه مشجعة في اليابان على الرغم من بعض البشائر حوله؛ إذ إنه وباعتماده على بعض المؤشرات من الوسط المحيط فإن هذه المؤشرات في الغالب لا تكون مما يُنبئ بزلزال قريب، فنادراً ما تتحقق تلك النبوءات قصيرة الأمد. كل التنبؤات متوسطة وطويلة الأمد على حد سواء ليست أكثر من توقعات احتمالية حسابية للزلازل. ويهدف التنبؤ طويل الأمد LT لتحديد احتمال حدوثٍ EQ على نطاق زمني يتراوح بين 10 إلى 100 عام، معتمداً أساساً على الدراسات الجيولوجية للصدوع وسجلات الزلازل التاريخية (8). 

إن فكرة الاستناد إلى بعض القرائن المحلية (تغير سلوك بعض الحيوانات) قد تبدو جذابة في التنبؤ بحدوث زلزال، لكن وكما أسلفنا فإن الدراسات على مدى 120 عامًا الماضية فشلت في دعمها، وكذلك فإن الجهود المبذولة لوضع تنبؤات حتمية طويلة الأجل لحدوث الزلازل لم تنجح أيضاً نجاحاً ملحوظاً. ولا تبدو الادعاءات بفشل جهود التنبؤ بالزلازل كنتيجة للافتقار إلى الأجهزة والتكنولوجيا مقنعة نظراً للتقدم النوعي والكمي الكبير في مجال الرصد (9).

على الرغم من عجز العلم حتى الآن عن التنبؤ بزلزال قبل حدوثه تنبؤاً دقيقاً، لكن وباستخدام المعطيات المتوفرة بين أيدينا وباستمرار السعي للبحث بهدف التنبؤ بوقوع الزلازل وتقليل الخسائر الناجمة عنها فقد أجرت الهيئات الحكومية التركية الرسمية ومراكز الأبحاث المعتمدة في البلاد العديد من الدراسات الموسعة حول إمكانيات حدوث الزلازل في منطقة إسطنبول، بعد زلزال كوجالي المدمر عام 1999، آخرها تقرير نُشر عام 2019 لورشة عمل موسعة عن زلزال إسطنبول (10) والعديد من التقارير والأبحاث الأخرى المنشورة، وهذا بالطبع لا يرفع خطر الزلزال المتوقع والذي إلى الآن لا يمكن تحديد زمانه.

المصادر

1. Olası İstanbul Depremi İçin Büyük Hazırlık [AFAD]. Istanbul.afad.gov.tr. 2021 [cited 3 May 2021]. Available from: هنا

2. Historical Earthquakes. AFAD- Disaster & Emergency Management Authority, Presidential of Earthquake Department. 2021 [cited 4 May 2021]. Available from: هنا

3. Earle S. Earthquakes. In: Earle S, Panchuk K, ed. by. Physical Geology. 2nd ed. Victoria: British Columbia Campus OpenEd; 2019. p. 364. Available from هنا

4. Şengör AMC, Zabcı C. The North Anatolian Fault and the North Anatolian Shear Zone. In: Kuzucuoğlu C, Çiner A, Kazancı N, ed. by. Landscapes and Landforms of Turkey - World Geomorphological Landscapes [Internet]. Switzerland: Springer, Cham; 2019 [cited 6 March 2022]. p. 481-494. Available from: هنا

5. Demirbağ E, Rangin C, Le Pichon X, Celal Şengör A. Investigation of the tectonics of the Main Marmara Fault by means of deep-towed seismic data. Tectonophysics [Internet]. 2003 [cited 6 March 2022];361(1-2):1-19. Available from: هنا00535-8

6. Lange D, Kopp H, Royer J, Henry P, Çakir Z, Petersen F et al. Interseismic strain build-up on the submarine North Anatolian Fault offshore Istanbul. Nature Communications [Internet]. 2019 [cited 6 March 2022];10(1):3006. Available from: هنا

7. What is the difference between earthquake early warning, earthquake forecasts, earthquake probabilities, and earthquake prediction? [Internet]. Usgs.gov. [cited 7 May 2021]. Available from: هنا

8. Ghaedi K, Ibrahim Z. Earthquake Prediction. In: Zouaghi T, ed. by. Earthquakes - Tectonics, Hazard and Risk Mitigation [Internet]. London: IntechOpen; 2017 [cited 6 March 2022]. Available from: هنا

9. Geller RJ. Earthquake prediction: a critical review. Geophysical Journal International [Internet]. 1997 [cited 6 March 2022];131(3):425-450. Available from: هنا

10. Earthquake Workshop (İSTANBUL DEPREM ÇALIŞTAYI). Istanbul Earthquake Workshop. Istanbul: Earthquake and ground Investigation Directorate; 2019. Available from: هنا