كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (طبيب أرياف): بين العلم والتقاليد الشعبيَّة

الكاتب (محمد المنسي قنديل) روائي مصري، تخرج من كلية الطب عام 1975، ولكنه انشغل بإعادة كتابة التراث فاعتزل الطب وتفرغ للكتابة. حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1988. صدرت له خمس روايات منها (قمر على سمرقند) فازت هذه الرواية بجائزة ساويرس للآداب عام 2006، ورواية (يوم غائم في البر الغربي) التي وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2010 (1)، ورواية (كتيبة سوداء) التي وصلت إلى القائمة الطويلة في نفس الجائزة في عام 2016 (2)، وصدرت له أيضًا مجموعات قصصية عديدة منها: (ثلاث حكايات عن الغضب).

تدور أحداث رواية (طبيب أرياف) في المدة بين نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن العشرين، وتتحدث عن طبيب حديث التخرج تأخر تكليفه بسبب سجنه. ونرى أن الطبيب قد فقد الثقة في جميع من حوله وفي نفسه، فعندما كان يستكمل إجراءات استعادته لوظيفته بعد السجن كان يتحتم عليه زيارة ضابط أمن الدولة الذي قال له إن أقرب الناس له خانوه ووشوا به وبنشاطاته المشاغبة من مظاهرات وندوات، فالطبي كان يُعلن معارضته السياسية على الملأ. وكان إرساله إلى الصعيد لقضاء فترة التكليف أشبه بعقوبة أخرى بعد السجن، حيث شعر كأنه في زنزانة جديدة، فكان مكان العمل هو مكان السكن؛ أي في تلك الوحدة الصحية المُهمَلة في القرية التي أطلق عليها الطبيب (الكابوس)، حيث الفقر والجهل والمرض، بالإضافة إلى عدم وجود أية وسيلة مواصلات تنقله إلى تلك القرية، إلا أتوبيس مُتهالك يسمونه (أحلاهم) يمر في طريقه على ترعة متسعة قليلًا يسمونها (المحيط). يلاحظ الطبيب مفارقة تلك المسميات لواقع الحال ويتهكّم عليها.

يلتقي الطبيب بـ (دسوقي) أقدم عامل في الوحدة الصحية، يعرف كل شيء عن القرية وأهلها، يدل الطبيب على الطريقة المُثلى للتعامل معهم. ومما يُذكر أن الوحدة الصحية كان يشرف عليها طبيب سابق، لكنه تركها فجأة قبل شهور طويلة من تكليف طبيبنا الذي لم نعرف اسمه إلا في آخر الرواية، وربما يدل ذلك على عدم أهمية الطبيب في الريف وأن وجوده صوري فقط، إذ لا يستطيع طبيبنا في فترة تكليفه تقديم علاج فعّال لأمراض أهل القرية؛ لأنه لا يملك إلا المسكنات وبعض المضادات الحيوية التي لا تُجدي مع الأمراض المستعصية. فعلاج (البلهارسيا) لا يكون فعّالًا إلا إذا رُشَّت التُرع بالمبيدات لقتل تلك الدودة، لكنّ القائم بتلك المهمة يستخدم المبيدات في صيد الأسماك ويبيعها للناس، فيمرضون مجددًا بوساطة السمك لا  بالنزول مباشرة إلى الترعة.

 وتعرض الرواية مجتمع (الغجر) أيضًا، وهم الرحالة الذين لا أرض لهم ليستقروا فيها، فيقيموا في كل قرية بعض الوقت يغنون ويرقصون ويحكون السيرة الهلالية. وكان أهل القرية يرونهم في مرتبة أدنى منهم ويحتقرونهم علنًا وفي الوقت نفسه يذهبون لمشاهدة عروضهم في الخفاء.

لقد رسم الكاتب معظم شخصيات وأماكن الرواية بدقة وعناية فيستطيع القارئ تخيُّل شخصية دسوقي مثلا بوضوح بعكس شخصية الطبيب أو الخياط الذي ظهر في الرواية فجأة واختفى فجأة ليترك القارئ يتساءل أين ذهب الخياط وماذا حدث له؟. 

تعد فكرة الرواية مكررة، ولكن لغة الكاتب البديعة ومعالجته للفكرة تجعلانها رواية تستحق القراءة، فهو يأخذ القارئ معه إلى الريف والوحدة الصحية ويريه ازدحامها بالمرضى ويشعره بإجهاد الطبيب ومحبته للممرضة واشتياقه لها عندما تغيب وينتظر معه قدوم (أحلاهم) إلى القرية ليسافر إلى المدينة، ويقابل مآسي مرضى القرية خصوصًا نسائها اللاتي يتحملن كل أصناف التعب بلا شكوى.

معلومات الكتاب:

المصادر:

1- 2010 | International Prize for Arabic Fiction [Internet]. Arabicfiction.org. 2010 [cited 9 April 2021]. Available from: هنا

2- 2016 | International Prize for Arabic Fiction [Internet]. Arabicfiction.org. 2016 [cited 26 April 2021]. Available from: هنا