الغذاء والتغذية > رحلة الغذاء

السكر البني أم السكر الأبيض؟

السكرُ مكونٌ طبيعيٌّ في النظام الغذائي البشري منذ آلاف السنين، وله أنواع عديدة لا بد أنكم قد سمعتم بها، وهي عديدة الألوان والنكهات، لكن أكثرها انتشارًا قد يكون السكر البني والسكر الأبيض.. وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري بينهما، لكن القيمة الغذائية لهما متشابهة جدًا؛ فالسكر هو نفسه سواء كان لونه أبيض أم بنيًّا، لكنَّ المشكلات تحدث عندما تستهلك كثيرًا من السكر المضاف؛ أي السكر الذي يضيفه مصنعو المواد الغذائية إلى المنتجات لزيادة النكهة أو إطالة العمر الافتراضي.

فهل هناك فرق جوهري بين السكر البني والسكر الأبيض؟ دعونا نتعرف إلى ذلك في المقال الآتي من خلال المقارنة بين السكر البني والأبيض والتي ستتناول عدة جوانب للمقارنة (1).

الاختلافات الغذائية (1-3):

أبرز فَرق غذائي بين النوعين هو محتوى السكر البني من الكالسيوم والحديد والبوتاسيوم الذي يكون أعلى قليلًا من السكر الأبيض. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن كميات تلك المعادن في السكر البني ليست ذات أهمية كبيرة؛ أي إنه ليس مصدرًا فعالًا لأية فيتامينات أو معادن.

يحتوي السكر البني أيضًا على سعرات حرارية أقل قليلًا من السكر الأبيض، لكنَّ الفرق بينهما ضئيل؛ إذ تحتوي ملعقة صغيرة تزن 4 غ من السكر البني على 15 سعرة حرارية، في حين تحتوي الكمية نفسها من السكر الأبيض على 16.3 سعرة حرارية.

وبذلك نجد أن الاختلافات بينهما طفيفةٌ في الواقع، ويمكن القول أنهما متشابهان نسبيًا من الناحية الغذائية.

الإنتاج والتصنيع:

يُنتَج السكر في المناخات الاستوائية حيث ينمو نبات قصب السكر أو الشوندر السكري، ويخضع كلا النباتين لعملية مماثلة لإنتاج السكر. ويكمن الاختلاف في الأساليب المستخدمة للحصول على منتج نهائي أبيض أو بني اللون، فالسكر الأبيض ينتج من خلال عمليةِ تنقيةٍ مهمتها نزعُ شرابٍ بني يسمى المولاس Molasse، أو دبس السكر. أما السكر البني، فهو ببساطةٍ سكر أبيض أُضيفَ إليه دبس السكر مرة أخرى. كذلك يخضع السكر البني الكامل غير المكرر لمعالجة أقلَّ من السكر الأبيض، ويعد ذلك السبب الأساسي في احتفاظه ببعض العناصر المعدنية واللون البني الطبيعي (1).

استخدامات الطهي:

يمكن استخدام السكر الأبيض والبني بطرائق مختلفةٍ في الخَبز والطبخ، وعلى الرغم من إمكانية التبديل بينهما بسهولةٍ نسبيًّا، لكن ذلك قد يؤثر في لون المنتَج النهائي أو نكهته أو قوامه. فما تفسير ذلك يا تُرى؟

يمتلك المولاس قدرةً كبيرةً على الاحتفاظ بالرطوبة، وهو ما نلاحظه في السكر البني الذي نجد أنه سهل التكتُّل، الأمر الذي يجعل المخبوزات أنعم وأكثر رطوبة وأعلى كثافة، مثل الكعك وصلصات الشواء السميكة القوام. أما السكر الأبيض، فيساعد على اندماج الهواء في خليط الحلويات بدرجة أكبر، مما يجعل المزيج أكثر خفَّةً ويسمح بارتفاعها إلى حد أكبر، ولهذا السبب يُستخدَم السكر الأبيض في المخبوزات التي تتطلب ارتفاخًا أكبر مثل المارينغ والموس وغيرها.

الطعم واللون:

وهما من الاختلافات الرئيسة بين السكر الأبيض والبني؛ وانطلاقًا من ذلك يمكن أن يؤثر استخدام السكر البني بدلًا من الأبيض في لون الأطعمة، مانحًا إياها لونًا شبيهًا بلون الكراميل، وعلى العكس، يؤدي الخَبز باستخدام السكر الأبيض إلى الحصول على منتجٍ أفتح لونًا.

من جهةٍ أخرى، يتميز كل من السكر البني والأبيض بمذاقٍ نوعيِّ خاص بكل منهما؛ فالسكر البني له نكهةٌ قوية كالكراميل بسبب وجود المولاس، أما السكر الأبيض فيكون عادةً أكثر حلاوة، ويساعد ذلك على استخدام كميةٍ أقل للحصول على درجة التحلية المرغوبة.

أي النوعين علينا أن نختار (1)؟

عند الاختيار بين السكر البني والأبيض، يمكننا الاعتماد على التفضيل الشخصي؛ فالطعم واللون هما الاختلافان الرئيسان بينهما، أما من الناحية الغذائية فهما متشابهان للغاية، كذلك فإن تأثيراتهما في الصحة متساوية نسبيًّا، خاصةً أن المعادن الموجودة في السكر البني ليست كافيةً لتقدِّمَ أية فوائد صحية للجسم. ولا بد من تأثيرات السكر في الصحة بالحسبان، إذ توجد نواحٍ عديدة تجعل الإكثار من السكر يؤثر سلبًا فيها، ونذكر منها (4):

- زيادة الوزن:

تشهد معدلات البدانة ارتفاعًا ملحوظًا في أنحاء العالم، ويُظَن أن السكر المضاف؛ خاصة إلى المشروبات المحلاة بالسكر، هو السبب الأساسي في ذلك. ومن أهم تلك المشروبات نذكر المشروبات الغازية والعصائر وخصوصًا تلك الغنية بالفركتوز، إذ يُعرف عن الفركتوز تسبُّبُه بزيادة الشعور بالجوع والرغبة بتناول كمياتٍ أكبر من الطعام مقارنةً بالغلوكوز الذي يُصادف عادةً في الأطعمة النشوية (4,5). كذلك يسبب استهلاك الفركتوز المفرط مقاومةَ الليبتين Leptin؛ والليبتين هرمونٌ مهمٌ ينظم الجوع ويدفع الجسم إلى التوقف عن الأكل عند الشبع (4,6).

كذلك يرتبط شربُ كثيرٍ من المشروبات المحلَّاة بزيادة كمية الدهون الحشوية؛ وهي من أنواع دهون البطن العميقة المرتبطة بعدة أمراض مثل السكري وأمراض القلب (4).

- خطر الإصابة بأمراض القلب:

يرتبط السكر بزيادة خطر الإصابة بأمراض عديدة منها الالتهابات وارتفاع نسبة الشحوم الثلاثية وسكر الدم ومستويات ضغط الدم، والتي تعد عوامل مؤهبة للإصابة بأمراض القلب؛ السبب الأول للوفاة في أنحاء العالم (4,7). وهذا يعني أن مشروبًا سكريًا واحدًا في اليوم يمكن أن يجعلك تحصل على كفايتك من المدخول اليومي للسكر (4)، فماذا عن باقي الأطعمة والمشروبات التي نستهلكها؟ إننا حتمًا نتجاوز الحدود المسموحة في معظم الأحيان..

- خطر الإصابة بداء السكري من النوع 2:

توجد صلةٌ واضحةٌ بين الاستهلاك المفرط للسكر وخطر الإصابة بداء السكري، وتعد البدانة -التي تنتج غالبًا من استهلاك كثيرٍ من السكر- أقوى عاملِ خطورةٍ لمرض السكري (4,8). ويسبب الاستهلاك المرتفع من السكر على مدة فتراتٍ طويلة الإصابةَ بمقاومة الأنسولين Insulin resistance؛ وهي حالةٌ تؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم وتزيد خطر الإصابة بداء السكري بشدة (4,9,10).

- خطر الإصابة بالاكتئاب:

في حين يمكن للنظام الغذائي الصحي أن يساعد على تحسين المزاج، نجد أن النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من السكريات المضافة والحلويات والمشروبات المحلاة بالسكر والأطعمة المصنعة يزيد من فرصِ الإصابة بالاكتئاب (11-13).

- خطر الإصابة بالسرطان:

قد يؤدي تناول كميات مفرطة من السكر إلى زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطانات، فالنظام الغذائي الغني بالأطعمة والمشروبات السكرية يؤدي إلى البدانة التي تزيد خطر الإصابة بالسرطان بدرجةٍ كبيرة (14). علاوة على ذلك، فإن الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر تزيد الالتهاب في الجسم وقد تسبب مقاومة الأنسولين، وكلاهما عاملان يزيدان خطر الإصابة بالسرطان (15).

- المخاطر الصحية الأخرى:

إضافةً لما ذُكر سابقًا، يمكن للسكر أن يسبب الضرر لجسمك بطرائق أخرى لا تعد ولا تحصى؛ وتظهر الأبحاث أن كثرة السكر المضاف يمكن أن تؤدي إلى (4):

   - زيادة خطر الإصابة بأمراض الكلى بسبب استمرار ارتفاع مستويات السكر في الدم، الأمر الذي يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية الدقيقة في الكليتين.

   - التأثير في صحة الأسنان سلبًا عن طريق التسبب بتسوس الأسنان، إذ تتغذى البكتيريا في الفم على السكر وتفرز منتجاتٍ ثانويةً تسبب إزالة المعادن من الأسنان.

   - زيادة خطر الإصابة بالنقرس؛ وهو حالة التهابية تتميز بألم في المفاصل، ويمكن أن تسبب السكريات المضافة ارتفاعَ مستوياتِ حمض اليوريك في الدم، مما يزيد خطر الإصابة بالنقرس أو تفاقمه.

كيف تقلل من تناول السكر (4)؟

يُنصح دائمًا بتقليل السكر قدر الإمكان، علمًأ أن تناول كمياتٍ صغيرةٍ بين الحين والآخر ليس أمرًا سيئًا بالمطلق، لذا نقدم إليكم بعض النصائح والتغييرات التي يمكنكم اتباعها لتخفيف مدخولِكم من السكر:

   - الاعتماد على الماء بدلًا من المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والعصائر وغيرها من المشروبات المحلاة بالسكر ومشتقاته.

   - تحلية اللبن (الزبادي) بالفاكهة الطازجة أو المجمدة بدلًا من شراء الزبادي المحلى بالسكر.

   - تناول الفاكهة الكاملة بدلًا من عصائرها للاستفادة من الألياف وتقليل السكريات الحرة، والابتعاد قدر الإمكان عن العصائر الصناعية.

   - استهلاك الفواكه والمكسرات وبعض رقائق الشوكولاتة الداكنة بدلًا من الحلويات.

   - الابتعاد عن الصلصات التي تحوي كثيرًا من السكريات إضافةً إلى غناها بالدهون أيضًا.

   - استخدام زبدة المكسرات الطبيعية.

   - الانتباه إلى مدخول النشويات المكررة والخبز الأبيض والأرز الأبيض والتي يمكن أن تزيد من مستويات الغلوكوز، إضافةً إلى ضرورة الابتعاد عن الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والصوديوم والتي تسبب أيضًا مشكلات في صحة القلب، وألا يُعتمد عليها كبديلٍ من الحلويات والمشروبات التي تحوي السكر المضاف (16).

ولعل قراءة ملصقات الطعام هي واحدة من أفضل الطرائق لمراقبة مدخول السكر المضاف، وهنا لا بد من التعرف إلى بعض المسميات الأخرى التي قد نجدها على الملصقات الغذائية، ومنها:

السكر البني، محليات الذرة، شراب الذرة، مركزات عصير الفاكهة، شراب الذرة عالي الفركتوز، العسل، السكر المحول، سكر الشعير، دبس السكر (المولاس)، جميع مسميات السكريات التي تنتهي باللاحقة "ose-"؛ سكر العنب (الغلوكوز)، سكر الفواكه (الفركتوز)، سكر الحليب (اللاكتوز)، سكر الشعير (المالتوز)، سكر المائدة (السكروز) (16).

ما كمية السكريات التي يُسمح باستهلاكها (17)؟

يجب ألا تشكل السكريات أكثر من 5% من الطاقة (السعرات الحرارية) يوميًا؛ وتعادل تلك الكمية حسب الفئات العمرية المختلفة كلًّا مما يأتي:

- للبالغين: قرابة 30 غ من السكريات الحرة يوميًا؛ أي ما يعادل 7 مكعبات سكر تقريبًا.

- الأطفال بين 7 و10 سنوات: قرابة 24 غ من السكريات الحرة يوميًأ؛ أي ما يعادل 6 مكعبات سكر تقريبًا.

- الأطفال بين 4 و6 سنوات: قرابة 19 غ من السكريات الحرة يوميًا؛ أي ما يعادل 5 مكعبات سكر تقريبًا.

- لا توجد حدود إرشادية للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات، ولكن يوصى بتجنب المشروبات المحلاة بالسكر والطعام الذي يحتوي على سكرٍ مضافٍ بكميات كبيرة، والاعتماد على الأطعمة ذات المحتوى الطبيعي من السكر كالعسل وعصائر الفواكه وغيرها.

ولعل أفضل طريقة للحد من تناول السكر المضاف هي عن طريق إعداد وجباتك الصحية الخاصة في المنزل، وتجنب شراء الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على نسبة عالية من السكر المضاف.

المصادر:

1. Brown Sugar vs. White Sugar: What’s the Difference? [Internet]. Healthline. 2020 [cited 10 May 2020]. Available from: هنا

2. [Internet]. 2020 [cited 10 May 2020]. Available from: هنا

3. [Internet]. 2020 [cited 10 May 2020]. Available from: هنا

4. 11 Reasons Why Too Much Sugar Is Bad for You [Internet]. Healthline. 2020 [cited 10 May 2020]. Available from: هنا

5. Luo S, Monterosso J, Sarpelleh K, Page K. Differential effects of fructose versus glucose on brain and appetitive responses to food cues and decisions for food rewards. Proceedings of the National Academy of Sciences. 2015;112(20):6509-6514. Available from: هنا

6. Vasselli J, Scarpace P, Harris R, Banks W. Dietary Components in the Development of Leptin Resistance. Advances in Nutrition. 2013;4(2):164-175. Available from: هنا

7. DiNicolantonio J, Lucan S, O’Keefe J. The Evidence for Saturated Fat and for Sugar Related to Coronary Heart Disease. Progress in Cardiovascular Diseases. 2016;58(5):464-472. Available from: هنا

8. Wu Y, Ding Y, Tanaka Y, Zhang W. Risk Factors Contributing to Type 2 Diabetes and Recent Advances in the Treatment and Prevention. International Journal of Medical Sciences. 2014;11(11):1185-1200. Available from: هنا

9. Xi B, Li S, Liu Z, Tian H, Yin X, Huai P et al. Intake of Fruit Juice and Incidence of Type 2 Diabetes: A Systematic Review and Meta-Analysis. PLoS ONE. 2014;9(3):e93471. Available from: هنا

10. Wang M, Yu M, Fang L, Hu R. Association between sugar-sweetened beverages and type 2 diabetes: A meta-analysis. Journal of Diabetes Investigation. 2014;6(3):360-366. Available from: هنا

11. Akbaraly T, Brunner E, Ferrie J, Marmot M, Kivimaki M, Singh-Manoux A. Dietary pattern and depressive symptoms in middle age. British Journal of Psychiatry. 2009;195(5):408-413. Available from: هنا

12. Knüppel A, Shipley M, Llewellyn C, Brunner E. Sugar intake from sweet food and beverages, common mental disorder and depression: prospective findings from the Whitehall II study. Scientific Reports. 2017;7(1). Available from: هنا

13. Gangwisch J, Hale L, Garcia L, Malaspina D, Opler M, Payne M et al. High glycemic index diet as a risk factor for depression: analyses from the Women’s Health Initiative. The American Journal of Clinical Nutrition. 2015;102(2):454-463. Available from: هنا

14. De Pergola G, Silvestris F. Obesity as a Major Risk Factor for Cancer. Journal of Obesity. 2013;2013:1-11. Available from: هنا

15. Orgel E, Mittelman S. The Links Between Insulin Resistance, Diabetes, and Cancer. Current Diabetes Reports. 2012;13(2):213-222. Available from: هنا

16. The sweet danger of sugar - Harvard Health [Internet]. Harvard Health. 2020 [cited 10 May 2020]. Available from: هنا

17. Sugar: the facts [Internet]. nhs.uk. 2020 [cited 10 May 2020]. Available from: هنا