الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

الستيفيا؛ أشهر المُحلِّيات الطبيعية

تشكل السكريات بالنسبة إلى كثير من الأشخاص جزءًا كبيرًا مما يستهلكونه يوميًّا؛ على الرغم من تأثيراتها السلبية. وتجنبًا لتأثيرات السكر، ازداد اهتمامنا بالمُحلِّيات الصناعية والبديلة؛ فهل يمكن أن تتفوق عشبة الستيفيا على جميع تلك الأصناف وتصبح البديل الآمن الذي نبحث عنه؟!

المُحليات الصناعية وبدائل السكر؛ هي موادٌ تضافُ إلى الغذاء ولها فعل السكر في الذوق؛ ولكنها عادةً ما تحتوي على طاقة غذائية أقل، وتكون بعض بدائل السكر طبيعيةً في حين يكون بعضها الآخر اصطناعيًّا، ويُشار عمومًا إلى المُحليات غير الطبيعية بالمُحلِّيات الصناعية والتي لا تكلف الصناعة الغذائية سوى جزءًا بسيطًا من تكلفة المُحلِّيات الطبيعية. تنظم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA المُحلِّيات الصناعية على أنها مضافات غذائية، ويجب أن تمنح موافقتها قبل أن يُسمح باستخدام المُحلِّيات عالمياً، وقد خضعت هذه المواد لعدد كبير من الدراسات وما زال يوجد خلاف بين العلماء يحيط بمسألة سلامتها وجرعاتها الآمنة؛ لكن ما أكدته الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن المُحلِّيات الصناعية -على عكس الاعتقاد السائد- قد تسبب زيادة الوزن وأورام المخ والسرطانات، إضافةً لغيرها من المخاطر الصحية الأخرى (1).

ويعد نبات الستيفيا (Stevia rebaudiana Bertoni) النبات الوحيد من جنس (Stevia) الذي يتميز بطعم حلو جعله يُستخدَم مادةً محليةً طبيعيةً بديلة عن السكر، وهو نبات يتبع العائلة النجمية (Asteraceae). ويرجع اكتشاف هذا النبات إلى الدكتور (Moisés Santiago Bertoni) في عام 1888 في الباراغواي، وتنتشر في البرازيل والأرجنتين أيضًا، إلا أن زراعتها انتقلت إلى مناطق أخرى من العالم لاحقًا. واليوم؛ يُشاع استخدامها في عديدٍ من البلدان لتحلّ محل السكر في الأطعمة والمشروبات والأدوية (2-5)، إذ يمكن أن تصل قدرة التحلية لبعض منتجات الستيفيا إلى 200 ضعف قدرة السكروز (سكر المائدة) (6).

التركيب الكيميائي للستيفيا:

أجريت عدة دراسات لبيان التركيب الكيميائي للستيفيا وعزل مركباتها الفعالة بيولوجيًّا، وقد استخدم العلماء عدة أجزاء لذلك، مع التركيز على الأوراق بدرجة أكبر، وقد أظهرت الدراسات أن المستخلص الجاف لأوراق الستيفيا يحتوي على الغليكوزيدات (Glycosides) المسؤولة عن الطعم الحلو؛ وأهمها الستيفيوزيد (Stevioside)، والريبوديوزيد (Rebaudioside A)، إضافةً إلى احتوائها على الكلوروفيلات (Chlorophylls) والزانثوفيل (Xanthophyll)، والقلويدات (Alkaloids)، والفلافونويدات (Flavonoids)، والتانينات (Tannins)، وحمض الكافييك (Caffeic acid)، وحمض الكلوروجينيك Chlorogenic acid، والأحماض الأمينية والزيوت الأساسية وبعض السكريات الحرة أيضًا (3,4).

كذلك تبين احتواء الأوراق على عدد من العناصر المعدنية مثل البوتاسيوم والفوسفور والكالسيوم والمغنيزيوم والكبريت والصوديوم، وكمية ضئيلة من الحديد والنحاس والكوبالت والمنغنيز والزنك والسيلينيوم والموليبدينيوم (4).

ويمكن القول أن محتوى الستيفيا من المركبات النشطة بيولوجيًّا يمكن أن يبرر امتلاكها لخصائصَ مهمةٍ تطبيقيًّا في الصناعات الغذائية والصيدلانية، ويُضاف إلى ذلك قدرة مستخلصات الستيفيا المتخمرة على تثبيط عدد من الأنواع البكتيرية الممرضة مثل الإشريكية القولونية (E.coli) وغيرها من الممرضات التي تنتقل مع الغذاء مثل السالمونيلا؛ علمًا أن الستيفيا كانت تستخدم قديمًا في علاج الجروح والتقرحات وأمراض اللثة (4,5).

فوائد الستيفيا:

تمتلك غليكوزيدات الستيفيا خصائصَ بيولوجية قيمة، ويمكن أن يساهمَ الاستهلاك المنتظم من المركبات هذه في تقليل مستوى السكر والكوليسترول في الدم، ويحسن تجديد الخلايا وتخثر الدم، ويوقف نمو الأورام، ويقوي الأوعية الدموية. وقد تبين أيضًا أنها تمتلك خصائص مفرزة للصفراء، ومضادة للالتهابات، ومدرة للبول، وتمنع تقرحات الجهاز الهضمي وتعمل مادةً مضادةً للإسهال.

ويُذكر أن الستيفيا ومركب الستيفيوزيد قد استُخدما كبدائل للسكر بهدف علاج مرضى السكري والبدانة وارتفاع ضغط الدم. وقد أعيد تقييم سمية الستيفيوزيد؛ وهو أشهر المركبات الفعالة في نبات الستيفيا، وأشارت البيانات إلى كونه ليس مادة سامة أو مطفرة أو مسرطنة، ولم تبدِ أية ردود فعل تحسسية لدى حيوانات التجارب (5,8).

ما الذي يميز الستيفيا عن المُحلِّيات الصناعية المعتمدة الأخرى، وهل لها سلبيات كما المُحلِّيات الصناعية؟

نرى جدلًا مستمرًا حول ما إذا كان استخدام المُحليات الصناعية يشكل مخاطر صحية؛ ففي إحدى الدراسات وُجد أن المُحلِّيات الصناعية قد تزيد الشهية وتسبب زيادة في الوزن أكثر مما يسببه تناول السكر العادي، في حين وُجد أيضًا أن المُحلِّيات الطبيعية كانت ذات نتائج إيجابية في تخفيض سكر الدم وعدم التسبب في زيادة الوزن (1). ومن المعروف أن استهلاك المشروبات المحلاة بالسكر يعد من أهم أسباب اضطرابات التمثيل الغذائي؛ مثل السمنة، وهذا ما يجعل استبدال بدائلَ منخفضةِ السعراتِ الحراريّةِ بالسكر إستراتيجيةً فعالةً وأمرًا مرغوبًا بهدف التحكم في الوزن (7).

وقد درس الباحثون تأثير الستيفيا والأسبارتام والسكروز (سكر المائدة) في مستويات الأنسولين والغلوكوز في الدم، وبيَّنوا تفوقَ الستيفيا في قدرتها على خفض هذين المؤشرين المدروسين دون التسبب بزيادةٍ في الشهية بعد الوجبة، وقد لوحظ أيضًا أنها أعطت شعورًا بالشبع فترةً أطول من السكروز والأسبارتام (7).

وقد منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA غليكوزيدات الستيفيا تصنيف GRAS الذي يشير إلى أنها تعدُّ آمنةً عمومًا (Generally Recognized As Safe)؛ لكنها لم توافق على استخدام الأوراق الكاملة أو المستخلصات الخام في الأطعمة والمشروبات بسبب نقص المعلومات الخاصة بسلامة هذه الأشكال من الستيفيا؛ إذ توجد بعض المخاوف من تسببها بالضرر للكلية والجهاز التناسلي والجهاز الوعائي، أو وجود بعض الاختلاطات مع بعض الأدوية. ويُذكر أنها قد تسبب ردودَ فعلٍ تحسسيةً لدى الأشخاص الحساسين لنباتات العائلة النجمية (Asteraceae)، وتوصَى النساء الحوامل بتجنبها أيضًا (5).

وقد تكون الناحية السلبية في استخدام محليات الستيفيا هو وجود طعم مر ناتج عن بعض المكونات الكيميائية التي تخلِّف طعمًا مرًا خفيفًا، وقد تمكن العلماء من حل هذه المشكلة بابتكار طرائق استخلاص دقيقة وعالية الكفاءة (4).

هل نستطيع زراعة الستيفيا في المنزل؟

يمكن زراعة نباتات الستيفيا في المنزل كعشبٍ سنوي في الفترة الممتدة من أواخر الربيع حتى الصيف، ويمكن عندها استخدام أوراقها لتحلية الأطعمة والمشروبات، لكن إكثارها يعدُّ صعبًا نسبيًّا (5,6).

أخيرًا؛ يمكننا القول إن مستقبل الستيفيا يبدو واعدًا، ويمكن أن تستخدم على نطاق واسع في مناطق مختلفة من العالم، إذ إنها تتمتع بقيمة تجارية عالية في عديدٍ من البلدان كونها مادة بديلة للسكر يمكن أن تستخدم في صناعة الأطعمة والمشروبات مستقبلًا، إضافةً إلى أنها قد تكون عاملًا مساهمًا في علاج بعض الأمراض المزمنة وإدارتها وهو ما سنعرفه في السنوات القادمة باستمرار الدراسات السريرية الدقيقة.

المصادر:

1. Tandel K. Sugar substitutes: Health controversy over perceived benefits [Internet]. 2011 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

2. Gupta E, Purwar S, Sundaram S, Rai G. Nutritional and therapeutic values of Stevia rebaudiana: A review [Internet]. Academicjournals.org. 2013 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

3. Plants Profile for Stevia rebaudiana (candyleaf) [Internet]. Plants.usda.gov. 2020 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

4. Ahmad J, Khana I. Stevia rebaudiana Bertoni.: an updated review of its health benefits, industrial applications and safety [Internet]. 2020 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

5. Lemus-Mondaca R, Vega-Gálvez A. Stevia rebaudiana Bertoni, source of a high-potency natural sweetener: A comprehensive review on the biochemical, nutritional and functional aspects [Internet]. 2012 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

6. Everything You Need to Know About Stevia [Internet]. Healthline. 2020 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

7. Effects of stevia, aspartame, and sucrose on food intake, satiety, and postprandial glucose and insulin levels [Internet]. 2010 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا

8. Artificial sweeteners [Internet]. 2016 [cited 1 September 2020]. Available from: هنا