كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (متاهة الأرواح): الأجوبة جميعها في المتاهة

يعود لنا الكاتب الإسباني الشهير كارلوس زافون بآخر جزء من سلسلة مقبرة الكتب المنسية، وعلى الرغم من تنويه الكاتب إلى عدم اتصال الأجزاء اتصالًا حقيقيًّا، ولكنَّ الخط الواهي الجامع للشخصيات وللأماكن يقودنا إلى قلب الحكاية قصة تلو أخرى.

وعلى اختلاف المنحى السردي وتشابهه بين الروايات الأربع: ظل الريح هنا ولعبة الملاك هنا وسجين السماء هنا ومتاهة الأرواح، ولكنَّ الأخيرة احتلت المرتبة الأولى من ناحية الحجم.

 

يعرض زافون شخصيات جديدة مع تصوير للحرب الأهلية الإسبانية، وتحقيقات ترتبط باختفاء إحدى الشخصيات التي سبق عرضها في السلسلة بعد ظهور كتاب نادر يحمل رمزًا لأدراج حلزونية ويُعدُّ الدليل على هذا الاختفاء؛ الأمر الذي يربط ما بين أهم الشخصيات القديمة والشخصيات التي عرضت في الرواية الحالية فحسب، منتهيةً بنقطة بداية السلسلة ألا وهي (مقبرة الكتب المنسية).

"كان الكتاب بما لا يزيد عن مئتي صفحة تقريبا، مجلد بجلد أسود. لا عنوان على غلافه أو ضلعه. والرمز الوحيد الذي بالإمكان تمييزه هو صورة على شكل لولبي، مدقوقة بالذهب على الغلاف. كان النقش يخلق ما يشبه الإيهام البصري، بحيث إن القارئ إذا أخذ الكتاب بين يديه، تولد لديه انطباع بأنه يرى سلما حلزونيا يهبد إلى بواطن الكتاب.

وعند فتحه، تظهر في صفحاته الثلاث البيضاء الأولى رسوم بقلم الرصاص لقطع الشطرنج: فيل وبيدق وملكة، كان لتلك القطع ملامح بشرية غامضة. للملكة عينان سوداوان وبؤبؤان عموديان، مثل عيون الزواحف "

وكان لأمر وصف الجانب النفسي للشخصية اهتمام بالغ من الكاتب، بالإضافة إلى الوصف البارز لمدريد وبرشلونة والتي برزت علامةً فريدة في كتب السلسلة جميعها، والاهتمام بالجانب الفكري للشخصية من ناحية العرض الثقافي بالإضافة إلى التشويق.

وعلى الرغم من أنَّ الكتاب يتبع لسلسلة تتيح للقارئ حرية التلاعب بالترتيب، كونها مبنية على أحداث غير تراكمية لا تعتمد على ما سبقها، ولكنَّ العمل الحالي لا يقدم حيزًا واسعًا للقارئ كما قدمته الأعمال السابقة، فمع حقيقة عرضه لشخصيات وأحداث جديدة، يظهر ارتباط واسع للقصة بما سبقها بعدة أقسام ضمن الرواية، خاصةً بأنَّ هذا الارتباط يأتي مع ثلاثة أعمال مجتمعة؛ الأمر الذي يشكِّل تحديًا أصعب على الكاتب من ناحية فهم القصة فهمًا سليمًا إذا ما أراد تقديم العمل زمنيًّا عمَّا سبقه.

أما عن أسلوب الكتابة، فكان زافون محافظًا على سوية واحدة فيما بين روايات السلسلة جميعًا سواء أكان من حيث السلاسة والابتعاد عن الحشو أم باستخدام صور وتراكيب قوية التعبير.

وعن طريق العمل الروائي ظهرت سلسلة من الأجيال المختلفة، ونقاط تتيح للقارئ العودة إلى القصص السابقة، ولا سيما عن طريق الاتصال بالشخصيات البطولية، بداية بالكاتب دافيد مارتين برواية لعبة الملاك وصولًا إلى خوليان في ظل الريح، مع ظهور لشخصية روائية مفقودة كانت قد احتلت دورًا في السلسلة السابقة، وإضافة كاتب إضافي خاص بهذه الرواية.

وبالحديث عن جوهر الرواية والأفكار التي أراد الكاتب إيصالها، فقد كانت بدورها عديدة كالأفكار المذكورة سابقًا في أجزاء السلسلة تمامًا، فأولها وصف للمعاناة الإسبانية وتسليط الضوء على قضايا الفساد والتطرق إلى الفاشية وإن كان بمنحى ضيق، ويضاف إليها وصف متعمق للأدب وذكر لأهميته وسمات الشخصية الحاملة له انطلاقًا من ظاهرة تعدد الكتَّاب في السلسلة الروائية، ووصف للذات الإنسانية، وطرق الفضيلة والخطيئة، والأفكار الاجتماعية السائدة عن عامة الإسبان.

وإجمالًا، فإنَّ زافون استطاع إنهاء السلسلة برواية كثيفة الأفكار والأحداث، مُظهرًا مهارةً في كيفية الربط فيما بين السلسلة دون التخلي عن الخصوصية التي تحيط بأعمال المجموعة كلها، لتكون متاهة الأرواح هي المخرج للقارئ  من السلسلة الذي سبق وأن دخل من مداخلها الثلاثة.

معلومات الكتاب:

زافون، كارلوس. متاهة الأرواح، معاوية عبد المجيد، بيروت - بغداد، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، 2020.