علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

العنف القائم على النوع الاجتماعي

العنف القائم على النوع الاجتماعي

العنف ظاهرة أزلية موجودة منذ وجود الإنسان على كوكب الأرض، نعلم كثيرًا عنه ونستمرُّ في محاولة الابتعاد عنه وتخفيفه وإزالته من محيطنا.

إنَّ أشكال العنف معروفة كالحروب والقتل والسرقات وكثيرٍ غيرها، وهي أشكالٌ نراها بعيدة عنا أو خارج دائرتنا أحيانًا، ولكن يوجد نوع من أنواع العنف قُربنا ويتجذَّر في حياة كثيرٍ منا ويُدعى "العنف القائم على النوع الاجتماعي".

ويقوم هذا المفهوم أساسًا على عدم المساواة بين الجنسين التي تنبع من مفهومات أو قواعد أو قوانين وضعها مجتمع ما؛ إذ يكون العنف موجَّهًا إلى نوع معين من الأشخاص دون غيره. ويختلف هذا الأمر من مجتمع إلى آخر وفق قواعد هذا المجتمع؛ أي تُطالَب النساء بأمور معينة مختلفة عمَّا هو متوقَّع من الرجال أو على العكس في بعض المجتمعات الأخرى (يُطلَب من الرجال أمور لا تُطلَب من النساء)، وتحمل هذه المتطلبات في مضمونها نوعًا من العنف والحرمان من الحقوق الإنسانية، مثل أن تتزوج الفتاة في عمر صغير، أو أن يترك الصبيُّ المدرسةَ لأنه يجب عليه تأمين المعيشة، أو وصم المرأة إن تطلقت، أو تحديد عمر زواج الفتاة، وإلخ..

والعنفَ القائم على النوع الاجتماعي (Gender based violence(GBV هو فعل ضار ومؤذٍ يُرتكَب ضدَّ إرادة الشخص ويُنسَب إلى الاختلافات الاجتماعية بين الجنسين، وتسبّب هذه الأفعال الضارة الأذى الجسدي أو النفسي أو الجنسي، وقد تشمل التهديد أو الإكراه أو الحرمان من الحرية والحقوق الإنسانية.

كذلك يمكن أن يُمارس العنف في أثناء الحروب والنزوح وداخل العائلات من قِبَل الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة، ويزداد تعرُّض الفتيات والنساء لهذا النوع من العنف في النزاعات والتشرد والفقر المُدقِع وحالة الأقليات، إضافةً إلى المعايير الاجتماعية التي تحدّ حريةَ الفتيات والنساء.

ويشمل العنف القائم على النوع الاجتماعي: العنف المنزلي وزواج الأطفال وجرائم الشرف والاتّجار بالأشخاص والاغتصاب وغيرها. وتشكّل النساء النسبة الأكبر التي تتعرض لأشكال العنف هذه مقارنةً بالرجال، سواءً تعرّضنَ لها بطريقة مباشرة وعلنية أم ضمنية عن طريق نطاق حالة اجتماعية معينة.

ونعرض هنا بعض الإحصائيات التي وردت فيما يخص العنف ضد النساء والفتيات:

-  تعرّضت 35% من النساء في العالم لعنف الشريك (الجسدي أو الجنسي)، وقد تصل هذه النسبة إلى 70% في بعض المجتمعات.

- نصف النساء اللواتي قُتِلنَ في عام 2012 قد قتلهنَّ الشريك الحميم أو عائلاتهن.

- تتعرض فتاة من كل عشر فتيات -على الأقل- للاغتصاب أو نوع آخر من أنواع العنف الجنسي.

- تشكّل النساء والفتيات 98% من الأشخاص الذين يُتاجَر بهم أو يُستغلّون جنسيًّا، ويبلغ عددهن 4.5 مليون امرأة.

- أفادت 83% من الفتيات اللواتي أعمارهنَّ بين الـ 12 والـ 16 سنة بتعرضهن للتحرش الجنسي في المدارس، وذلك في الولايات المتحدة فقط.

ويُعدّ العنف المنزلي من أهم أشكال العنف القائم على النوع الذي تتعرض له النساء، وهو ما يمارسه الشريك الحميم من عنف جسدي وجنسي ونفسي والحرمان من الأكل واللباس وحتى العاطفة! وما يثير الاهتمام أنّ أفراد المجتمع ومُرتكِب العنف يلومون الضحيةَ -في كثير من الحالات- ويضعونها في موقع المسؤولة عن عدم قدرتها على حماية نفسها، ويتدخل العنف القائم على النوع عندما تُجبَر الضحية على قبول اللوم جزءًا من العادات أو المتطلبات الاجتماعية، مما يجعلها تعتقد أنها تستحق الإساءة وتبدأ تلوم نفسها.

وتنتقل هذه الأدوار أو المتطلبات الاجتماعية بين الأفراد عن طريق التربية والمدرسة والسلطة الدينية والأشخاص ذوي السلطة.

ويكون التعامل مع هذا النوع من العنف ومعالجته أمرًا صعبًا وحساسًا، ويعود ذلك إلى صلابة العادات والأدوار الاجتماعية المطلوبة من كلا الجنسين مثل الدور العنيف والخشن المُرفَق بالدور الذكوري؛ إذ يُفرَض عليه التوفير للأسرة وفرض السيطرة منذ عمر صغير، مما يؤدي إلى العنف، وفي المقابل يُطلَب من النساء أن تحافظ على تماسك الأسرة حتى إن تتطلب الأمر قبول العنف المزمن.

وقد يكون ذكر العنف أو مواجهته أو تقديم الشكوى صعبًا على الضحية، لأنه في بعض المجتمعات يسبب هذا النوع من العنف أضرارًا جسدية خطيرة على الضحية ومشكلات صحية، كذلك قد يسبب العنف الجنسي أمراضًا جنسية وحملًا قسريًّا ومشكلات ترتبط بجرائم الشرف، إضافةً إلى ما يسببه من أضرار نفسية.

وتزيد الوصمة التي ترتبط بالضحية الأنثى الأمرَ سوءًا إن تحدثت أو قاومت أو رفضت العنف، علمًا أنّ هذه الأمور تحدُّ من تفاعل المرأة مع مجتمعها إيجابيًّا بسبب الشعور بعدم الأمان والتقليل من قيمة الذات الناتج عن العنف والوصمة التي تلحق بها بسببه.

وتعمل برامج الوقاية في بعض البلدان على الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وذلك بتوعية أفراد المجتمع والأفراد الأكثر تأثيرًا فيه بهذه الأدوار وطبيعتها وما تسببه.

وبعد فهم طبيعة هذه الأدوار يُسعَى إلى خلق معايير جديدة (التوقعات عن كيفية تصرف النساء والرجال والفتيان والفتيات) تحمي من العنف، والانتباه لدعم حقوق النساء والفتيات خاصة، والمساعدة على تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية والقانونية.

إن توزيع الأدوار في مجتمع ما -ولا سيما بين الجنسين- ليس أمرًا سيّئًا يسبب العنف مباشرة، ولكن عندما تنطوي هذه الأدوار على العنف والحرمان من الحقوق فإنها تعطّل التطور والمعيشة.

وتكمن خطورة هذا النوع من العنف في كونه ينتقل بين الأفراد وتبرره العادات والأفكار في مجتمع ما، إذ تكون هذه العادات مترسّخة على نحو يصبح الانتباه لها صعبًا (لأنها عادات)، وبذلك تصعب معالجتها أو التخفيف من حدة العنف.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4 -هنا