الغذاء والتغذية > الرياضة وتغذية الرياضيين

أقنعة نقص الأوكسجين والرياضة بين العلم والدعاية!

أنت في صالة الألعاب الرياضية تمارس تمارينك المعتادة، وإذ بك تصادف شخصًا يشبه شخصيةَ Predator من فيلم Alien vs. Predator أو شخصيةَ Bane من فيلم The Dark Knight Rises، فهل لفت نظركَ قناعٌ كهذا أو تساءلت يومًا عن كيفية استخدامه؟

تُعرف هذه الأقنعة بأسماء متعدِّدة؛ منها أقنعة التمرين، وأقنعة التنفس، وأقنعة نقص الأوكسجين Hypoxia Masks، وأقنعة محاكاة المرتفعات High Altitude Simulation Mask، وأقنعة الارتفاع Altitude Mask. وتعدُّ هذه الأقنعةُ منتجًا حديثًا نسبيًا، وقد صُمِّمت لتقليد ومحاكاة تأثير الارتفاع عن مستوى سطح البحر عبر تقييد تدفق الهواء إلى رئتَي مرتدي القناع والحدِّ منه، إذ يعتقد بعضٌ من الناس أنَّ هذا التأثير مفيدٌ لتعزيزِ عضلات الجهاز التنفسي وخلق حالةٍ من نقص الأوكسجين في الدم Hypoxemia بغيةَ تحقيق الهدف النهائي المتمثِّلِ في تحسين الأداء الرياضي.

وقد شهدت العقود القليلة الماضية عدَّة محاولاتٍ لمحاكاة التمرين فوق مستوى سطح البحر بطرائق مختلفة؛ بدءًا من غرف النوم المرتفعة الضغط وصولًا إلى الخيم المنخفضة الأوكسجين وآلات نقص الأوكسجين المحمولة، وتتطلب جميع هذه الطرائق مستوى احترافيًا عاليًا قبل التمكُّن من تجربتها، في حين تُعدُّ أقنعةُ نقص الأوكسجين خيارًا أرخص نسبيًا، إذ تُباع بأقلَّ من 100 دولار. وقبل أن نتعمَّق في الفكرة من ارتداء القناع وجدوى ذلك دعونا نتحدث عن سبب وجود هذه الأقنعة منذ العام 2009 علمًا أن قلَّة من الناس قد سمعوا عنها حتى يومنا هذا.

بدأت فكرة ارتداء قناع نقص الأوكسجين بداية حقيقية عندما أُتيحت النسخة الأولى من تصميم شركة BALCO على نطاقٍ واسع، وكان ذلك من قبل Victor Conte، وقد بدا القناع وقتها أشبه بشريطٍ قماشيٍّ مستخدمٍ على هيئةِ حزامٍ للوجه، لكنْ، لسوء الحظ، كانت سمعةُ Conte بخصوصِ تقديم منتجات رياضية مدعومةٍ علميًا سيئة جدًا، إضافةً إلى فشل الدراسات في إظهار أي فائدةٍ حقيقيةٍ لهذه الشرائط، إذ إنَّ الشركة لم تحاول تنفيذ أبحاثٍ بخصوصِ الأقنعةِ التي أنتتجتها، ولم تقدم أي دعمٍ ماديٍّ لجهاتٍ أخرى قادرةٍ على تنفيذ أبحاث كهذه.

ما هو نقص الأكسجة Hypoxia؟

نقص الأكسجة Hypoxia؛ أو ما يُعرف أيضًا باسم نقص الأوكسجين Hypoxiation، هو حرمان كامل الجسم أو منطقةٍ منه من الإمداد بالأوكسجين الكافي. ويسعى عديدٌ من الرياضيين الذين يشاركون في المنافسات العالمية إلى التدريب في مناطقَ مرتفعةٍ عن سطح  البحر بهدف الحصول على ميزة تساعدهم على التغلب على منافسيهم [1]، إذ يحدث في المرتفعاتِ نقصٌ في معدل أوكسجين الدم مؤديًا إلى إنتاج مزيدٍ من الإريثروبويتين Erythropoietin أو EPO؛ وهو هرمونٌ تنتجه الكلى ويُعزِّز قدرة الجسم على الأداء الرياضي، ويؤدي دورًا أساسيًا في إنتاج خلايا الدم الحمر RBCs التي تحمل الأوكسجين من الرئتين إلى بقية الجسم [2].

وحسب الشركة المصممة، يحتوي هذا القناع على عديدٍ من أغطية الصمامات التي يمكن تغييرها لمحاكاة مستوى الارتفاع المطلوب، وتبدأ الخيارات من 3000 قدم وصولًا إلى 18000 قدم.

ولكن هل يحاكي هذا الجهاز حقيقةً نقص الأوكسجين الناتج عن الارتفاعات؟

كما ذكرنا سابقًا، يعدُّ التدريب على الارتفاعات والتعرُّض لنقص الأوكسجين شائعًا بين لاعبي رياضات التحمل Endurance Athletes، ويوصي به عديدٌ من المدربين بهدف الحصول على منافعَ ملحوظة أثناء المنافسات التي تجري في مناطق قريبةٍ من مستوى سطح البحر. ومن المعلوم أن الضغط الجوي ينخفض مع زيادة الارتفاع عن سطح البحر، وعلى الرغم من أنَّ تركيز الأوكسجين يبقى ثابتًا؛ ويعادل 20.9%، لكنَّ ​​الضغطَ الجزئي للأوكسجين ينخفض تدريجيًا، مقلِّلًا كميةَ الأوكسجين التي يمكن إيصالُها إلى أنسجة الجسم للاستفادة منها، وبناءً على ذلك، تُصنَّف الارتفاعات وفق مستوى التغيرات الفيزيولوجية المرصودة ومسببات الإجهاد المختلفة، ويكون ذلك على النحو الآتي:

وتتعدَّد الآليات المقترحة لتأثير نقص الأوكسجين على الأداء الرياضي؛ ومنها زيادةُ حجم كرات الدم الحمراء، وزيادةُ القدرة على ممارسة التمارين الهوائية، وزيادةُ كثافة الشعيرات الدموية. وقد ازداد عدد الراغبين باتِّباع هذا الأسلوب مع تزايد ضوابط مكافحة المنشطات وخصوصًا بين صفوف نخبةِ رياضيِّي العالم، علمًا أن فعالية التدريب على ارتفاعات عاليةً وتمارين نقص الأوكسجين ما زالت قيد المناقشة في دوائر البحث، لكنَّ ذلك لم يمنع الرياضيين من التجمُّع في معسكرات تدريب الارتفاعات واستخدامِ أجهزة محاكاة الارتفاعات سعيًا إلى تحسين أدائهم الرياضي [3].

 

نقص الأوكسجين الناتج عن قناع التدريب:

ما زالت الأبحاث الخاصة بقناع التدريب محدودة جدًا، لكنَّ دراسةً منشورةً في العام 2017 أشارت إلى قدرته على محاكاة تأثير الارتفاعات بكفاءة كبيرة، لكنَّ عدد المشاركين في تلك الدراسة كان خمسةً فقط، علمًا أن جميعَهم كانوا ذكورًا أصحاء وأجروا تمرينًا مدته 20 دقيقة على آلة المشي treadmill وكان الحدُّ الأعلى لمعدَّل توافر الأوكسجين 60%؛ وهو أقصى حجم من الأوكسجين يمكن للشخص أن يحصل عليه أثناء التمرين VO2max، وقام المشاركون بارتداء قناع التدريب في ثلاثةِ إعداداتٍ مختلفةٍ للارتفاعات وهي: 3000 قدم، و9000 قدم، و15000 قدم. وقد أظهرت النتائج حدوث انخفاضٍ معنويٍّ في مستوى تشبُّع الأوكسجين في الدم Blood Oxygen Saturation أو SPO2 عند محاكاة الارتفاعين الأعلى فقطح وهما 9000 قدم و15000 قدم، دون التوصُّل إلى فروقٍ معنويةٍ إحصائيًا في مقدار نقص الأكسجة بينهما.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الاكتشاف الأهم لهذه الدراسة - على الرغم من قلة المشاركين فيها - يكمن في آلية حدوث نقص الأكسجة باستخدام هذا القناع، فقد بيَّن الباحثون أنها تنتُجُ عن إعادةِ ثاني أكسيد الكربون الناتج عن التنفس عبر حبسِهِ في أقنعة المستخدمين، إضافةً إلى تقليلِ كمية الهواء المتدفقة عبر القناع [4]، وهي آليةٌ مختلفةٌ عن نقصِ الأكسجة الحاصل في المرتفعات والذي تحدَّثنا عنه في الفقرة السابقة.

من جهةٍ أخرى، أُجريت دراسةٌ كندية في معهد شمال ألبرتا للتكنولوجيا Northern Alberta Institute of Technology شملت مجموعةً مختلطةً مؤلَّفةً من 14 رجلًا وامرأة أجروا خمسَ دوراتٍ عاليةَ الكثافة؛ أي 90-100% من حجم الأوكسجين الأقصى الذي يمكن أن يأخُذَه الشخص أثناء التمرين VO2max، وكان ذلك في أثناء ارتدائهم الإصدارَ الأول من قناع التدريب وبمعدَّلِ مرتين أسبوعيًا وعلى مدى خمسةِ أسابيع دون ذكر أية معلومات عن إعدادات الارتفاعات، وقد أشارت الدراسة إلى حدوث زيادات كبيرةٍ في مقدار التهوية وحجم استيعاب الرئتين عند كلٍّ من الرجال والنساء، فضلًا عن تعزيز عضلات الجهاز التنفسي وزيادة إنتاج الطاقة بفعل قناعِ التدريب لكنَّ ذلك كان أكثر وضوحًا لدى الرجال، ويُعاب على هذه الدراسة قلةُّ موثوقيتها نتيجة نشرِها على موقع الشركة الصانعة فقط فضلًا عن قلَّةِ عدد المشاركين فيها [5].

 

وبذلك نجدُ أن التغيُّرات التي تحصل عند استعمال القناع لا تُماثل تلك التي تحصل عند الوجود على ارتفاعات عالية، إذ لم يلحظ الباحثون زيادةً في إنتاجِ خلايا الدم الحمر أو القدرةِ على حمل الأوكسجين، ويعود ذلك إلى آلية عمل القناع التي ترتكز على تقليل كميةِ الهواء التي يمكن أن تنتفسَّها وإجبارك على إعادة استنشاقِ ثاني أكسيد الكربون الذي طرحته سابقًا مع هواء الزفير، ممَّا يجعل التمرين أكثر صعوبةً، وهو عكس ما يحدُث في الارتفاعات العالية حيث يقلُّ تركيز الأوكسجين الفعلي، وبذلك يبدو أن هذه الأقنعةَ لا تُحاكي الارتفاعات على نحو حقيقي أو كامل، بل إنَّها تشبه بجهازَ تدريب العضلات التنفسية، وهو ما أشارت إليه دراسةٌ مجراةٌ عام 2016 [6].

آراء الدراسات بفعالية أقنعة نقص الأوكسجين:

إضافةً إلى الدراسات السابقة، توصلت دراسة مجراةٌ عام 2010 إلى أن الاعتماد على عملية نقص الأكسجة أثناء التدريبات الرياضية قد لا يكون مفيدًا دائمًا عند التنافس في مناطقَ واقعةٍ قرب مستوى سطح البحر، وذلك على الرَّغم من وجود أدلةٍ قويةٍ على فوائدِ التدريب في المرتفعات حيث الأوكسجين القليل [7].

وبعبارةٍ أخرى، إذا كنت ستتدرَّب أو تخوض منافسةً قريبةً في دنفر Denver؛ التي تقع على ارتفاع 1609 مترًا فوق مستوى سطح البحر، أو في التيبت Tibet؛ التي تقع على ارتفاع 4250 مترًا فوق مستوى سطح البحر، أو على قمةِ جبل إيفريست Mount Everest، التي تقع على ارتفاع 8848 مترًا فوق مستوى سطح البحر، فإ،َّ بإمكانك أن تضيف التدريب في ظروفٍ من نقص الأوكسجين إلى نظامك الرياضي، لكنْ لا يُنصح بالخوض في هذه التجربة قبل استشارة الطبيب المختص.

 

من جهةٍ ثانية، توصَّلت دراسةٌ بحثيةٌ أخرى في العام 2007 إلى أنَّ تعرض الأشخاص ذوي التدريب المعتدل إلى نقص حادٍّ في الأوكسجين في خلال برنامج تدريبٍ قصير المدى مكوَّنٍ من تمرينٍ متقطعٍ متوسط إلى عالي الكثافة لم يكُنْ له أيُّ تأثيرٍ على تحسُّن قدرتِهم على الأداء الرياضي الهوائي أو اللاهوائي [8]. وهذا يعني أنَّ الشخص العادي الذي يمارس الرياضة بهدف المحافظة على الرشاقة والصحة لا يحتاج إلى إضافةِ تدريب نقص الأوكسجين إلى نظامه الرياضي، لأنَّه لن يقدم أي فوائدَ تذكر على أدائه أو لياقتِهِ عامًّة.

 

يُذكر أن إحدى الدراسات المجراة عام 2001 أشارت إلى قدرة تمارين نقص الأوكسجين المتقطِّعة Intermittent Hypoxia Training على زيادة عدد الخلايا الحمر والقدرة الهوائية للرياضيين عند أدائها على نحو صحيح ودقيق، ويشير مصطلح متقطع إلى تمرين مدَّته 5-7 دقائق من نقص الأكسجة الثابتة أو المتزايدة تدريجيًا، ومن ثمَّ العودة إلى الحالة الطبيعية مدةً مكافئةً ، وهكذا [9].

 

كذلك توصل الباحثون إلى أن ارتداء أقنعة نقص الأوكسجين في أثناء ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن يقلِّل من فعالية الأداء الرياضي بنسبة 20% حسب بعض التقديرات، وهذا ما يتوافق مع إحدى الدراسات المنشورة في مجلة أبحاث القوة والتكيُّف Journal of Strength and Conditioning Research التي حاولت الشركة تقديمها لإثبات ادعاءاتها، إذ اختُتِمَت الدراسة بالتأكيد على أن إمكانية استخدامِ شيءٍ ما لا تعني وجوب استخدامه بالفعل! فمن الواضح أنَّ استخدام قناع التدريب على نحو دائم ليس محبَّذًا على الإطلاق، لأنَّ الانخفاض في كلٍّ من قدرةِ التحمُّل في أثناء ممارسة التمارين الرياضية والقدرةِ القصوى على ممارسة التمارين يمكن أن يُقلِّل من جودة التدريب ويؤثِّرَ سلبًا على أداء تمارين التحمل [10].

وترافَقت تلك الخاتمةُ مع اقتراحِ استخدام قناع التدريب في بعض الأحيان فقط وبوصفِهِ جزءًا من التدريب المنخفضِ الكثافة للعدائين الذين يتمرنون 10-15 ساعة في الأسبوع، في حين يؤدي في الحالات الأخرى إلى خفضِ جودة التدريب والأداء مع إمكانية حدوث تأثيرٍ معاكسٍ وضارٍ بالرئتين. وبمعنى آخر، فإنَّ ارتداء قناع التدريب قد يُقلِّل كثافةَ التمرين القصوى ووتيرتَه، ويمكن أن يخفض القدرة على الاستمرار في ممارسة التمرين، ليقف بذلك حجر عثرةٍ في طريق النجاح.

أخيرًا، إذا كان هدفكم الأساسي هو زيادة كمية الأوكسجين التي يمكن أن يحملها الدم إلى العضلات، فإنَّ باحثي جامعة Rutgers University ينصحون معظم الرياضيين بزيادةِ كفاءةِ النظام العضلي والهيكلي، الأمر الذي يسمح بالاستفادة من التمرين والأوكسجين المتوفر إلى الحدِّ الأقصى.

 

المصادر والدراسات المرجعية:

1.      Wilber، R. (2004). Altitude Training and Athletic Performance. Champaign، IL: Human Kinetics.

2.      Brooks، G.A.، Fahey، T.D.، & Baldwin، K.M. (2005). Exercise Physiology: Human Bioenergenetics and Its Applications. New York، NY: McGraw Hill هنا

3.      Jacob A.Sinex & Robert، F.Chapman; Hypoxic training methods for improving endurance exercise performance; School of Public Health، Department of Kinesiology، Human Performance Laboratory، Indiana University، Bloomington، IN 47401، USA; Received 17 March 2015، Revised 15 June 2015، Accepted 9 July 2015، Available online 23 July 2015. هنا

4.      Granados، J.، Jansen، L.، Harton، H.، Gillum، T.، Christmas، K.، & Kuennen، M. (2014). “Elevation Training Mask” induces hypoxemia but uses a novel feedback signaling mechanism. International Journal of Exercise Science، 2(6)، Abstract. هنا

5.      Dregar، R.W. & Paridis، S. (2013). Clinical study and technical report by NAIT University. Training Mask. هنا

6.     Porcari JP، Probst L، Forrester K، et al. Effect of Wearing the Elevation Training Mask on Aerobic Capacity، Lung Function، and Hematological Variables. J Sports Sci Med. 2016;15(2):379-86. هنا

7.     Vogt M، Hoppeler H. Is hypoxia training good for muscles and exercise performance?. Prog Cardiovasc Dis. 2010;52(6):525-33. هنا

8.     James Peter Morton & Nigel Tim Cable (2005) The effects of intermittent hypoxic training on aerobic and anaerobic performance، Ergonomics، 48:11-14، 1535-1546، DOI: 10.1080/00140130500100959 هنا

9.     Bernardi L. Interval hypoxic training. Adv Exp Med Biol. 2001;502:377-99.هنا

10.  Raven PB، Davis TO، Shafer CL، Linnebur AC. Maximal stress test performance while wearing a self-contained breathing apparatus. J Occup Med. 1977;19(12):802-6. هنا