علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

التفكير خارج الصندوق؛ مفتاحه شمعة.

معضلة الشمعة؛ تجربةٌ أجراها عالم النفس دانكر Duncker؛ إذ أعطى المشاركون الخاضعون للدراسة حلولًا إبداعية، لكنها لم تكن كافية وينقصها شيء ما؛ علّق بعضهم  الشمعة لوحدها باستخدام الدبابيس على الحائط؛ في حين أذاب آخرون الشمعة ليستخدموا الشمع الذائب في لصق الشمعة على الحائط، ولكنّ أحدًا منهم لم يفلح، ويرى Duncker أنّ هذه المعضلة تتطلب من المشاركين الخروج في تفكيرهم خارج الصندوق الوهمي الذي يضعون أنفسهم داخله، وأن ينظروا إلى المعضلة من هناك؛ سيجدون الحل بكل سهولة وسرعة؛  إذ إنّ تفكيرهم في الأشياء على نحوٍ ثابت لا يتعدى المهمة المصنوعة من أجلها هو ما يقف عائقًا أمام حلّها؛ إذ يصعب عليهم أن يروا أيّة وظيفةٍ أخرى لصندوق الدبابيس غير احتوائها! وهذا ما نسميه بالثبات الوظيفي (functional fixedness)، ولتسهيل الحل؛ قُدّمت الدبابيس خارج صندوقها، فكانت احتمالية استخدام المشاركين للصندوق في الحل أكبر؛ إذ كان الحل الصحيح هو أن تُفرغ صندوق الدبابيس من محتوياته، وتعلقه بالدبابيس على حائط الغرفة المصنوع من الفلين ليكون حاملاً للشمعة فيمنع سيلان الشمع الذائب على الطاولة أو الحائط، وقد كان هدف دانكر  Duncker من هذه التجربة أن يدعو للتفكير خارج الصندوق وإلى عدم الالتزام بنمطية الأشياء؛ فهو المفتاح لحل جميع مشكلاتنا.

ليأتي -فيما بعد- كلٌّ من وايزنبرغ R.Weisberg و سولس J.Suls  في تحليلهما لتجربة دانكر Duncker من ناحية معالجة المعطيات المقدمة للمشاركين وتأثيرها في الحل، وذلك عبر ست تجارب تضمنت تقديم صندوق الدبابيس بطريقةٍ مختلفة، أو تسهيل الحل بالإشارة إلى الصندوق؛ إمّا بوضع علامةٍ عليه، وإمّا تقديمه فارغًا، ثم درسوا الترتيب الشخصي لحل المشكلات واستخدام المتواليات والاحتمالات وتغير الحلول بتغير الإرشادات والتوجيهات، أو بتقديم أدواتٍ متعددة؛ فوجودوا تغييرًا واضحًا في نسبة الوصول إلى الحل بين المشاركين وسرعته.

ثم أتى غلاكسبرغ Glucksberg ليثبت أثر التوتر في قدرة المشاركين على حل معضلة الشمعة، وليؤكد بذلك أنّ تأثرنا بالمشكلة يبقينا داخل الصندوق ويؤثر في تقديمنا للحلول الإبداعية؛ إذ أجرى التجربة على طلاب ماجستير إدارة الأعمال، وقدم الدبابيس خارج الصندوق وداخله؛ ولكنّه أضاف متغيّرًا جديدًا للتجربة، وهو الحافز والدافع المادي؛ إذ قسم المشاركين إلى مجموعتين؛ الأولى قيل لها  أنّ الهدف من الدراسة هو استخدام النتائج في بحث لاحق وأنّ الحل أهم من الوقت اللازم له، وقيل للمجموعة الثانية أنّ صاحب الحلّ الأسرع سيحظى بجائزة مالية، فجاءت النتائج على النحو الآتي: وصل معظم المشاركين إلى الحل الصحيح وبالسرعة نفسها عندما قُدّمت الصناديق فارغة بجانب الدبابيس، أمّا مع الصناديق المغلقة؛ فقد كان أداء المجموعة الثانية التي عُرض عليها الحافز المالي أسوأ بكثير من أداء المجموعة الأولى، إذ أثّر توترهم في وصولهم إلى الحلّ؛ فقد أطال فترة الخمود وترك السيطرة لنمطية التفكير (العادة المسيطرة) وأخّر ظهور  (العادة الصحية)؛ أي أنّه أغلق أبواب التفكير الإبداعي ومناطق حل المشكلات في الدماغ، ولكنّ لم يُدرس أثر هذا التوتر في حالة الصناديق الفارغة؛ فمعظمهم قد وصلوا إلى الحل بالسرعة نفسها تقريبًا.

وأخيرًا؛ درس كلّ من فليك I.Fleck  و ( هيغينس E. Higgins و شاريز W. Chairies)  في بحثين منفصلين أثر البروتوكولات اللفظية المتبعة في طرح المشكلة قبل حلها؛ فوجدوا في بحث فليك I.Fleck   أنّه يمكن استخدام التوضيحات اللفظية لتسهيل حل المشكلة وفهم تأثيرها في المشكلات التي تتطلب وجود بصيرة؛ في حين وجد كلٌّ من هيغينس  E. Higgins وشاريز W. Chairies أنّ تكرار الألفاظ الدالة على الأدوات والأشياء المستخدمة في الحل، ووضعها في تراكيب غير مألوفة يفتح باب الإبداع والبصيرة.

فقد كانت التراكيب المستخدمة في تقديم المشكلة (لديك صندوق ودبابيس) عوضًا عن (لديك صندوق دبابيس)، وفي نسخةٍ مكتوبة للاختبار نفسه وُضع فيها خط تحت المكونات على النحو الآتي:( لديك شمعة و صندوق  دبابيس وعلبة كبريت)، وقد ساهمت هذه التراكيب اللفظية في رفع نسبة الوصول إلى الحل الصحيح من 25% إلى 50%.

إذًا؛ عندما تعترضك مشكلة ما، لا تبقى داخل جدرانها، ولاتدع عواطفك  وانفعالاتك تؤثر في إبداعك؛ اخرج وانظر إليها من هناك فستجد الحل حتمًا.  

ونترككم الآن مع معضلةٍ جديدة نأمل أن تشاركونا حلّها في التعليقات:

صل بين النقاط التسعة الآتية بأقل عدد ممكن من الخطوط المستقيمة دون أن ترفع يدك عن القلم ودون أن تترك أيّة نقطة منها:

المصادر

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

هنا

هنا

هنا