الطب > مقالات طبية

الخِزْعةُ السائلةُ

طالما كانَ السرطانُ أحدَ أهمِّ أسبابِ الوفاةِ وأشيعها في أنحاء العالم، وطالما بُذِلَتِ الجهودُ الحثيثةُ للبحثِ عنْ وسائلَ مُتعدّدةٍ وفعّالةٍ لتشخيصِ هذا المرضِ وعلاجِه.

ولمَّا كانَ التشخيصُ المُبكر يُؤِّدي دوراً مهمّاً ومحورياً في إعطاءِ نتائجَ علاجيةٍ أفضلَ؛ فقدْ تركّّزَ اهتمامُ الباحثِينَ على إيجادِ اختباراتِ التحرّي (اختبارات مسحيّة)Screening Tests للكشفِ عن وجودِ السرطانِ قبلَ ظهورِ أعراضِه على نحوٍ كاملٍ، وبعضُ هذه الاختباراتِ سهلٌ وبسيطٌ، وبعضُها معقّدٌ وغازٍ، وتختلفُ دقّةُ اختبارٍ عن اختبارٍ آخرَ أيضاً؛ إذْ إنَّ حساسيتَها ونوعيّتَها متفاوتةٌ كثيرًا. ولا تتوفرُ حالياً اختباراتٌ مسحيّةٌ لكثيرٍ من أنواع السرطان.

وفي شهرِ كانون الثاني مطلع العامِ الحاليِّ 2018؛ نَشَرتْ مجلةُ Science الأمريكيةُ ما تَوَّصلَ إليهِ الباحثون في جامعةِ جون هوبكنز؛ إذْ أعلنوا عن تَوصُّلِهم إلى اختبارٍ قادرٍ على الكشفِ عن 8 أنواعٍ من السرطانِ من خلالِ عيّنةٍ من الدمِ وأطلقوا عليها اسمَ CancerSEEK.

ويعتمدُ هذا الاختبارُ على تحليلِ مستوياتِ ثمانيةِ بروتينات وقطعٍ من المادةِ الوراثيةِ DNA الطافرةِ التي تُنتِجُها الخلايا السرطانيةُ والجائلةُ في الدمِ المحيطيِّ.

وأمَّا السرطاناتُ التي يهدفُ هذا الاختبارُ للكشفِ عنها؛ فهي سرطاناتُ الكبدِ والمبيضِ والمعدةِ والبنكرياسِ والمريءِ، وسرطانات القولون والمستقيم والرئة والثدي أيضاً؛ إذ لم تُوجدِ اختباراتٌ مسحيةٌ للسرطاناتِ الخمسةِ الأولى؛ الأمرُ الذي يُعدُّ سابقةً علميّةً مهمّةً.

وأُجرِيتِ الاختبارتُ على 1005 من المرضى المصابين بمراحلَ مُبكّرةٍ من السرطانِ، تتراوحُ بينَ المرحلتَين الأولى والثالثة، وتَراوحتْ قدرةُ الاختبارِ على كشفِ السرطانِ بينَ 33 % في سرطانِ الثدي  و98% في سرطانِ المِبيضِ معَ مُعدَّلِ حساسيةٍ وَسطيٍّ لكشفِ الورمِ يبلغ قرابةَ 70%.

وعندما أُجرِيَ الاختبارُ على 812 شخصاً سليماً لم يُعطِ نتائجَ إيجابيةً كاذبةً إلا فيما نَدَر.

لكن لم يتّضحْ بعدُ إنْ كانَ هذا الاختبارُ سيعطي نتائجَ إيجابيةً كاذبةً في حالِ وجودِ التهاباتٍ أو حالاتٍ مرضيةٍ غيرِ سرطانيةٍ مسببةٍ أذيةً نسيجيةً.

ومن أهمِّ التحدياتِ التي واجهَها هذا الاختبارُ في البدايةِ هو عدمُ قدرتِه على تحديدِ مصدرِ السرطانِ بعدَ الكشفِ عن وجودِه؛ الأمرُ الذي استطاعَ الباحثون تجاوزَه باستعمالِ تقنياتٍ برمجيةٍ خاصّةٍ من نمطِ  "تعليمِ الآلةِ" التي تمكنتْ من تجاوزِ هذهِ العقبةِ على نحو جيد، وعَبْرَها يستطيعُ الحاسوبُ تقليصَ الخياراتِ إلى اثنَين فقط في أغلبِ الحالاتِ.

وأمَّا من الناحيةِ الاقتصاديةِ فيُعدُّ هذا الاختبارُ رخيصاً نسبياً؛ إذ يُتَوقَّعُ ألَّا تتجاوزُ التكلفةُ 500 دولاراً أمريكياً.

وتُصَمَّمُ الآنَ دراسةٌ تُضمُّ أكثرَ من 10000 شخصٍ من المعروفِ عدمُ إصابتِهم بالسرطانِ سابقاً سيخضعونَ لهذا الاختبارِ؛ لنتمكَّنَ من دراستِه على نحوٍ أكبرَ، وفي حالِ نجاحِ هذا الاختبارِ في إثباتِ حساسيةٍ ونوعيةٍ جيدتيَن للكشفِ عن السرطانِ؛ فإنَّه سيكونُ فتحاً كبيراً في مجالِ الكشف المبكر عن السرطان، وسهماً جديداً في جعبةِ التغلبِ على هذا المرضِ الفتاكِ.

المصدر:

هنا

هنا

هنا