الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

الحشرات تزحف إلى قائمة طعامنا، فما السبب؟

يعدُّ الأمن الغذائي العالمي هاجساً يشغلُ بال المنظماتِ العالمية المعنيةِ بشؤون الغذاء والتغذية والصحة، إذ تحولَ تأمين الغذاءِ بكمياتٍ كافيةٍ وقيمةٍ غذائيةٍ مقبولةٍ إلى مشكلةٍ تتزايد يوماً بعد يوم نتيجةً لأسبابٍ عديدة، نذكر منها-على سبيل العدّ لا الحصر- التزايد المضطردَ في عددِ سكان العالم –والذي سيصل إلى 9 ملياراتِ نسمةٍ بحلول العام 2050– رافعاً من الاحتياجِ الغذائي بمقدار 60% عمَّا هو عليه اليوم.

ولا تنحصرُ المشكلةُ هنا، بل تترافقُ بزيادةِ الميلِ لتناولِالأطعمةِ المصنَّعة، واللحوم، ومنتجاتِ الألبان، وغيرها من المنتجات الحيوانية التي يتطلّب إنتاجُها تربية المزيد من الحيوانات التي ستستهلكُ بدورِها كمياتٍ أكبرَ من النباتات كغذاء لها، الأمرُ الذي يستدعي تأمين المساحاتِ المزروعةِ والمياهِ والأسمدة لبلوغ الإنتاجية المطلوبة.

من جهةٍ أخرى، تواجهُنا مشكلةُ تغيرِ المناخ ونقصِ المياه ونقصِ نسبةِ العاملينَ في الزراعة، وكما يعلمُ معظمُنا فإن 40٪ من مساحةِ الأرض ِفي العالمِ هي أرضٌ قاحلة غيرُ صالحةٍ للزراعة، وإن ازداد التصحّرُ الناتجُ عن ارتفاعِ درجات الحرارة، فإنّ كميةَ الطعامِ التي ننتجُها اليوم على سطح كرتنا الأرضية لن يغذّي سوى نصفِ سكان العالم بحلول العام 2050.

تتطلب الأسبابُ الآنفةُ الذكرِ البحثَ عن حلٍ ثوريٍ يضمنُ تأمين الموادِ الغذائية التي يمكن إنتاجُها بسرعةٍ دون الحاجةِ لكمياتٍ كبيرةٍ من الماء أو المغذياتِ، شريطةَ أن تكون قيمتُها الغذائيةُ كافيةً لتقديمِ ما يحتاجُهُ الجسمُ للقيامِ بعملياتِهِ الحيويةِ المعتادة. وقد طُرِحت عدّةُ بدائلَ لبلوغِ هذا الهدف، كأسماكِ المزارعِ والبروتينِ الجرثوميّ (البكتيريّ)، وكانت حلولاً جيدةً بالفعل، لكنّ جدواها الاقتصاديةَ وضرَرَها البيئيّ لا يجعلانها حلولاً مُثلى، فكان لا بدّ من حلٍّ ثوريّ بكلّ ما لهذه الكلمةِ من معنى.. وهو الحشرات!

تحتوي الحشرات الصالحةُ للأكل Edible insectsعلى بروتيناتٍ عاليةِ الجودة، وكمياتٍ من الفيتامينات والأحماضِ الأمينية الضروريةِ للبشر، وتتميزُ الحشرات بمعدّلِ تحويلٍ غذائيٍ عالٍ أيضاً، إذ تحتاج الصراصير على سبيل المثال إلى كميةٍ من الأعلافِ أقل بستِّ مراتٍ من الأبقار، وأربعِ مراتٍ من الأغنام، ومرتين من الخنازير والدجاج لإنتاج الكمية نفسها من البروتين؛ فضلاً عن سرعة دورةِ الحياة الخاصةِ بها.

يضافُ لما سبق أنّ إنتاجَ الحشراتِ يُسبب انبعاثاتٍ قليلةً من الغازاتِ الدفيئةِ والأمونيا مقارنةً بالإنتاجِ التقليديّ للمواشي، وهو ما أثبتُه فريقٌ من الباحثين الذين وجدوا أن استبدالَ نصفِ اللحوم التي تؤكل في أنحاء العالم بالصراصير والديدان سيقلّلُ استخدامَ الأراضي الزراعية بمقدارِ الثلث، وكذلك يمكن تسخيرُ النفاياتِ العضوية لزراعتِها ممَّا يتيحُ فرصةَ الاستفادةَ من هذه المخلّفاتِ أيضاً؛ وعليه فإنَّ بإمكاننا عدَّ الحشراتِ مصدراً محتملاً لإنتاجِ البروتين، إمَّا للاستهلاكِ البشريّ المباشر، وإمّا غيرِ المباشر عبر إدخالها في الأطعمةِ التي يدخلُ البروتين في تصنيعها أو بعضِ الأطعمةِ المعلّبة مسبقاً.

 

ما هي المنتجاتُ الحشرية الحالية؟

وفقاً للأمم المتحدة، يوجد اليوم أكثرُ من 1900 نوعٍ من الحشرات تصلحُ للغذاء البشريّ، وتعدُّ الخنافسُ الأكثرَ استهلاكاً(468 نوعاً)، ويليها النملُ والنحلُ والدبابير (351نوعاً)، ثمَّ الصراصيرُ والجرادُ والجنادب (267نوعاً)، ثمَّ الفراشاتُ والعثّ ودود القزّ (253نوعاً).

وتشكّلُ الحشراتُ وجبةً اعتياديةً في الدولِ الاستوائية، لكنَّها بدأت بالانتشارِ في بعضِ الدول الأخرى؛ فبدأنا نلاحظُ ظهور المنتجاتِ الحشريةِ السويسريةِ بعد رفعِ الحكومةِ السويسرية مؤخراً القيودَ المفروضة على بيعِ الحشراتِ والمنتجاتِ القائمةِ عليها، وأصبحَ يُسمَحُ لمحلاتِ البقالة بتخزينِ الدواجن والوجباتِ والصراصير، شريطةَ أن تتوافقَ الوجباتُ الخفيفةُ مع لوائحِ سلامةِ الأغذية.

وفي هذا المجال، يُذكر أن شركةَ Coop، وهي سلسلةُ متاجرَ بقالةٍ سويسرية، قد ساهمت في تفعيلِ هذا الأمر بقوّة، إذ دخلت في شراكةٍ مع Essento، وبدأ العملُ على تطوير منتجاتٍ قائمةٍ على الحشرات، فكانت النتيجةُ ثلاثةَ خياراتٍ غذائيةٍ حشرية هي البرغر، وكرات اللحم المصنوعة من ديدان Mealworms، والمنتجات التي تحتوي على دقيقِ لعبةِ الجنادب.

كما ظهر في اليابان "الرامن" المزينُ بالحشرات، وهو نوعٌ من وجباتِ النودلز المزينةِ بالحشراتِ المتربّعةِ في أعلى الطبق.

ولا يفوتُنا أن نذكرَ هنا استخداماً قديماً للحشراتِ يجهلُهُ كثيرون؛ وهو دخولُها في تركيبِ بعضِ المضافاتِ والملوناتِ الغذائية مثل الكوشنيل Cochineal، والكارمين Carmine، وحمض الكارمينيك Carminic acid وهي مجموعةُ مركباتٍ ملونةٍ تتبع للمجموعةِ ذاتِها وتُستخرَج من حشرةٍ قشريةٍ تُعرف باسم Cochineal وتسمّى باللاتينيةِ بـ Dactylopius coccus، وهي تعيشُ متطفّلةً على نباتِ الصبار من جنسOpuntia، ويُستخرجُ هذا الملوّن من جسمِ الحشرة وبيوضِها، ويستخدمُ على نحوٍ آمنٍ كلياً في تلوينِ الكيك والمشروباتِ والمربيات والجيلي والآيس كريم والنقانق واللبن وغيرها، ويدخل في صناعةِ المستحضرات التجميلية أيضاً، ويتميز هذا الملونُ بكونِهِ الأكثر ثباتاً أمام الضوء والحرارة ومقاومةِ الأكسدة مقارنةً بغيرِه من الملونات الطبيعية.

السلامة الغذائية والتشريعات الحالية لتناول الحشرات:

تناولَ عددٌ من الباحثين في قضايا سلامة الأغذية تأثيرَ الاستخدام المباشرِ للحشراتِ على المسائلِ التشريعية، والمخاطرِ المحتمَلةِ لذلك التطبيق، كالملوِّثات من المعادنِ الثقيلة، والسمومِ الفطرية، وبقايا المبيدات، والعواملِ المُمرِضة؛ والتي ثبتَ أنّها -في حال وجودِها- سوفَ تؤثّرُ في اللافقاريات ولا تضرُّ بالفقاريات من الإنسانِ والحيوانات، وتشير المعلوماتُ المتاحةُ حول استهلاكِ الحشرات في البلدان الاستوائية إلى أنّ الحشراتِ التي تُحصَدُ من الطبيعةِ للاستهلاكِ البشري لا تُسبِّبُ أيَّةَ مشكلاتٍ صحيةٍ كبرى، ولكن تبقى المعلوماتُ حولَ الحشراتِ المُستزرَعةِ للاستهلاك البشريّ أو لأعلاف الحيواناتِ قليلةً جدّاً حتى اليوم.

 

يُذكر أن الحشرات لم تكن تُعدُّ من الأغذية وقتَ صدورِ التشريعات، وكان يُشار إليها بمسمَّى "حيوان" شأنُها شأنُ جميعِ الحيوانات الأخرى الخاضعةِ للتشريعات الغذائية، في حين لم يُبَتَّ في كونِ الحشراتِ غذاءً جديداً في الاتحادِ الأوروبي بعدُ، إذ يجب على المُنتِجِ في حال عدِّه كذلك أن يُقدِّمَ مِلفاً كاملاً للحشرات التي ينتجُها متضمناً ما يُثبِت أنّ المُنتَجَ آمنٌ للمستهلك.

 

وماذا عن الحساسية؟ شأنُها شأنُ الأنواعِ الغذائيةِ الأخرى؛ إذ يمكن للبعض أن يُبدُوا ردّ فعلٍ تحسّسي تجاهَ عثّ الغبار والقشريات المنزليةِ عند تناولِ الطعام الذي يحتوي على الحشرات، وتشير الأدلةُ الحديثةُ إلى وجودِ تقارب بين الحشراتِ والقشريات (كالقريدس مثلاً) فيما يخصّ الحساسية، وذلك يعني أن مُنتِجيّ الحشرات سيُجبَرون لاحقاً على وضع تصريحٍ بخصوص احتمال التعرُّض للحساسية تجاه الحشرات عند إنتاجِها وتسويقِها.

 

تقبُّلُ المُستهلِك للحشراتِ كغذاء:

تعدّ الحشراتُ طعاماً اعتيادياً في عددٍ ليس بقليلٍ من البلدانِ الاستوائية كالكونغو وتايلاند والدول الآسيوية، فيما لا تلقَ رواجاً في أوروبا بسببِ عدمِ تقبّل المستهلكينَ لها، ولكنَّ الاهتمامَ بإدخالِها ضمنَ النظامِ الغذائي للأسباب المذكورة سابقاً قد بدأ بالازدياد بصورةٍ ملحوظة، وللتغلب على التردّد في تناولِ الحشرات، اقتُرِحت الإستراتيجيات التالية:

-       زيادةُ الإلمام بالمنتَج من خلالِ تزويد المستهلكين بالمعلوماتِ عن الحشرات كمصدرٍ غذائيٍ بديلٍ ومستدام.

-       إتاحةُ الحشرات الصالحة للأكل وتوفير المعرفة حول كيفية تحضيرها.

-       التأكيدُ على التقاربِ التصنيفيّبين الحشرات والقشريات.

-       زيادةُ تردّدِ عرضِ الحشرات الصالحةِ للأكل والتذوقِ التجريبي.

-       تطويرُ المنتَجات الحشريةِ ذاتِ الطعمِ الجيد، والشكلِ الجذّاب.

-       إدماجُ الحشرات في المنتجاتِ الغذائيةِ المألوفة.

-       استخدامُ نماذجَ وشخصياتٍ عالميةٍ مثل الأمين العامِ السابق للأمم المتحدة "كوفي عنان" الذي أجرى مقابلات كثيرةً بشأنِ الحشراتِ الصالحةِ للأكل.

-       وأخيراً؛ إدخالُ فائدةِ تناول الحشرات ضمن المناهج التعليمية.

المصادر والدراسات المرجعية:

هنا

هنا

Peter Alexander et al، Could consumption of insects، cultured meat or imitation meat reduce global agricultural land use?، Global Food Security (2017). هنا

Arnold van Huis; Edible insects contributing to food security?; Agriculture & Food Security; 2015، هنا

هنا

هنا

هنا

هنا