الطب > مقالات طبية

ماذا لو كان بإمكانِك تذكُّرُ كلِّ شيءٍ حدثَ معك؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

كثيراً ما نُسألُ عن أحداثٍ معيّنةٍ، ونُجيبُ بأننا لا نتذكرُ، خاصةً إنْ كانت هذه الأحداثُ حصلتْ منذ مدةٍ بعيدة. يوجد أكثرُ من نوعٍ للذاكرةِ؛ كالذاكرةِ قصيرةِ الأمدِ والذاكرةِ طويلةِ الأمد. ومن الممكنِ التدرُّبُ لتقويةِ الذاكرةِ لتذكُّرِ أحداثٍ أكثرَ تعودُ لفتراتٍ زمنيةٍ أقدمَ. لكنْ أنْ تتذكرَ كلَّ أحداثِ أيامِك وبأدقِّ تفاصيلِها، فهذا ما قد يراه البعضُ منّا مجردَ خرافةٍ غيرَ قابلةٍ للتصديق.

سأُريحُكَ يا صديقي من عناءِ البحثِ عنها وأخبرُكَ بأنّها قابلةٌ للتصديقِ، وبأنّها موجودةٌ حقاً في عالمِنا هذا، ولكنها نادرةُ الحدوثِ، وهي ما يسمى بـ ‘فَرْط الاسْتِذكار‘ hyperthymesia.

فَرط الاستذكار أو حالة HSAM (Highly superior autobiographical memory)؛ ما يُعرف بالذاكرةِ السِّيْريّةِ-الذاتيةِ بالغةِ القوّةِ، هي حالةٌ نادرةٌ تتمثلُ بالقدرةِ على تذكرِ أدقِّ تفاصيلِ أيامِك التي عشتَها منذ سنين. تبدأ هذه الحالةُ غالباً منذ البلوغِ، ويبلُغُ عددُ الأشخاصِ الذين يمتلكون هذه السِّمَةَ اثنَي عشَرَ (12) شخصاً فقط في العالم. يستطيعون تذكُّرَ أيَّ حدثٍ عاشوه في أيِّ تاريخٍ وبدقةٍ عالية. يستطيعون أنْ يخبروك كيف كان الطقسُ في تاريخٍ ما، وماذا كانوا يرتدون وقتَها، ومن رأَوا في ذلك اليومِ، وإلى أين ذهبوا ومن زاروا، وعلى أيِّ كرسيٍّ جلسوا في الحافلةِ أو القطارِ في أثناءِ التوجُّهِ لعملِهم.

إنّ الذاكرةَ السِّيْريّةَ-الذاتيةَ بالغةَ القوةِ تجعلُ عقلَ الشخصِ وكأنّه قاعدةُ بياناتٍ جاهزةٌ لتخزينِ كلِّ ما يمرُّ ويحدثُ معه في حياتِه اليوميةِ على مدى عشراتِ السنينِ واسترجاعِ هذه الذكرياتِ بسهولةٍ وسرعة. ما يميّزُ هذا النوعَ من الذاكرةِ أنها لا تأتي بالتدريبِ أو تعلُّمِ خِدعِ تقويةِ الذاكرةِ، بل تُولَدُ مع الفردِ، ولكنْ يختلف ظهورُها من شخصٍ لآخرَ. ما يميّزُها أيضاً أنّ الأحداثَ التي يتذكرُها الشخصُ تكون قد حصلتْ معه وعاشَها في الماضي.

وُصِفت هذه الحالةُ أولَ مرةٍ في عامِ 2006، وقد كان جميعُ الرجالِ الذين لديهم هذه الموهبةُ يستعملون يدَهمُ اليُسرى بشكلٍ رئيسٍ؛ الأمرُ الذي قد يكون مؤشّراً لشيءٍ ما، أو قد يكونُ مَحضَ مصادفةٍ لا أكثرَ. وأشارتِ الدراساتُ أنّ الذاكرةَ السِّيْريّةَ-الذاتيةَ بالغةَ القوةِ لا تشبه التوحُّدَ، حيث يميلُ أفرادُها للاهتمامِ بالتواريخِ أكثرَ ورَبطِ أمورِهم بها. يَفترضُ بعضُ العلماءِ وجودَ نظامِ تشفيرٍ خاصٍّ عند هؤلاء الأشخاصِ يساعدُهم على حفظِ المعلوماتِ واسترجاعِها، لكنهم في الوقتِ ذاتِه بحاجةٍ إلى عدد أشخاصٍ أكبرَ ممّن يمتازون بهذه الموهبةِ لدراستِها والوصولِ إلى أجوبةٍ أكثرَ.

ماذا ستفعلُ الآن إنْ قابلتَ شخصاً يستطيع تذكُّرَ كلِّ ما حدثَ معه؟ أأنتَ مستعدٌّ للدخولِ معه في نقاشٍ حولَ شيءٍ ما حدثَ وكان هو متواجداً وقتَها؟ لا ننصحُكَ بذلك لأنكَ في الغالبِ ستكونُ الخاسرَ والمخطئَ.

من جهةٍ أخرى.. فإنّ شخصاً يتمتّعُ بهذه المِيزةِ يستطيع تذكرَ كلَّ ما حصلَ له من مواقفَ مضحكةٍ وجميلةٍ ومواقفَ أخرى حزينةٍ وغيرَ سارّةٍ، لن تكونَ حياتُه بهذه السهولة.

ويبقى سؤالُنا لك: هل هي نعمةٌ أم نقمةٌ؟؟؟

المصدر: هنا