الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض

الحميات مرتفعة البروتين وتأثيراتها المحتملة على الكلى والكبد

تلعبُ الكلى دوراً هاماً في تخليصِ الجسمِ من الفضلات عبرطرحِها مع البول، وعادةً ما ترفعُ الكلى من معدّلِ الترشيح الكبيبي GFR كنوعٍ من الاستجابة لارتفاعِ نسبة البروتين المتناولة مع الغذاء. ولكن هذه الاستجابةَ قد لا تكون كافيةً في بعضِ الحالات، ممّا يُسبّبُ بعضَ المشاكلِ الصحيةِ. وفي هذا المقالِ، سوف نتعرّف على تأثيرِ ارتفاعِ نسبةِ البروتين في الحميةِ الغذائية على الكلى والكبد.

البروتين والكلى- حالة الكلى السليمة:

يتم قياس مستوى عمل الكلية عبرَ قياسِ عدّةِ مؤشّراتٍ هي الكرياتينين Creatinine والألبومين Albumin والبولة، ولدى قياسِ هذه المؤشّراتِ في عيناتِ بولٍ لرياضيّينَ ذكور، لوحظ عدمُ وجودِ تغيراتٍ هامةٍ عندَ تناول كمياتٍ تتراوح بين 1.28-2.8 غرام بروتين/كغ من وزن الجسم. وتمّ دعمُ هذه النتيجةِ في دراسةٍ أخرى بيّنَت عدمَ ارتباطِ ارتفاعِ مدخولِ البرويتن مع أيّ خللٍ في عمل وظائفِ الكلى لدى النساء اللّاتي تجاوَزن سنّ اليأس، علماً أن كميةِ 1.1 غ بروتين لكل كغ وزن جسم تعتبرُ قيمةً مرتفعةً نسبياً، إذا إلا أنّها ارتبطَت بمعدلِ ترشيحٍ كُبيبيّ GFR أفضل.

ولكنّ الغيابَ الظاهريّ للضرر على الكلى لا يعني أنّ تناولَ كمياتٍ مرتفعةً من البروتين لن يؤثّرَ على عملها. وفي الحقيقة، فإنّ المدخولَ الغذائيّ من البروتين يرتبط بالعديدِ من التغيراتِ الوظيفيةِ في عملِ الكلى. ففي دراسةٍ على الفئران، وُجد أن الانتقالَ المفاجئَ من 10-15% بروتين إلى نظامٍ غذائيّ مرتفعِ البروتين (35-45%) أدّى إلى حدوثِ تغيّراتٍ وأضرارٍ في عمل الكلى، وهو ما يتطابقُ مع نتائجِ دراسةٍ أخرى أُجريت على البشرِ الأصحاء، لوحظَ فيها أن مضاعفةَ مدخول البروتين من 1.2 غ/كغ إلى 2.4 غ/كغ قد ارتبطت مع ارتفاعِ تراكيزِ نواتجِ استقلابِ البروتين Protein metabolites في الدم، كما لم يكن الارتفاعُ في معدّل الترشيحِ الكبيبيّ GFR كافياً لتفادي هذه الزيادةِ والتخلصِ من حمض البول واليوريا المتراكمَين في الدم.

كما بيّنت الدراساتُ أنّ البروتيناتِ الحيوانيةَ (من غيرِ مشتقاتِ الألبان) أكثرُ قدرةً على التسبب بضررٍ في عمل الكلى مقارنةً بغيرِها من البروتينات. ويُستنتجُ مما سبق أن زيادةَ مدخول البروتين تزيد من معدّل الترشيح الكبيبيّ وعمل الكلى في حالةِ الكلى السليمة، ولكنّ منَ الحكمةِ والضرورةِ ألّا يتمَ رفعُ مدخولِ البروتين فجأةً، بل بالتدريجِ للحدّ من التأثيراتِ السلبيةِ على الكلى.

البروتينُ والكلى- حالةُ الكلى غيرِ السليمةِ أو الفشلِ الكلويّ:

يوصى في هذه الحالاتِ بحميةٍ خاصة ذاتِ محتوى بروتينيّ منخفض، وبشكلٍ مدروسٍ من قبل أخصائيّ التغذية أو الطبيب، إذ تساعدُ هذهِ الحميةُ في إبطاءِ تطوّرِ الفشلِ الكلوي. وفي حالِ عدمِ التحكمِ بمدخولِ البروتين، فإن معدّل تراجعِ وظائفِ الكلى لن يتباطأ، بل من المرجّحِ أن يكونَ أسرعَ بكثير من ذي قبل.

للمزيد حولَ مقالاتنا عن تغذيةِ مرضى الكلى:

تغذية مرضى غسيل الكلى: هنا.

الحمية الصديقة للكلية: هنا وهنا.

البروتين والكبد:

بيّنت الدراساتُ التي أُجريت على الجرذانِ والبشر الأصحّاءِ عدمَ وجودِ أدلةٍ تشيرُ إلى تأثيرِ المدخولِ الطبيعيّ من البروتينِ بشكلٍ سلبيّ على الكبد. ولكن بعضَ الأدلّةِ الأوليةِ تشيرُ إلى أنّ تناولَ نسبةٍ عاليةٍ جداً من البروتينِ بعد صيامٍ طويل (> 48 ساعة) قد يُسبّبُ إصاباتٍ حادةً في الكبد.

وبحسبِ المعاييرِ الحاليةِ لعلاجِ أمراضِ الكبد (وخاصّة تليّفِ الكبد Cirrhosis)، يُوصى بتخفيضِ كميةِ البروتين في الحميةِ الغذائيةِ نظراً لإمكانيةِ تراكمِ الأمونيا في الدم، الأمرُ الذي من شأنِهِ أن يُسهمَ في حدوثِ اعتلالٍ دماغيّ Encephalopathy. وقد أشارت دراسةٌ أُجريت على الحيواناتِ أنّ الضررَ الناجمَ عن تناول البروتينِ يمكنُ أن يكون أكثرَ شدّةً في حالةِ تناوب فترات تناوله والابتعادِ عنه بشكل دوريّ، كما يحدثُ عند تناولِ حميةٍ غنيّةٍ بالبروتين لمدةِ 5 أيام مثلاً، متبوعةٍ بفترةٍ يتم فيها تناولُ وجباتٍ فقيرةٍ بالبروتينات.

أمّا الأفلاتوكسينات Aflatoxins، وهي موادٌ سامةٌ تُنتِجُها بعضُ الفطريات التي تصيب بعض الأغذيةَ والأعلاف (تعرّف عليها في مقالنا السابق هنا)، فقد وُجدَ أنّها تتأثّر بوجودِ البروتينات التي تزيد من تأثيراتِها المسرطِنة، ويرجعُ ذلكَ إلى دور النظامِ الإنزيميّ P450 في التفعيل الحيويّ لهذهِ السموم، وهو نظامٌ يزدادُ نشاطُهُ العام بزيادةِ نسبةِ البروتين في الغذاء. ولا بدّ من التأكيد هنا على أن الدورَ المسرطن لا يعود للبروتينات، بل لوجود الأفلاتوكسينات التي يزداد تأثيرها بوجود البروتين، وبذلك فإن تجنّبَ مصادرِ الأفلاتوكسينات يجب أن يكون كفيلاً باستبعاد الخطر المسرطن لها بغضّ النظر عن كميةِ البروتينات المتناولة.

وفي الختامِ يمكنُ تلخيصُ ما سبق بالتوجيهاتِ التالية:

• لا تقلق بشأنِ اتباعِ حميةٍ عاليةِ البروتين إذا كانت الكلى سليمةً، ولكن لا بُدّ من مراقبةِ كميةِ البروتين وتقليلِها إذا كُنت تعاني من فشلٍ كلويّ أو كانت وظائفُ الكلى غيرَ سليمةٍ.

• من الحكمةِ ألّا يزيد محتوى الحميةِ من البروتين بشكلٍ مفاجئٍ، بل تجبُ زيادتُهُ تدريجياً.

• يُوصى عموماً باستهلاكِ كمياتٍ أكبرَ من المياهِ خلال الفترات التي تتمّ فيها زيادةُ كميةِ البروتين.

• لا بدّ من الانتباهِ إلى نوعيةِ البروتين، إذ أنّ البروتيناتِ الحيوانيةَ كاللحوم تمتلكُ تأثيراتٍ صحيةً سلبيةً كرفع مستوى حمضِ البول في الدم، وما ينتجُ عنه من أمراضٍ عديدة أهمّها النقرس (وللمزيد حول النقرس وحميته الغذائية هنا).

الدراسات المرجعية:

1. Poortmans JR, Dellalieux O Do regular high protein diets have potential health risks on kidney function in athletes . Int J Sport Nutr Exerc Metab. (2000) هنا

2. Beasley JM, et al Higher biomarker-calibrated protein intake is not associated with impaired renal function in postmenopausal women . J Nutr. (2011) هنا

3. Knight EL, et al The impact of protein intake on renal function decline in women with normal renal function or mild renal insufficiency . Ann Intern Med. (2003) هنا

4. Brändle E, Sieberth HG, Hautmann RE Effect of chronic dietary protein intake on the renal function in healthy subjects . Eur J Clin Nutr. (1996) هنا

5. King AJ, Levey AS Dietary protein and renal function . J Am Soc Nephrol. (1993) هنا

6. Dietary protein intake and renal function هنا

7. Wakefield AP, et al A diet with 35% of energy from protein leads to kidney damage in female Sprague-Dawley rats . Br J Nutr. (2011) هنا

8. Aparicio VA, et al Effects of high-whey-protein intake and resistance training on renal, bone and metabolic parameters in rats . Br J Nutr. (2011) هنا

9. Frank H, et al Effect of short-term high-protein compared with normal-protein diets on renal hemodynamics and associated variables in healthy young men . Am J Clin Nutr. (2009) هنا

10. Wiegmann TB, et al Controlled changes in chronic dietary protein intake do not change glomerular filtration rate . Am J Kidney Dis. (1990) هنا

11. Levey AS, et al Effects of dietary protein restriction on the progression of advanced renal disease in the Modification of Diet in Renal Disease Study . Am J Kidney Dis. (1996) هنا

12. Merli M, Riggio O Dietary and nutritional indications in hepatic encephalopathy . Metab Brain Dis. (2009) هنا

13. Starr SP, Raines D Cirrhosis: diagnosis, management, and prevention . Am Fam Physician. (2011) هنا

14. Ong JP, et al Correlation between ammonia levels and the severity of hepatic encephalopathy . Am J Med. (2003) هنا

15. Caballero VJ, et al Alternation between dietary protein depletion and normal feeding cause liver damage in mouse . J Physiol Biochem. (2011) هنا

16. Oarada M, et al Refeeding with a high-protein diet after a 48 h fast causes acute hepatocellular injury in mice . Br J Nutr. (2011) هنا

17. Madhavan TV, Gopalan C The effect of dietary protein on carcinogenesis of aflatoxin . Arch Pathol. (1968) هنا

18. Appleton BS, Campbell TC Effect of high and low dietary protein on the dosing and postdosing periods of aflatoxin B1-induced hepatic preneoplastic lesion development in the rat . Cancer Res. (1983) هنا

19. Mandel HG, Judah DJ, Neal GE Effect of dietary protein level on aflatoxin B1 actions in the liver of weanling rats . Carcinogenesis. (1992) هنا

20. Blanck A, et al Influence of different levels of dietary casein on initiation of male rat liver carcinogenesis with a single dose of aflatoxin B1 . Carcinogenesis. (1992) هنا

21. Hornsby LB, Hester EK, Donaldson AR Potential interaction between warfarin and high dietary protein intake . Pharmacotherapy. (2008) هنا

22. Bolter CP, Critz JB Plasma enzyme activities in rats with diet-induced alterations in liver enzyme activities . Experientia. (1974) هنا