التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

ثمانية أسباب أدت لسقوط روما

استمع على ساوندكلاود 🎧

في أواخر القرن الرابع الميلادي سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية بعد ما يقارب 500 سنة من الحكم كأكبر قوة عظمى في العالم. اختلف المؤرخون واتفقوا على أسباب السقوط وعزوا ذلك لمئات العوامل بدءاً من الفشل العسكري والعجز الضريبي مروراً بالكوارث الطبيعية وحتى تغير المناخ. كما ما يزال البعض من المؤرخين يجادل بأن الإمبراطورية الرومانية لم تسقط فعلياً سنة 476 م بما أن قسمها الشرقي استمر بالحكم لألف سنة أخرى تحت اسم الإمبراطورية البيزنطية.

ومع أن كيفية وتوقيت سقوط الإمبراطورية ما يزال موضوعاً لنقاشٍ مستمر بين المؤرخين، إلا أن نظرياتٍ عدة بدت الأكثر شيوعاً لتفسير سقوط وانحدار روما الغربية.

اكتشف معنا في مقالنا هذا ثمانية أسباب أدت لانهيار أكثر الإمبراطوريات أسطوريةً في التاريخ...

1. غزو القبائل البربرية:

النظرية الأكثر وضوحاً ومباشرة لانهيار روما الغربية هي سلسلة الخسائر العسكرية المتكررة ضد قوى خارجية والتي دقت المسمار الأول في نعش روما. كانت روما والقبائل الجرمانية في حالة نزاع لعدة قرون ولكن وبحلول القرن الرابع الميلادي استطاعت مجموعات بربرية كالقوطيين التوسع داخل حدود الإمبراطورية. رغم تصدي الرومان للنهوض الجرماني في نهاية القرن الرابع الميلادي ولكن الملك ألاريك (Alaric) زعيم القوطيين الغربيين نجح بنهب روما عام 410 م. بقيت الإمبراطورية لعقود بعد ذلك مهددةً بشكلٍ مستمرٍ إلى أن داهم الفاندال "المدينة الأبدية" روما عام 455 م. أخيراً وفي عام 476 م نظّم القائد الجرماني أودواكر (Odoacer) عصياناً وعزل الإمبراطور رومولوس أوغستولوس (Romulus Augustulus). ومنذ ذلك التاريخ لم يحكم رومانياً بمنصب إمبراطور في إيطاليا مما دعا العديد لاعتبار تاريخ 476 م الضربة القاضية على الإمبراطورية الغربية.

2. المشاكل الاقتصادية والاعتماد المفرط على السخرة للعمالة:

في الوقت الذي كانت فيه روما ترزح تحت التهديدات والهجمات الخارجية كانت أيضاً تعاني من أزمة اقتصادية حادة داخلياً. أفرغت الحروب المستمرة وفرط الإنفاق خزائن الإمبرطورية شيئاً فشيئاً كما وسعت الضرائب الجائرة والتضحم الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وقد هرب العديد من الأغنياء إلى الأرياف لتجنب جباة الضرائب وأسسوا إقطاعيات مستقلة هناك. وفي الوقت نفسه عانت الإمبراطورية من عجز في العمالة وقد اعتمد اقتصاد روما على العبيد لحراثة الأراضي والقيام بالأعمال الحرفية كما زود الجيش سوق العمل بأشخاص جدد من المناطق المكتسبة بالغزو. ولكن حين توقف التوسع في القرن الثاني الميلادي بدأ تزود روما بالعبيد وغنائم الحرب ينقص. ومما زاد الأمر سوءاً في القرن الخامس الميلادي حين طالب الفاندال بالسيطرة على شمال إفريقيا وبدؤوا بتعطيل تجارة الإمبراطورية يجوبون البحر الأبيض المتوسط كالقراصنة. فباقتصادها المتأرجح وإنتاجها الزراعي والتجاري المتهاوي بدأت أوروبا تفلت من قبضة روما.

3.تطور الإمبراطورية الشرقية:

تقرر مصير روما الغربية جزئياً في أواخر القرن الثالث عندما قام الإمبراطور دقلديانوس (Diocletian) بتقسم الإمبراطورية إلى نصفين، الإمبراطورية الغربية التي توضعت في مدينة ميلان والإمبراطورية الشرقية في بيزنطة والتي عرفت لاحقاً بالقسطنطينية. سهل هذا التقسيم حكم الإمبرطورية على المدى القصير إلا أن القسمين تباعدا مع مرور الوقت. وفشل الشرق والغرب في العمل معاً لمواجه التهديدات الخارجية بالإضافة إلى النزاع المتكرر على الموارد والدعم العسكري. باتساع الثغرة بينهما ازدهرت الإمبرطورية الشرقية ذات اللسان الإغريقي وانزلقت الإمبراطورية الغربية ذات اللسان اللاتيني إلى أزمة اقتصادية. وأهم مافي الأمر أن قوة الإمبراطورية الشرقية ساهمت بتحويل الغزوات البربرية نحو الغرب. بينما عمل الأباطرة كقسطنطين (Constantine) على ضمان مدينة القسطنطينية محمية وتحت حراسة متينة، تُركت حينها إيطاليا ومدينة روما ذات القيمة الرمزية للعديد في الشرق ضعيفة وهشة. وأخيراً تفتت الهيكل السياسي لروما الغربية في القرن الخامس الميلادي، بينما صمدت الإمبراطورية الشرقية بطريقة أو بأخرى لألف سنة أخرى إلى أن سقطت على يد الإمبراطورية العثمانية في القرن الخامس عشر.

4. الإسراف ونفقات الجيش المفرطة:

امتدت الإمبراطورية الرومانية في قمة عظمتها بين المحيط الأطلسي غرباً وحتى نهر الفرات شرقاً، ولكن قد يكمن في عظمتها نفسها سبباً لسقوطها. لحكم مساحة واسعة كهذه واجهت الإمبراطورية كوابيس إدارية ولوجستية مرعبة. وعلى الرغم من نظامهم الطرقي المتفوق آنذاك إلا أنهم لم يقدروا على التواصل بشكلٍ سريعٍ وفعالٍ لإدارة ما سيطروا عليه. لقد عانت روما الكثير لتأمين القوات والعتاد اللازم لحماية حدودها من التمرد الداخلي والهجمات الخارجية. وبحلول القرن الثاني اضطر الإمبراطور أدريان (Hadrian) لبناء سوره الشهير في بريطانيا فقط لإبقاء العدو (القبائل البربرية) في الخليج، حيث يُؤمن الجدار حمايةً للحدود الشمالية الغربية للإمبراطورية الرومانية. وعندما ذهبت النفقات إلى الجيش للحفاظ على الإمبراطورية تراجع التقدم التقني وانهارت البنية التحتية لمدنية لروما إلى غير رجعة.

5. فساد الحكم وعدم الاستقرار السياسي:

إذا كان حجم روما الكبير جعل من الصعب حكمها فإن القيادة غير الكفوءة وغير المستقرة قد زادت الأمر سوءاً. أن تكون إمبراطوراً رومانياً لطالما كان عملاً خطيراً ولكنه كان كحكمٍ بالإعدام خلال الاضطرابات في القرنين الثاني والثالث. دفعت الحرب الأهلية الإمبراطورية إلى فوضى عارمة فقد وصل إلى الحكم أكثر من 20 رجلاً خلال 75 سنة من تاريخ الإمبراطورية وذلك عن طريق قتل كلٍ منهم لسلفه. كما قام حرس الخاص بالإمبراطور باغتيال وتعيين الأباطرة كيفما شاؤوا حتى الحكم أصبح كالمزاد يُباع لمن يدفع أكثر. كما وصل التعفن السياسي إلى مجلس الشيوخ الروماني الذي فشل في التخفيف من تجاوزات الأباطرة وذلك بسبب فساده وعدم كفاءته أيضاً. بازدياد الوضع السياسي خفت روح الفخر والاعتزاز لدى العديد من المواطنين الرومان حيث فقدوا ثقتهم بقيادتهم.

6. ظهور قبائل الهون وهجرة القبائل البربرية:

بدأت الهجمات البربرية على روما من الهجرات الكبيرة بعد غزوات الهون في أوروبا أواخر القرن الرابع الميلادي. عندما داهمَ المحاربون الأوراسيون شمال أوروبا دفعوا بالعديد من القبائل الجرمانية للنزوح حتى حدود الإمبراطورية الرومانية. سمح الرومان على مضض للبعض من قبيلة القوط الغربيين بعبور جنوب الدانوب ليحتموا بالأراضي الرومانية الآمنة إلا أنهم عاملوهم بقسوة كبيرة. في هذا الصدد يقول المؤرخ أميانوس مارسيليانوس (Ammianus Marcellinus) إن الضباط الرومان قد أجبروا القوطيين الجياع على بيع أولادهم كعبيد مقابل لحم الكلاب. لقد خلق الرومان بهذا السلوك الوحشي مع القوطيين عدواً خطيراً داخل حدودهم. ما إن وصل الظلم إلى حد لم يعد يحتمله القوطيون ثاروا على الرومان وقطعوا الطريق على الجيش الروماني وقتلوا الإمبراطور الشرقي فالنس (Valens) في معركة أدريانوبل (أدرنة) سنة 378 م. فاوض الرومان المذهولين لعقد معاهدة سلامٍ واهية مع البرابرة الذين نقضوا المعاهدة سنة 410 م بقيادة الملك القوطي ألاراك (Alaric) الذي تحرك نحو الغرب ونهب روما. فتح ضعف الإمبراطورية الغربية الباب لقبائل جرمانية كالفاندال والساكسون لتعبر الحدود وتسيطر على بريطانيا وإسبانيا وشمال إفريقيا.

7. المسيحية وضياع القيم التقليدية:

لانتشار المسيحية ارتباط وثيق بانهيار روما ويرى البعض أن ظهور الدين الجديد ساهم بسقوط الإمبراطورية. في سنة 313 م، شرّع مرسوم ميلان المسيحية ومن ثم أصبح دين الدولة سنة 380 م. أنهى هذان المرسومان قروناً من الاضطهاد ولكنهما بالمقابل فتتا منظومة القيم الرومانية التقليدية. حلت المسيحية محل الدين الروماني والإيمان بالآلهة المتعددة والذي كان قد أعطى الإمبراطور منزلة إلهية كما انحرف التوجه العام من تمجيد الدولة إلى تمجيد الإله. وفي الوقت نفسه بدأ دور الباباوات وقادة الكنيسة يكبر في الأمور السياسية مما زاد من تعقيد الحكم. كان المؤرخ إدوارد غيبون (Edward Gibbon) في القرن الثامن عشر من أكثر مناصري هذه النظرية إلا أن آراءه قوبلت بانتقاد واسع. بالمجمل، من الممكن أن تكون المسيحية قد لعبت دوراً صغيراً بالحد من القيم الاجتماعية الرومانية ولكن الغالبية العظمى يرون في تأثير المسيحية سبباً باهتاً إذا ما قورن بالعوامل العسكرية والاقتصادية والإدارية.

8. إضعاف الجيش الروماني:

كان الجيش الروماني خلال أغلب تاريخه محط حسد العالم القديم. ولكن خلال انهياره بدأت فكرة بناء جيش عظيم تتغير. لم يستطع الأباطرة توظيف ما يكفي من الجنود من المواطنين الرومان حيث قام بعض الأباطرة كدقلديانوس وقسطنطين بتعيين أجانب من المرتزقة لدعم جيوشهم. امتلأت الجيوش بالقوط الجرمانيين وبرابرة آخرين إلى حد حلت فيه كلمة بربري (barbarus) محل كلمة جندي. بالرغم من إثبات هؤلاء الجنود الجرمانيون أنهم محاربين أشداء إلا أنهم كان ذوو ولاء ضئيل أو حتى معدوم للإمبراطورية مما قاد العديد من ضباطهم المتعطشين للسلطة إلى التمرد على رؤسائهم الرومان. في الحقيقة، العديد من البرابرة الذين نهبوا روما وأسقطوا الإمبراطورية الرومانية قد حصلوا على ميزاتهم العسكرية أثناء خدمتهم في الجيوش الرومانية.

المصدر:

هنا