سنعيد كتابة العلم بأبجدية عربية

  • الرئيسية
  • الفئات
  • الباحثون السوريون TV
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • About Us
x
جارِ تحميل الفئات

الفخار .. أقدم صناعة في التاريخ .. ( بلاد الرافدين )

التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ


تم حفظ حجم الخط المختار

Image: https://www.metmuseum.org/toah/images/hb/hb_1983.407.jpg

مقدمة:
اهتدى الانسان القديم الى صناعة الفخار بعد تجارب عديدة ، فقد كان يصنع أوعية من الحجر و من أغصان الشجر و أعواد النباتات اللينة لتلبية الحاجات التي تناسبها هذه الأوعية ، ثم اكتشف أن مادة الطين تنفع في سد الثقوب الناتجة من حبك هذه الأعواد ، فطلى أوعيته من الداخل و الخارج بالطين فأصبحت تفيده في أكثر حاجاته ، و يبدو أن الصدفة لعبت دورا في شي الطين حتى أصبح فخارا ، و لاحظ الانسان القديم متانة الفخار بالنسبة للطين المجفف ، فأخذ يستخدمه على مقياس واسع في تهيئ الآجر و صنع الأواني الفخارية . نجح الانسان الى حد بعيد في تكييف الأواني ، من حيث الأشكال و الحجوم حسب ما تقتضيه حاجته .

و عندما وصل الى هذه الدرجة من اتقان الأواني الفخارية أخذ يستغني شيئا فشيئا عن صنع الأواني من الحجر التي اقتصر استعمالها على حفظ المواد السائلة ، ولكن عندما ارتقت صناعة الفخار أكثر فأكثر بحيث استطاع الانسان أن يطلي الأواني بمادة أكثر كتامة تجعلها أشد صلابة و تماسك ، ثم توصل الى طلائها بمادة زجاجية تضمن صلاحها لحفظ المواد السائلة دون أي محذور ، عند ذلك أخذ يستغني عن الأوعية الحجرية و يعتمد على الفخار و الخزف في أكثر شؤونه .

لدى مقارنة الأواني الفخارية و الأواني الحجرية المصنوعة في العصور القديمة نلاحظ أن صناعة نحت الأواني الحجرية كانت متقنة جدا حتى بلغت حد الكمال قبل أن تصل صناعة الفخار الى الدرجة اللائقة ، و لكن عندما بلغت صناعة الفخار غايتها من حيث الإتقان أخذت صناعة نحت الأواني الحجرية تتقهقر حتى استغنى عنها الإنسان لصعوبتها و كثرة تكاليفها .
أما صناعة الفخار فقد بلغت الأوج و ظلت محافظة على مستواها الى أن كثر استعمال المعدن في صنع الأواني على شكل واسع ، و لكن مع ذلك ظلت لصناعة الفخار مكانتها لسهولة صنعها و قلة تكاليفها ونفع استعمالها.

و لما كان البشر قد اعتمد على الفخار اعتماداً كبيراً في تلبية حاجاته و تدبير أموره الحيوية ، فإن هذه المادة الرخيصة التي لا يمكن إصلاحها أو الإنتفاع منها بعد انكسارها ، كانت شاهدة على حياة الإنسان اليومية .

عندما فكر العلماء أن ينقبوا عن آثار الإنسان القديم في التلال الإصطناعية القديمة جمعوا فخار كل طبقة على حدة ، و درسوا خصائصه و قارنوا بين فخار الطبقات المتشابهة فوجودوا تقارباً أفادهم الى حد بعيد في معرفة الحضارات المتعاصرة ، و استطاعوا أن يميزوا حضارة مجهولة بدراسة اللقى من الفخار الذي يعود اليها ، كما استطاعوا أن يحددوا عمر طبقة الأرض من دراسة فخارها .
نستخلص من هذا أن مادة الفخار و دراسة تطور صناعتها أفاد البحث العلمي الى حد بعيد .

تنقيب الفخار القديم و مقارنته بالفخار الاسلامي:
إن التنقيبات الأثرية التي أجريت في إيران و العراق و سوريا و مصر أفادت الى حد بعيد في دراسة الفخار الاسلامي ، و استطاع الباحث أن يكون فكرة عن تطوره ، الا أن دراسة الفخار القديم كانت أيسر بسبب تمييز كل طبقة عن الطبقة الأخرى ، لقد كان في القديم شعب يهاجم شعبا آخر ، فينفيه ، أو يجليه عن مكانه ، و يهدم بنيانه و يحطم كل آثاره ، أو يتعرض الشعب لآفات الطبيعة فينزح البشر الباقي الى جهة أخرى ، فتموت المدينة ردحا من الزمن ثم يجذب الموقع الملائم شعبا آخر فيسكن المكان و ينشئ على أنقاض الماضي حضارة أخرى تتميز عن الحضارة السابقة ، ففي حالة كهذه يسهل تماما أن ندرس الحضارتين المتتاليتين من آثارهما المتراكمة .

هذا من جهة ، و من جهة أخرى فإن الاعتقادات الدينية القديمة كانت تدعو الانسان الى وضع بعض الأواني و اللوازم في قبور الموتى . و هذه الأشياء يعثر عليها سليمة في أغلب الأحيان و تكون أصلح لدراسة الآثار . أما العصور الإسلامية فكانت متداخلة و متصلة ، لم يحدث انقطاع في حياة مدينة الا بالنادر القليل . و من تعاليم الدين الاسلامي النهي عن التبذير فكان لا يترك مع الميت شيء من الأواني أو السلاح او الحلي ... الا ما ندر . لذلك نلاحظ أن اسلوب صناعة مادة ما قد يستمر مدة طويلة أو يتطور بسرعة خلال مدة وجيزة ، لكنا لا نستطيع أن نحكم بسهولة على عصر قطعة أثرية اذا لم توجد دلائل قوية تفصح عن قدمها . إن التنقيبات الأثرية التي أجريت في المدن القديمة التي سكنت أيضا في العهود الإسلامية مثل سوز و بابل و نينوى و كيش و أصتخر و بعلبك .

بدايات الفخار القديم في بلاد الرافدين :
بعد أن زادت الفوائض الغذائية و بدأت المجتمعات تقسم أشكال العمل على فئاتها ، عندما بدأ بعض المحظوظين بحصد محاصيل أكثر من ان يستهلكوها احتاجوا أوعية لحفظها ، و آخرون وجدو أن أراضيهم ليست بالخصوبة الكافية لإنتاج محصول جيد و لذلك اتجهو نحو الحرف و الصناعة ، سلات من لحاء الأشجار و مصنوعات أخرى كانت تبادل بالمحاصيل و هذا كان في عام 5000 ق . م ، في تل حسونة و الذي هو موقع يبعد 25 ميل جنوب الموصل ، كان الطين يشكل و يقولب باليدين ليشكل أوعية أحادية اللون غير متناظرة ، في الألف سنة التالية ، حصل الفخار على تقانات متعددة تتضمن العجينة السائلة و الديكورات تكون بين الزخارف البسيطة الى التشكيلات المعقدة الى رسومات الحيوانات و السابحة تحديدا ، ، الى الصليب المعقوف و الصليب المالطي ،هذه التشكيلات و الألوان الفخارية انتشرت في تل حلف في ( 4500 _ 4000 ق. م ) و الأخضر في العبيد ( 4000_3500 ) و أسود أو قرميدي في أوروك ( 3300 _ 3100 ) ، و كانت قد وفرت هذه التقنيات و الأشكال الفنية أفق رائع يمنح بلاد الرافدين فضلا كبيرا في التطور الحضاري الانساني و قد صنعت هذه الاواني بالتشكيل اليدوي و العجلة البطيئة و العجلة الضخمة و شويت في أفران متنوعة منها المفتوحة و المغلقة و متعددة الطوابق ( 1 ).

و كانت من أهم المواقع التي حوت الفخار القديم في بلاد الرافدين :

_ حقبة تل حسونة ( 5800 _ 5100 ق.م ) :
أخذت هذه الحضارة اسمها من موقع تل حسونة ، على ضفة يمنى لنهر دجلة ، على مسافة 35 كم إلى الجنوب من مدينة الموصل ، و من المتوقع أن تكون حضارة حسونة قد نشأت على خلفية حضارة أم الدباغية و تطورت عنها .

و قد تميز هذا الموقع بتصنيعه لنوع جيد من الآنية الفخارية المصنعة يدوياً ، و المكون من الطاسات و الجرار ذات البطن الدائري و الرقبة الأسطوانية القصيرة ، المزينة بالتشكيلات الهندسية البسيطة ، جيدة الترتيب ، و المكونة من خطوط شبكية او متعرجة ذات لون بني ، أحمر أو برتقالي ، شبيهة بالعصر السابق .

كما أسفرت نتائج التنقيب الأثري التي جرت في مواقع تل حسونة و نينوى ، عن اكتشاف نموذجين رئيسيين من نماذج الآنية الفخارية ، المنتجة في فترة حضارة تل حسونة :
الأول : و هو المعروف باسم فخار تل حسونة العتيق ، و يتميز بزخارفه ذات الألوان الحمراء و السوداء المنفذة فوق الأرضية الكريم الفاتحة .
التاني : و هو المعروف باسم فخار تل حسونة النموذجي ، و هو شبيه بالفخار السابق غير أنه يختلف عنه بعناصره الزخرفية المحزوزة ، المكونة من تشكيلات هندسية مثلثية ، خطوط مستقيمة ، متقاطعة و هياكل سمكية ، ذات تلوينات بنية . حمراء ، وردية أو برتقالية مرسومة فوق أرضية كريم فاتحة .
و على الرغم من قيام صناع الفخار في تل حسونة باستخدام أفران الشي المكشوفة ، فإن بعض الدراسات الأثرية تشير الى أن صناع الفخار في تل حسونة قد عرفوا فرن الشي المغلق ذي الطابقين ، المكون من الموقد السفلي المفصول عن قمرة شي الآنية الفخارية ، بهدف تجنيبها اللهب و نواتج الاحتراق ، غير أن هذا الرأي لم يتم تأكيده حتى الآن ، حيث من المرجح أن فرن الشي ذي القمرتين ، قد تم اكتشافه في فترة متأخرة من حضارة تل حسونة .
فخار تل حسونة



_ حقبة سامراء ( 5000 ق.م ) :
تقع مدينة سامراء على نهر دجلة الى الشمال من بغداد ، حيث تقبع مخلفات هذه الحقبة تحت انقاض مدينة سامراء العباسية .
عاشت حضارة سامراء في الثلث الأخير من الألف السادس قبل الميلاد ، حيث من المعتقد على أن حضارة سامراء قد تزامنت مع الفترة الأخيرة من حسونة في مناطق جغرافية مختلفة ، حيث سادت حضارة حسونة في أقصى الشمال الرافدي ، في حين سادت الحضارة السامرائية في أقصى جنوب الشمال الرافدي ، و تواصلت مع حضارة حسونة من ثم أعقبتها زمنيا ، و بسطت سلطتها و مورثاتها الثقافية على المنطقة الممتدة من سفوح جبل زاغروس شرقا و حتى الفرات الأوسط غرباً ، و من الشمال الرافدي و حتى بغداد جنوبا .

هذا و قد تم العثور على مجموعة من البقايا الفخارية السامرائية ، التي تؤرخ على مطلع الألف الخامس قبل الميلاد ، و المؤلفة من مجموعة من الأواني الفخارية السامرائية المصنعة بواسطة العجلة البطيئة المدارة يدوياً ، ذات التربة الغضارية الصفراء شبه الناعمة ، المشوية تحت درجات الحرارة المعتدلة و يدل على ذلك التعدد و الاختلاف اللوني لسطوح الآنية الذي اكتسب ألوان متفاوتة تراوحت فيما بين الأسود و البنفسجي و الأخضر المعتم و البني و الأحمر ، الناجمين عن اختلاف حرارة الشي من الموقد .

غير أن الفخار السامرائي ، كان قد تميز زخرفيا عن الفترات التي سبقته باستغنائه عن تطبيق تقنية الحز و التمشيط ، و الاستعاضة عنها بتقنية التلوين ، بهدف تطبيق التشكيلات الزخرفية الهندسية البسيطة التركيب ، و المكونة من الخطوط المائلة ، الأفقية ، الشاقولية ، المنكسرة و المتعرجة ، الزوايا و المثلثات ، المربعات و المستطيلات ، ذات الأشكال المتسلسلة أو المتراكبة ، هذا الى جانب ; تطوير ملكاتهم الفنية و تطويرهم لتشكيلاتهم الزخرفية البسيطة ، المتضمنة للمشاهد الإنسانية ، النباتية و الحيوانية المقتبسة من البيئة المحيطة و المطبقة بالأزرق ، الأحمر ، البني الغامق و الرصاصي فوق الأرضية المطلية باللون الكريم الغامق و الغير شفاف .

وقد تمثلت اهم الموضوعات والمشاهد التزينية الطبيعية المطبقة خلال هذه الحقبة ، بأشكال ظليلة لغزلان تركض مذعورة حول شجرة . ومشاهد الاسماك السابحة في البركة ، وهي تحاول الافلات من طيور الماء ، التي اصطادت بعضاً منها و هي تهم بالطيران . و هناك مشهد العقارب السابحة في حركة دائرية حول اربع راقصات ذوات ضفائر طويلة مجعدة و متطايرة .
و الجدير بالذكر أن التشكيلات الزخرفية لهذه الحقبة الزمنية ، كانت قد تميزت بتشكيلاتها التجريدية و المختزلة و البعيدة عن الواقع ، و التي تجعل من الصعب تمييز الشكل المراد تطبيقه ، فاسحة المجال لتفكير المشاهد ، على تخمين ماهية الرسوم ، و الفكرة المراد ايضاحها و الوصول اليها من خلالها .

و من المتوقع أن فخار هذه الحقبة ( حقبة سامراء ) ، قد استمد بعض مضامين تشكيلاته الزخرفية و التزينية ، من الفنون الزخرفية التي كانت تسود في منطقة الهضبة الإيرانية ، و التي انتقلت منها الى سامراء و المناطق السهلية المجاورة في بلاد ما بين النهرين عبر طرق التبادل التجاري ، أو نتيجة انتقال العمال و الحرفيين المختصين في صناعة الفخار من الهضبة الإيرانية الى سهول ما بين النهرين .



حقبة تل حلف ( 5000 _ 4500 ق.م ) :
و قد تمت تسميتها كذلك ، نسبة الى موقع تل حلف الذي يقع على منابع الخابور الى الجنوب من بلدة راس العين ، و الذي عثر فيه على بقايا
فخارية ذات صناعة راقية ،تعد من أفضل ما أنتج في منطقة الشرق الأدنى خلال تلك الفترة . و يعود الفضل في ذلك ، الى إبتداع فخاريي هذه الحقبة لتقانتين مهمتين أثرتا في تطوير صناعة الفخار و إعطائه القفزة النوعية نحو الأمام .

_ التقانة الأولى : كانت باستخدام الفرن المغلق من أجل شي الآنية الفخارية الملونة بالأحمر و الأسود و البني ، فقد كان للفرن المغلق أثره الكبير في تجنيب الآنية البقع المختلفة و الناجمة عن ملامسة اللهب ، الدخان و الكربون الناجم عن الإحتراق للسطح ، إضافة الى الإرتفاع الملموس لدرجة الحرارة ، وهذا ما أكسب الآنية الصلابة اللازمة ، و ساعد على إظهار الألوان الزاهية اللماعة .

_ التقانة الثانية : تمثلت هذه التقانة في استخدام عملية التزجيج . فقد كان للمحاولات الأولى من أجل تصنيع حجر اللازورد النادر الوجود ، ذي الألوان الأزرق الغامق و السطح الأملس و اللماع ، الأثر الكبير في إكتشاف عملية التزجيج ، و ذلك عندما قام الصناع بقص و نحت و تقطيع الكتل الحجرية وفق مقاسات صغيرة ذات سطوح ملساء و ناعمة ، و ذلك قبل تغطيتها بالمسحوق الغباري لأكاسيد النحاس أو الكحل ، و من ثم شيها بالأفران المغلقة ذات الحرارة المرتفعة ، و هذا ما يؤدي الى تحول مساحيق الأكاسيد عن طبيعتها الغبارية غير المتماسكة ، لتأخذ شكل الطبقة الزجاجية الخضراء ، الرقيقة و الشفافة . رغم ذلك لم تكن هذه المحاولة هي الأولى لاكتشاف تقانة التزجيج .

هذا و قد كانت للمنافسة بين الفخاريين ، و من ثم الاقبال الواسع على اقتناء الأواني الفخارية الحلفية المصنعة يدويا ، الحافز الأكبر الى دفع الصناع للعمل على تطوير تقانات انتاجهم ، من حيث اختيار التربة الأنسب للصناعة ، و تحضيرها بدقة بعد ابعاد الشوائب و الأجسام الغريبة ، و من ثم التصنيع الدقيق للآنية الحلفية . التي تميزت برقتها و نعومة ملمسها ، هذا الى جانب رشاقة أجسامها ، و انحاناءاتها و تحدباتها السطحية من شفة و بطن ، جعلها أكثر شبهاً ، مع الآنية المعدنية ، هذا الى جانب استخدام تقانة الشي في الأفران ذات الحرارة المرتفعة .

على الرغم من تأثر الفنانين الحلفيين ، بفنون الحقب السابقة ، و اقتباسهم للعديد من تشكيلاتها الزخرفية كالخطوط المستقيمة ، المتعرجة ، المنكسرة ، المعينات ، المثلثات ... ، غير أنهم قد عمدوا الى إبراز طابعهم الفني الخاص بهم ، من خلال التشكيلات الزخرفية الجديدة التي تمثلت بالتشكيل الصدفي أو الفأس المزدوج ذي الحدين ، هذا الى جانب استخدام بعض التشكيلات الزخرفية الشبيهة بإشارة الصليب المالطي أو الصليب المعقوف ، المنفذين باللون الأحمر و الأسود ، و التي لا ندري إن كان لهذا التشكيل دلالة دينية . هذا الى جانب اعتماد بعض الموضوعات الزخرفية المقتبسة من البيئة المحيطة ، و المتمثلة بالوريدات ذات الأربع بتلات ، الطيور ، الثعابين ، الأسماك ، هذا الى جانب رسم الثور المقدس ذي التشكيلة المجردة من خلال تكوين الرأس على شكل قيثارة .
من جانب آخر فقد تميزت آنية تل حلف بألوانها و رسومها السوداء ، الحمراء ، البرتقالية ، و البنية الغامقة ، و لكن غالبا ما كانت الآنية تلون بلونين معاً كالأحمر و الأسود البراق ، أو الأحمر و الأبيض ، هذا الى جانب استخدام تقانة الطلي الزجاجي .

و من الجدير بالذكر القول ، أن الإقبال الشديد على الصناعات الفخارية ، دفع الصناع الى تصنيع الدمى الطينية ذات الأشكال النسائية ، و المتميزة عن الفترات السابقة ، من حيث الابتعاد عن تعرية الدمية الطينية الممثلة للربى الأم ، رمز الخصوبة ، المرتدية للثوب المخطط ، الذي يستر الجسم دون أن يخفي مفاتنه .
فخار حلف





_حقبة أريدو– حاج محمد (4500 _ 4000 ق. م) :

تقع أريدو في أقصى جنوب العراق ، على بعد 40 كم ،الى الغرب من مدينة الناصرية ، و قد عثر فيها على فخار ذي مميزات خاصة ، و شبيه بفخار تل العبيد من حيث رقته ، و تغطيته بطلاء فاتح ، ذي زخارف هندسية شبكية و نباتية سوداء ، زيتوني ، حمراء ، و بنية .

_ حقبة تل العبيد ( 4000 _ 3500 ق.م ) :
برز في جنوب بلاد الرافدين ، خلال هذه الفترة عدد من المراكز الهامة في صناعة الطوب اللازم لأعمال البناء إضافة الى الفخار المشوي ، و من أهم هذه المراكز الصناعية : تل العبيد ، أور ، أوروك ، و كيش .
يشكل موقع تل العبيد الواقع على بعد 6 كم ، الى الغرب من مدينة الناصرية في جنوب بلاد الرافدين ، أحد اهم مراكز صناعة الفخار المشوي و الصلب ، المصنع بواسطة العجلة البطيئة المدارة باليد ، و المزخرف بالتشكيلات الهندسية و الحيوانية السوداء .

هذا و قد أدت معرفة العبيديين لعجلة الفاخوري البطيئة ، الى العمل على تحضير التربة و العجينة الفخارية بطريقة مختلفة عن السابق ، و ذلك من خلال تنقية التربة الغضارية من سائر الشوائب الغليظة ، ة ذلك باستخدام تقنية الترسيب و هذا ما يدفع الى تحويل المادة الغضارية الى الشكل السائل عن طريق اضافة الماء اليها ، و من ثم العمل على تجفيفها بالشمس لتستعيد بعض تماسكها الذي يسمح بتوضيعها على العجلة من أجل التصنيع ، هذا الى جانب قيام العبيديين بإضافة القليل من البن الى العجينة الفخارية ، بهدف اكسابها التماسك اللازم ، الذي يؤمن للجسم الصلابة المطلوبة ، إثر شبيه بالمواقد المكشوفة ذات الحرارة الشديدة و المرتفعة ، و هذا ما يساهم في إكساب السطح الفخاري للآنية اللون الكريم الفاتح المائل للخضرة .

من جانب آخر ، فقد سمح استخدام العجلة ، بتسريع وتيرة العمل و تطوير تقنيات تصنيعه ، حيث تم انتاج آنية اكثر محورية و نعومة من السابق ، هذا الى جانب سرعة الإنتاج و جودته ، مما ادى الى انتشاره و تصديره الى مناطق أخرى و من ثم تعميم تقانة تصنيعه ، التي انتشرت فيما بعد في مناطق أخرى من الشرق الأدنى .
و على الرغم من ازدهار الصناعات الفخارية من حيث الانتاج و تعدد المراكز ، فقد انحدرت مستويات المواد المنتجة ، حيث قام الفاخوري ، بصب اهتمامه على الكمية المنتجة من الآنية ، دون اعطاء أي أهمية للتشكيلات الزخرفية المطبقة على سطحها ، و ذلك من خلال استخدام التزيينات الهندسية قاتمة اللون .

هذا و قد انتشرت حضارة الفترة العبيدية فوق مناطق جغرافية واسعة ، شملت بلاد الشام و العراق ، حيث عثر في تل الشيخ في سهل العمق ، على فخار متقن الصنع ، يعود الى تلك الفترة ، تنم أشكاله و زخارفه عن ذوق فني رفيع ،، تدل عليه التشكيلات الزخرفية الهندسية ، ذات الألوان و الأشكال الملائمة للسطح الفخاري . أما في أوغاريت ، فقد تمثلت اللقى الفخارية العبيدية ( 4000 _ 3000 ق.م ) بآنية رقيقة ( قشرة البيض ) ، مصنوعة من الطين الناعم ، ذي اللون الزبدي ، و التشكيلات الهندسية السوداء ، البنية ، الخضراء الزيتونية ، المطبقة بواسطة الفرشاة .



_ حقبة أوروك و بابل ( 3500 _ 2800 ق.م ) :
برزت خلال هذه الفترة ، كل من اوروك و بابل كمركزين هامين لصناعة الفخار ، حيث تم إنتاج نوع من الفخار المدهون بالأحمر ، الأسود أو البني و المزين بعناصر زخرفية هندسية و نباتية منمقة ، أما في المناطق الشمالية فقد استخدمت العناصر الزخرفية الحيوانية ذات اللون الواحد إضافة الى الزخارف النباتية و المطبقة بوساطة الحز على سطح الآنية .
كما أن التجديد الأساسي الذي طرأ خلال هذه الفترة ، كان باكتشاف عجلة الفخار السريعة ، التي ساعدت على تحسين وتائر الإنتاج و تطوير نوعيته ، حيث أخذت تظهر الأباريق و الجرار ذات المثاعب و المصبات ، و الآنية الرقيقة ذات القدم المحدب و الحواف العالية .
هذا و قد أظهرت أعمال التنقيب الأثري في بلاد ما بين النهرين ، و من خلال البقايا الأثرية في المواقع التي تعود الى الألفين الثاني و الأول قبل الميلاد 1750 _ 1170 ق.م ، على استخدام البابليين لتقنية التزجيج بوساطة استخدام أوكسيد الرصاص ذو اللون الشفاف و اللماع ، و التي نفذت على قطع الطوب و الألواح الحجرية المستخدمة في تزيين مداخل و جدران القصور و المعابد ، و ذلك قبل أن يتم تعميمها لتشمل الآنية الفخارية . حيث تم العثور في أحد المواقع الأثرية في شمال العراق على أحد الرقم الفخارية المؤرخة على العام 1700 ق.م ، و الذي تضمن بعض المعلومات عن المقادير اللازمة لتحضير مادة التزجيج ( زجاج = 243 ، رصاص =40،1 ، نحاس = 58،1 ، أملاح = 3،1 ، كلس 5،0 ) . كما يؤكد انتشار هذه التقنية الى المنطقة الشمالية من بلاد الشام ، و هو العثور على آنية فخارية مزججة باللون الأخضر المزرق ، يعود تاريخها الى 1700_ 1400 ق.م . هذا إضافة الى العديد من البلاطات ( الزليج ) المزججة بالرصاص فوق أرضية بيضاء ناجمة عن أضافة أوكسيد القصدير ، و قد استخدمت هذه الطريقة لتزيين بوابات بابل .

هذا وقد انتقلت هذه التقانة من هناك الى بلاد فارس حيث استخدمت الى جانب أوكسيد القصدير و ذلك بهدف إعطاء سطح الآنية اللون الأبيض الحليبي و اللماع ، الذي تم تلوينه بوساطة الأكاسيد الملونة مثل أوكسيد الحديد ، أوكسيد النحاس ، الإثمد ، و ملح الرصاص ، تحت حرارة شي لا تقل عن 1000 درجة مؤية ، بحيث ينتج عنها ألوان ذات بريق لماع . و قد أصبحت هذه التقانات أكثر انتشارا بدءا من العام 500 ق.م ، حيث عثر في موقع تل البداري في جنوب القاهرة على آثار تدل على استخدام التزجيج بوساطة حجر الأستيت الصابوني ذي اللون الفيروزي .

المصادر:
1. الحوليات الأثرية السورية _ المجلد العاشر 1960 _ الفخار غير المطلي _ الأستاذ أبو الفرج العش
2. الفخار القديم و الخزف نشأته – تطوره – تقانات تصنيعه _ الدكتور محمد شعلان الطيار
3. A History of the middle east _ saul. s Friedman

مواضيع مرتبطة إضافية

المزيد >


شارك

تفاصيل

30-11-2014
42375
البوست

المساهمون في الإعداد

إعداد: Tamer Hermes
تعديل الصورة: Hala Habous
نشر: Fahed S. Al Kerdi
تعديل الصورة: Mahmood Dibs

استمع لمقال عشوائي


من أعد المقال؟

Tamer Hermes
Hala Habous
Fahed S. Al Kerdi
Mahmood Dibs

مواضيع مرتبطة

غوار الطوشة في ذاكرة السوريين

رائدات الهندسة في سورية ... نساء من بلدي

عبقرية الحضارة البشرية تتلخص في اختراعاتٍ عشر ... الدعامة الطائرة

جزيرة إليس ... عندما تتحول هجرة الأوطان لأملٍ جديدٍ... (الجزء الأول)

القصر المدفون تحت حصن ساروم القديمة: أحدث المكتشفات عن حقبة العصور الوسطى

بيت الحكمة .... الأيقونة العباسية الجزء الأول

تطور الكتابة الهيروغليفية عبر التاريخ، نعود إلى البدايات

الاحتمالات الأخيرة لوجه روبرت بروس Robert the Bruce التي قدمتها الترميمات النهائية لجمجمته

الحرب العالمية الأولى..الاغتيال الذي غير وجه أوروبا

مكتبة قرطبة

شركاؤنا

روابط مهمة

  • الشركاء التعليميون
  • حقوق الملكية
  • أسئلة مكررة
  • ميثاق الشرف
  • سياسة الكوكيز
  • شركاؤنا
  • دليل الشراكة
جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "الباحثون السوريون" - 2023