إنشاءُ أبردُ مكانٍ في الكون
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
- تتصرّف الذرات بطريقة مثيرة للدهشة عند درجات الحرارة شديدة البرودة.
- لم يسبق لوكالة ناسا أن تمكّنت من تجربة أو ملاحظة هذا السلوك في الفضاء الخارجي من قبل.
- سيقوم أحد الحائزين على جائزة نوبل وعلماء آخرين بإجراء تجارب لدراسة هذا السلوك باستخدام معدّات تكنولوجيةٍ حديثة.
- قد تؤدي هذه التكنولوجيا في يوم ما إلى تطوير أجهزة استشعار فائقة وحواسيب كمومية بالإضافة إلى الساعات الذرية المستخدمة في الملاحة الفضائية.
التفاصيل:
سيتم نقل مختبر بحجم صندوق صغير إلى محطة الفضاء الدولية خلال الصيف القادم، حيث سيتم خلق أبرد بقعة في الكون كله داخل ذلك الصندوق.
يحتوي الصندوق على أجهزة ليزر وحجرة مفرغةٍ من الهواء بالإضافة إلى أجهزة لتوليد مجالات كهرومغناطيسية، ستُستخدم جميعها لتخفيض الطاقة الحركية لجزيئات الغاز، والذي بدوره سيؤدي إلى تباطؤ تلك الجزيئات تدريجياً حتى تقترب من حالة السكون مع اقترابها من درجة الصفر المطلق. تسمى تلك المجموعة من الأجهزة والأدوات باسم "مختبر الذرات الباردة (CAL)"، وقد تم تطويرها من قبل مختبر ناسا للدفع النفاث في مدينة باسادينا، كاليفورنيا. مختبر الذرات الباردة هو الآن في المراحل النهائية من الجهوزيّة في مختبر ناسا للدفع النفاث، إلى أن يتم إرسالهُ إلى المحطة الفضائية في شهر أغسطس/آب القادم على متن المركبة الفضائية .SpaceX CRS-12.
صُمِمتْ المعدَاتُ المُستخدمة في مختبر الذرّات الباردة بحيث تقوم بتبريد ذرّات الغاز إلى درجة حرارة تصل إلى النانو كلفن، ما يُعادلُ نحو جُزءٍ من المليار من الواحد كلفن. أي أنها ستكون أبرد بمئة مليون مرة من درجة الحرارة في الفضاء.
وقد صرّح المسؤول عن مشروع (CAL)، العالم روبرت تومسون: "إنّ دراسة هذه الذرّات فائِقة البرودة قد يُعيدُ بلورة فهمنا لطبيعة المادّة. وستمنحنا هذه التجارب على الذرّات الباردة نظرةً ثاقبة حول ماهية الجاذبية والطاقة المظلمة التي تعتبر إحدى أكثر القوى انتشاراً في الكون".
عندما يتم تبريد الذرّات إلى درجاتٍ فائِقةِ البُرودة كما يَحدُث داخِل مختبر الذرات الباردة (CAL)، قد تتمكن من تكوين حالة مختلفة جديدة من المادّة تُعرفُ باسم "تَكاثُف بوز آينشتاين" .Bose-Einstein condensate BEC، وعندما تصلُ المادّة إلى هذه الحالةِ المُتميّزة، تَنحسِرُ القواعِد الفيزيائيّة المألوفة وتبدأ فيزياء الكَم بالسيطرة. فتبدأ المادة بالتصرّف بشكلٍ موجي بدل أن تتصرف بشكلٍ جُسيميّ. وتتحرك سلسلة الذرات بتناسق فيما بينها كما لو أنها تركَبُ نسيجاً مُتحركاً. هذه الأشكال الموجيّة الغامِضة لم يسبق وأن لوحِظت عند درجات الحرارة المنخفضة والظروف الّتي سيوفِرُها مختبر الذرّات البارِدة (CAL) .
لم يسبق لوكالة ناسا أن تدرُسَ تكاثف بوز أينشتاين في الفضاء من قبل. أمّا على الأرض، فقد تمكّن العُلماء من تبريدِ الذرّات وتحضيرِ تكاثُف بوز-أينشتاين. إلا أنَ تأثيرَ جاذبيّة الأرض على الذرّات سرعان ما يؤدي إلى فقدانها نتيجة سقوطها، وهذا يعني أن مراقبة وملاحظة سلوك الذرات يقتصِرُ على أجزاءٍ من الثانية.
أمّا في محطة الفضاء الدوليّة، فالأمرُ مختلف! ففي وجود بيئة شبه منعدمة الجاذبية، ستتمكن الذرّات الفائقة البرودة من الاحتفاظ بهيئتها الموجيّة لمدَةٍ أطول خلال سقوطِها الحُر، ما يُتيحُ لِلعُلماء فترة أطول لدراستها وفهم طبيعتها في أعمق المستويات الفيزيائيّة.
إذ قدر تومسون المُدة الزَمنيّة الّتي سيوفرها مختبر الذرات الباردة لمُلاحظةِ تكاثُف بوز- أينشتاين، أنها قد تصل من 5 إلى 10 ثوان. كما يمكن من خالل التطوير المستقبلي للتكنولوجيا المستخدمة في مختبر الذرات الباردة أن تطيل عمر التكاثف ليستمر حتى المئات من الثواني.
تعتبر تكاثفات بوز اينشتاين موائع فائقة - وهي موائع معدومة اللزوجة، وفي هذه الحالة تتحرك ذراتُها دون أي احتكاكٍ فيما بينها كما لو كانت كلها كيانًا واحِدًا مُتماسِك.
تقول أنيتا سينغوبتا، مديرةُ مَشروعِ مُختبر الذرّاتِ البارِدة التابعة لناسا: "إن أحضرت سائلًا فائق الميوعة، وقمت بتحريكه بشكل دائري في كوب، فإنه سيستمر في دورانه في الكوب إلى الأبد. فليسَ هُنالك لزوجةٌ لإبطاء وتبديد الطاقة الحركية، لذلك إن استطعنا فهم فيزياء الموائع الفائقة بشكل أفضل، قد يمكننا عندئذ أن نتعلم استخدام ذلك لنقل الطاقة بكفاءة أكثر".
من المخطط أن تجري خمس فرق علمية تجاربها باستخدام مختبر الذرات الباردة. الجدير بالذكر أن من بين تلك الفرق فريق يقوده البروفيسور إريك كورنيل، من جامعة كولورادو والمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا. وكورنيل هو أحد الحائزين على جائزة نوبل نتيجة قيامه بتحضير تكاثف بوز أينشتاين في المختبر لِأوّل مرّة عام 1995.
من المُحتمَلِ أن تَقودَنا نَتائِجُ تِلك التَجارُب إلى تَحسينِ الكثير من التكنولوجيات، بما في ذلك أجهزة الاستشعار و الحواسيب الكمومية والساعات الذرية المستخدمة في المركبات الفضائيّة.
وقد عبر كمال أودريري )نائب مدير مشروع مختبر الذرات الباردة )CAL(، التابع لمختبر الدفع النفاث( عن حماسه بما يتعلق بالتطبيقات المتعلقة باكتشاف الطاقة المظلمة، فقد أشار إلى أن النماذج الحالية لعلم الكونيات تقسم الكون إلى ما يقارب ' من المادة المظلمة، و h من الطاقة المظلمة وحوالي %5 فقط من المادة العادية.
وتابع أودريري بقوله: "أي أنه وبالرغم من جميع تكنولوجياتنا الحالية، ما زلنا ال نرى حوالي من الكون. ستكون الذرات الباردة والحساسة جداً في مختبر الذرات الباردة كالعدسة الجديدة في تلسكوب غاليليو األول، حيث ستمتلك القدرة على كشف العديد من األسرار خارج حدود الفيزياء المعروفة".
يخضع مختبر الذرات الباردة حالياً للعديد من الاختبارات لإعداده قبل أن يتم نقله إلى مدينة كيب كانافيرال في والية فلوريدا. يقول ديف آفلين )المسؤول عن اإلجراءات االختبارية في مختبر ناسا للدفع النفاث )JPL بهذا الشأن: "إن الاختبارات التي تجرى حالياً التي ستستمر حتى األشهر المقبلة تعتبر حاسمة لضمان عمل مختبر الذرات الباردة على أكمل وجه، وللتأكد من إمكانية تشغيله والتحكم به عن بعد أثناء وجوده في محطة الفضاء الدولية، على أمل أن نتمكن من التعلم من هذه النظام الذري الرائع خالل السنوات القادمة".
يقوم مختبر الدفع النفاث )JPL( بتطوير مختبر الذرات الباردة حالياً، وذلك برعاية برنامج محطة الفضاء الدولية في مركز جونسون الفضائي التابع لوكالة ناسا في مدينة هيوستن. يدار برنامج الفيزياء األساسية من قبل قسم الحياة الفضائية والعلوم الفيزيائية التابعة لمديريات مهام االستكشاف والعمليات البشرية التابعة لوكالة ناسا التي مقرها في واشنطن .
تقوم جامعة كالتيك بادارة مختبر الدفع النفاث )JPL( التابع لناسا.
تبريد الذرات: يقوم العلماء بتبريد الذرات من خالل ابطاء حركتها. فالحرارة هي الطاقة الحركية لذرات المادة، ودرجة الحرارة هي مقياس لسرعة حركة الذرات في المادة. وبالتالي خفض درجة الحرارة ليس إال إبطاء لحركة الذرات.
Image: NASA
صورة توضيحية للرقاقة الذريّة والمصيدة المغناطيسية الضوئيّة الّتي يُخطط مُختبر الذرّات الباردة التابع لوكالة ناسا، إرسالها إلى محطة الفضاء الدولية.
سَيُتيحُ مُختبر الذرّات البارِدة الفُرصة لِدراسَة الغازات الكموميّة شَديدة البرودة في بيئة تكون الجاذبية فيها شبه معدومة. تعتبر هذه الخطوة أحدثَ ما توصل إليه البحث العلمي، ويتوقع أن تكشف عن ظواهر كمومية غير مألوفة ومثيرة للاهتمام.
يندرج مختبر الذرات الباردة (Cold Atom Laboratory CAL) كواحد من مشاريع مختبرات الدفع النفاث التابعة لناسا (JPL)، والّذي يَعملُ على تطويرِ المعدات المُستخدمة في المشروع . مختبر الذرات الباردة هو شراكة تربط ما بين مختبر الدفع النفاث (JPL) ومكتب برامج المحطة الفضائية الدولية التابعة لوكالة ناسا في مركز جونسون للفضاء في هيوستن، وأيضاً قسم حياة الفضاء والعلوم الفيزيائية في مقر ناسا.
للمزيد من المعلومات حول مختبر الذرات الباردة (CAL) قم بزيارة موقع الانترنتهنا
لمزيد من المعلومات حول مختبر الذرات الباردة، قم بزيارة الموقع هنا
تم تقديم محاضرة حول مختبر الذرات الباردة من قبل ناسا في شهر مارس/آذار، يمكن مشاهدتها من الرابط:
التفاصيل عن المحاضرة في الموقع: هنا