البرمجة اللغوية العصبية
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
يعود تاريخ البرمجة اللغوية العصبية إلى منتصف السبعينات، تم تأسيس قواعدها على يد كل من اللغوي "جون جريندر” وطالب الرياضيات "ريتشارد باندلر".
منذ أن وضع كل من جريندر وباندلر الأساسيات تم إدخال العديد من التحديثات على هذا المصطلح، وأصبح من الصعب وضع تعريفٍ واضحٍ وشاملٍ للبرمجة اللغوية العصبية يكون معتمدًا من جميع ممارسيها ومدربيها؛ فعلى حسب تعبير إبراهيم الفقي كما جاء في كتابه البرمجة اللغوية العصبية:
«يدرك الناس البرمجة اللغوية العصبية بطرق مختلفة؛ لذا فإن تعريفها يتم بصور عديدة ومتنوعة، فهي برنامج تشغيل العقل، وهي التكنولوجيا الجديدة للإنجاز، وهي دراسة التفوّق الإنساني».
وبعد سرد الفقي لهذه التعريفات المتنوعة يذكر التعريف الأكثر دقةً وصحةً من النّاحيةِ العلمية على حسب تعبيره:
«البرمجة، تدل على إمكانية إعادة برمجة أفكارنا ومشاعرنا واستبدالها بأفكارٍ جديدة، أما اللغوية، فتدل على القدرة على استخدام اللغة المحكية وغير المحكية (لغة الجسد على سبيل المثال) ومحاولة فهم هذه اللغة. أخيرًا يدل مصطلح العصبية على جهازنا العصبي وما يرتبط به من الحواس الخمس المعروفة».
تعتمد البرمجة اللغوية العصبية على عدة مفاهيم مثل العقل الباطن وتأثيره الدائم على التفكير الواعي، السّلوك المجازي والكلام وخاصة البنّاء على طريقة فرويد في تفسير الأحلام. والعلاج بالتنويم المغناطيسي.
لماذا تعد البرمجة اللغوية العصبية من العلوم الزائفة؟
يُعرّف العلم الزائف بأنّه مجموعة من الأفكار والممارسات التي تدّعي أنها علمية، في حين أنها لم تُبنَ وفق منهجية علمية حقيقية.
لعلّ أهم ما يميز العلوم الزائفة هو عدم القدرة على دحضها أو نفيها؛ فهي ببساطة غير قابلة للدحض، بكل سهولة تستطيع دحض أي نظرية علمية بمجرد عدم موافقتها لنتائج تجربة واحدة فقط، ولكنك لا تستطيع دحض العلوم الزائفة لعدم وجود تجارب أصلًا.
نجد هذه الميزة واضحةً جلية في البرمجة اللغوية العصبية، فكل نظرياتها وأفكارها غير قابلة للتجريب، وكل قصص النجاح في غالب الأحيان لا تزيد عن كونها قصص وروايات لا يمكن التأكد من صحتها، هذا إن كانت البرمجة اللغوية العصبية فعلًا وراء هذا النجاح أصلاً.
العلوم الزائفة تتّسم بالغموض وتشترك جميعها أو أغلبها بوجود مصطلحاتٍ معقدةً جدًا، وعصيةً على الفهم، على سبيل المثال:
الأساليب الحديثة للمقابلة العلاجية
الجرامافولوجي وسيلة التعرف على الأداء البشري
تقنيات خط الزمن والعلاج على خط الزمن، وغيرها الكثير.
إنّ العلم الحقيقي يثبت نظرياته من خلال التجارب الكثيرة التي تصل لآلاف المرات، لا من خلال بعض القصص والروايات، والشّهادات الشّخصية التي لا وزن لها إطلاقًا بالمفهوم العلمي الموضوعي.
البرمجة اللغوية العصبية بين مؤيديها ومعارضيها
يؤكد مؤيدو البرمجة اللغوية العصبية وممارسيها على أنها طريقٌ مُعبّدٌ للنجاح، وإذا استطاعَ شخصٌ ما القيام بأمرٍ ما، فإن أي شخصٍ يمكنه القيام بهذا الأمر، وبالتالي يمكن للشخص العادي أن يصبحَ أينشتاين أو بافروتي أو بطلَ العالم برفعِ الأثقال بمجرد تطبيق التعليمات بحذافيرها.
يعتقد ممارسو ومدربو البرمجة اللغوية العصبية أن هذا "العلم" يُمكّنهم من زيادة الثقة بالنفس وتطوير مهارات الاتصال مع النفس ومع الآخرين، كذلك يُمكّن من تطوير الأداء والتفكير الإبداعي، وسيصبح المرء ذا ذاكرة أقوى وسريع التعلمِّ وسيصبح أقدرَ على التفكيرِ الاستراتيجي، وكل ذلك بفضل تعاليم وقواعد البرمجة اللغوية العصبية. إذن هل هم على حق؟
ذكرنا في الفقرة السابقة لماذا تعد البرمجة اللغوية العصبية من العلوم الزائفة، ويُمكننا دحض كلام المتحمسين لها بالنظر فقط إلى أنّ كل الوعودِ السّابقة ستتحقق بمجرّد التحاقك بثلاث دوراتٍ متتالية، أو ثلاث دبلوماتٍ كما يسميها أنصار البرمجة اللغوية العصبية، وكل دورة تتراوح بين ثلاثةَ أيامٍ، واثنا عشر يوماً، بالتالي بأقل من شهرٍ ستصبحَ من الأذكياء وستُطوّر قدراتك في مختلف النواحي وستملك مفاتيحَ النجاح، ولن يتبقى عليك سوى النجاح لتغدوَ أينشتاين القادم.
ما الهدف إذن من الدخول إلى الجامعات، وتحصيل شهادة الماجستير والدكتوراة؟ ما الهدف من سنوات الخبرة، وسنوات العمل الطويلة؟ لمَ على أي شخص القيام بكل ذلك بينما يمكنه تحصيل النجاح بمجرد الالتحاق بثلاث دورات ولمدة شهرٍ واحد؟!.
هل البرمجة اللغوية العصبية مفيدة؟
البرمجة اللغوية العصبية شيء حديث، وإنّ وجود مئات العظماء والمفكرين والعلماء قبل وجودها دليلٌ قويٌ جدًا على إمكانية النجاح بدونها! هذا من جهة، أمّا من جهةٍ أخرى إنّ وجود المئات من دبلومات البرمجة اللغوية العصبية مع مئات المتدربين، دون عددٍ كبيرٍ من الناجحين في المجتمع - لو فرضنا أنّ كل من سيحصل على هذه الدبلومات سيكون شخصًا ناجحاً بالضرورة- هذا دليل على أنها لا تعمل دائمًا كما هي وعودها.
بالمجمل يمكن اعتبار البرمجة اللغوية العصبية أقلَّ العلومِ الزائفة ضررًا ووجود نفعٍ لها أمرٌ مُمكن الحدوث؛ فقد يستفيد المتدرب فعلًا منها ويطور قدراته، لكن هذا لا يمنع أن البرمجة اللغوية العصبية تستند على عددٍ من الفرضيات الخاطئة، كالتّنويم المغناطيسي وقدرته على التأثير في الناس، والتخاطب المباشر مع العقل الباطن وهي جميعها أمور غير مثبتة علميًا إطلاقاً!
يدعي أيضًا خبراء البرمجة اللغوية العصبية أنهم درسوا العقول المُبهرة، وأنماطَ السلوكِ للأشخاص الناجحين واستخلصوا النماذج في طريقة عملهم، وبالتالي ومن خلال هذه النماذج يمكن استخلاص بعض الاستراتيجيات التي تقود إلى سرعة وفعالية التغيير في التفكير والتصرفات وبالتالي تطوير الذات، لكنّ دراسة عمل العظماء كأينشتاين مثلًا قد يخرج عنها العديد من النماذج، ولا يوجد طريقةً للوصول إلى النموذج الصحيح.
خلاصة القول، ترتكز البرمجة اللغوية العصبية على نماذج، وأسس من الصعب وضعها تحت التجربة، ولا يمكن تطبيق المنهجية العلمية عليها، كما أن التفكير والإدراك كما تقدمه البرمجة اللغوية العصبية غير معتمدٍ من قبل علم الأعصاب.
يبقى الهدف من صبغ البرمجة اللغوية العصبية بالصبغة العلمية، وتغليفها بالعبارات المُنسقّة الجذّابة، هو جلب المزيد من المؤيدين لها، وبالتالي الالتحاق بدوراتها وفي النهاية المستفيد الأكبر هو المدرب الذي يملأ جيوبه بالمال، وربما بعض المتدربين.
المصدر:
هنا