الفيزياء النانويّة
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
ما الفرق بين تعريفُ النانو تكنولوجي والفيزياءُ النانوية؟
بِمَ يختلفُ النانو تكنولوجي عن علمِ النانو؟
لا تقلقوا! سنحاولُ الإجابةَ على هذهِ الأسئلةِ في مقالِنَا التالي.
كلمةُ نَانُو Nano
إنّ لفظَ كلمةِ النانو متشابِه في أغلبِ اللغات اللاتينية، فيطلقُ عليها "Nano" باللغة الإنجليزية و"Nain" باللغة الفرنسية. وكلمةُ "نانو" مشتقةَ منْ كلمةِ "Nanos" الإغريقيّة أو "Nānus" اللاتينية ومنْ كلمةِ دوارف "dwaref" الإغريقيّة اليونانية، التي تعني باللغة العربية: "القزمُ أو كل ما هو ضئيلُ الحجمِ وصغيرٌ جداً".
وفي الواقع، إنّ النانو أصغرُ بكثيرٍ من القزمِ الذي نتخيَّلُه، وحتى أنّه أصغرُ من الطولِ الموجي للضوءِ المرئي، فهي تصفُ مقاييساً ضئيلةً يصعبُ على العقلِ البشري تخيّلُها. الأمرُ يبدو وكأنّ شخصاً ما أرادَ أنْ يحشرَ مليونَ جزيّئةٍ من الفلورين (C60) في حبّةِ أرزٍ واحدةٍ فقط!
الآن، إنْ انتقلْنَا إلى مجالِ العلومِ والفيزياء، فإن النانو هو جزء من مليار من الكل. ولكنْ، عندما تضافُ لاحقةُ النانو الى كلمةِ العِلم Science والتقانة Technology، تصبحُ هذه الكلمةُ غامضةً. فعلمُ النانو لا يمكنُ أنْ يكونَ جُزءً من المليارِ من العلم! إنّما العلمُ المتعلقُ بدراسةِ الأشياءِ ذاتِ الأبعادِ النانو مترية. وعندما تُضاف كلمةُ النانو التي يرمزُ لها بـ "n" قبلَ واحدةِ قياسِ الأبعادِ "المتر"، يعني ذلكَ مقياساً واحداً من ألفِ مليونٍ من المتر(أي واحد على مليار من المتر 9m-10)؛ وإنْ أُضيفَتْ قبلَ واحدةِ قياسِ الزمن "الثانية"، يعادلُ ذلك جزءً من ألف مليون جزء من الثانية (10-9 s).
وفي محاولةٍ لتقريبِ الأمرِ إلى ذهنِكُم، سنضربُ المثالَ التالي: إنّ قطرَ شعرةِ الإنسانِ يختلفُ من شخصٍ لآخر. و يمكننا اعتبارُ سُمكَ شعرةِ الإنسانِ على أنه يتراوحُ وسطياً بين القيم 16-181 ميكرومتر (يعادلُ الميكرومتر الواحد جزءً من مليون من الكل).
الفيزياءُ النانويةُ وعِلْمُ النانو
تحتلُّ الفيزياءُ النانويةُ Nanophysics موقعاً متوسطاً في دراسةِ الظواهرِ ما بينَ المستوى الكميّ، والمستوى المجهري (الماكروسكوبي Macroscopic) الذي تحكمُه قوانينُ نيوتن وآينشتاين. ويمتدُّ السُلَّمُ النانوي Nano Scale من نانو مترٍ واحد إلى 100 نانو متر.
والتعريفُ الأدقُّ للفيزياءِ النانوية: فيزياءُ البنى والأدوات التي أبعادُها من مرتبةِ النانو متر، وتقعُ ضمن المجال النانويّ؛ أو فيزياءُ الظواهرُ التي تحدثُ خلالَ أجزاءٍ صغيرةٍ من الثانيةِ، أي خلالَ زمنٍ من مرتبةِ النانو ثانية.
أما تكنولوجيا النانو NanoTechnology، فهي التقانةُ التي ستعطيْنَا القدرةَ على التحكُّمِ المباشرِ في تصنيعِ، مراقبةِ، ودراسةِ خواصِّ المواد في مستوى مقياسِ النانو.
وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ علماءَ الفيزياءِ والكيمياءِ يفضّلونَ استخدامَ مصطلحِ عِلْمِ النانو Nanoscience، عوضاً عن تكنولوجيا النانو، ويُشدِّدُونَ على التمييز بينهُما بهدفِ الحفاظِ على قيمِ الانضباطِ بعيداً عن القيمِ الربحيةِ والنفعيةِ البحتةِ التي تحقِّقُها التكنولوجيا، وتكونُ بذلكَ تكنولوجيا النَانُو الغايةُ المنشودةُ لعلومِ النانو.
تاريخُها
أدَّتْ عواملٌ عديدةٌ إلى ظهورِعِلْمِ النَانُو وتكنولوجيا النَانُو؛ ويعودُ تطوُّرُهما بشكلٍ أساسيٍّ لثلاثةِ أحداثٍ مُشوِّقة حصلَتْ ما بينَ بداياتِ ثمانيناتِ القرنِ العشرين ومنتصفِها. وقد استحقَّتْ كلٌّ من تلكَ الأحداثِ بجدارة،جائزةَ نوبل في الفيزياء. وهي:
اكتشافُ تأثيرِ هول الكميّ في الغازِ الإلكتروني ذي البعدين.
اختراعُ مجهرِ المسحِ النفقي (STM).
اكتشافُ شكلٍ جديدٍ من أشكالِ الكربون؛ فولرين Fullerene.
لقد أدّتْ هذه الانجازاتُ العظيمةُ إلى اختراعِ مجهرِالقوّةِ الذرية (AFM). أيضاً أدَّتْ إلى اكتشافِ الأنابيبُ الكربونيةُ النَانَوية (CNT) مع بداياتِ تسعينياتِ القرنِ العشرين،التي أصبَحتْ في يومنا هذا "حجر أساس تكنولوجيا النانو".
إنّ جميعَ الإمكانياتِ الرائعةِ التي نحصلُ عليها من تصنيعِ موادٍ نَانَويةٍ بمواصفاتٍ خاصةٍ، دفعَتْ الفيزيائي الشهير ريتشارد فاينمان Richard Feynman إلى التعقيبِ عليها في إحدى محاضراتِه عام 1959، قائلاً: "هناكَ فعلاً الكثيرُ من المساحات في الأعماق".
أصبحَتْ الفيزياءُ النَانَوية علماً واسعاً؛ واستدعى ذلك مِنَ العلماءِ بأنْ يقسموها إلى عدَّةِ أقسامٍ، نذكرُ منها:
عِلْمُ السوائلِ النَانَوية
عِلْمُ الذراتِ النَانَوية
عِلْمُ البصرياتِ النَانَوية
عِلْمُ الذراتِ النَانَوية المغناطيسيّة
عِلْمُ الأنابيب الكربونية النَانَوية
عِلْمُ النقلِ الكميّ
عِلْمُ الإلكترونيات النَانَوية
عِلْمُ المغنطةِ النَانَوية والإلكترونيات الدورانية
ماذا تدرسُ الفيزياءُ النانوية؟
يهتمُّ عِلْمُ الفيزياءِ النانويةِ بدراسةِ الخواصِّ البنيويّة، الإلكترونية،البصرية، والحرارّية للأنظمةِ النَانَوية. إضافةً إلى الناقليةِ الإلكترونيةِ والحراريّة، القوى بينَ الأجسامِ النانوية، والانتقالات بين الحالةِ الكلاسيكية والكميَّة للمادة.
تكمنُ أهميةُ الفيزياءِ النَانَويةَ في دورِها الكبيرِ في الصناعة. فعلى الرُّغمِ من كونِ الفيزياءُ النَانَويةُ علماً حديثاً، إلّا أنّ له تطبيقاتٍ واسعةٍ في الطبِّ، الهندسةِ، والمجالات العسكريّةَ.
فقد أسهمَتِ الفيزياءُ النَانَويةُ، على سبيل المثال، في اختراعِ الزجاجِ الذاتيِّ التنظيف والجواربِ المضادةِ للبكتيريا. أيضاً، لقد مكّنَتِ الفيزياءُ النَانَويةُ الأطباءَ من توصيلِ الجُرَعِ الدوائيّةِ إلى الأماكنِ المطلوبةِ في الجسم بدقةٍ عالية.
علاوةً على ذلكَ، تلوحُ في الأفقِ الكثيرُ من المشاريعِ التي من المنتظرِ أنْ تُنجَزَ من قبلِ الفيزياء النَانوية كالطعامِ النَانوي، الذي سيجعلُ المعدةَ ممتلئةً بكميةٍ صغيرةٍ من الطعام، وبذلك يحدُّ من ظاهرةِ الأكلِ المُفرط!
تحاولُ الفيزياءُ النَانويةُ حلَّ العديدِ من المشاكلِات التي تواجهُنَا في الحياةِ اليومية كمشكلةِ الاحتكاك، الذي سنتناولُه في مقالِنَا القادمِ، بعنوان: "الاحتكاكُ على المستوى النَانَوي".
المصادر:
هنا
هنا
هنا