كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب (الرياضياتُ في حياتِنا): إلى كارهي الرياضيات والناقمين عليها

عندما تَقرأُ كتابًا أعدّه مدرّسُ رياضيّاتٍ مختصّ، وترجمتْه مربّيةٌ مميّزة؛ فلا شكَّ أنّه قد احتوى علمًا قيّمًا، وقُدِّمَ لك بالطريقةِ الأنسب.

تكمُنُ أزمةُ الكتابِ العلميِّ في أنّه غالبًا ما يؤلَّفُ بلغةٍ علميّةٍ عميقة، تُفقِدُك حماسةَ القراءة، وهذا إنْ لمْ تكن دراستُه مقرَّرةً عليك. فما بالُك بالرياضياتِ التي يَنْدُرُ أنْ تجدَ أحدًا ما يتقنُ النطقَ بها؟ نعم، أقصدُ النطقَ بها! أحبُّ أنْ أشيرَ إلى الرياضياتِ وكأنّها لغة؛ فإنّ فيها كلَّ ما في اللغةِ من مُقَوِّمات؛ فيها كلماتٌ ذاتُ معانٍ محدَّدة، وقواعدُها قد تكونُ قياسيّةً أو سماعيّة، كما في اللغة.

إنّ كتابَ (آهٍ من الرياضيات) هو هديّةٌ قيّمةٌ أهداها الكاتبُ الرياضيّ (زلاتكا شبورير) إلى كارهي الرياضيات، والناقمينَ عليها وعلى كلِّ مَن له علاقةٌ بها.

أمّا قصّتي مع هذا الكتاب، فبدأتْ قبلَ أكثرَ مِن عَقْدٍ مِن الزمن، عندما امتهنْتُ تدريسَ مادّةِ الرياضيات، فكنتُ -بشكلٍ افتراضيّ- المدرِّسَ الذي يُبْغِضُه ويَخافُه جميعُ التلاميذ، إلى أنْ تعثَّرْتُ بهذا الكتابِ بين مجموعةٍ من الكتبِ المستعملة، فقرأتُه أسرعَ ما يمكنَ أنْ يُقرَأَ كتاب. وقد غيَّرَ نظرتي إلى جمهوري؛ فلمْ أعدْ ذلك المدرِّسَ الذي يطالبُ مَن أمامَه بفَهْمِ كلِّ ما يُشرَحُ في الدرسِ على مبدأِ القصِّ واللصْق. أوْحى إليّ الكتابُ أنّ الطلبةَ ليسوا سواءً في الفَهْم، بل إنّ لكلِّ واحدٍ منهم ذوقًا يتذوَّقُ به هذه المفاهيمَ المجرَّدة.

لمن هذا الكتاب؟

لقد تحدّث الكاتبُ إلى قارئِ كتابِه في مقدِّمتِه، وخاطَبَ كارهي مادّةِ الرياضيات وكلِّ ما هو مجرَّد، وكلَّ من يعتقدُ أنَّ هذا العملَ ليس إلّا نتاجًا لعقولِ ثُلَّةٍ من علماءَ أرادوا تشويهَ العالمِ الجميل. وقد أحصاهم بالعمليةِ الحسابيةِ التي تقول: إنَّ عددَ مَن لا يحبُّ الرياضياتِ يساوي عددَ جميعِ سُكّانِ الكرةِ الأرضية، مطروحًا منه عددُ مَن يحبُّها.

بالرغمِ مِن أنَّ هذا الكتابَ قد صدرتْ طبعتُه في شهرِ حزيران (يونيو) ١٩٨٧، وأنَّ النسخةَ الأصليةَ صدرتْ عامَ ١٩٧٥، إلّا أنّه مُفْعَمٌ بالمُفارَقاتِ والجَدَلِ بين الكاتبِ ونفسِه؛ ما يعطيك إحساسًا بأنّ الكاتبَ قد أصدرَه العامَ المنصرِم.

أنصحُك بقراءةِ هذا الكتابِ إنْ أردتَ أنْ تفهمَ أساسيّاتِ الرياضيّات، وإنْ كنتَ ممّن يدرِّسُ هذه المادّةَ لطلبةٍ يريدون أنْ يعرفوا لماذا عليهم دراستُها كلَّ عامٍ من عمرِهم الدراسيِّ الطويل، وإنْ كنتَ والدًا عطوفًا على ابنٍ يَصيحُ ويئنُّ عندما يَكتُبُ واجبَه المنزليّ لهذه المادّة، وتريدُ أنْ تشرحَ صدرَه فتبيِّنَ لهُ لمَ عليه دراستُها، وما الذي سيَجنيه من الفَهْمِ العميقِ لها.

أقولُ لكم بصفتي مدرِّسًا: إنّي أقرأُ هذا الكتابَ مرتينِ على الأقلِّ في كلِّ عامٍ دراسيّ؛ الأولى عند تحضيرِ محاضرتِي الأولى مِن كلِّ عامٍ وأنا أعلمُ أنّ هؤلاء الطلبةَ لم تُجلِسْهم أمامي إلا ضرورةُ النجاحِ والتخرُّج؛ فأُريدُ أنْ أخفِّفَ عنهم ما هم فيه، والثانيةُ في نهايةِ الفصلِ الدراسيّ، عندما أقولُ لهم: «ألم أقل لكم -يا شبابَ المستقبل- إنّ الرياضياتِ هي لغةُ العصر، وما إنْ اتقنتُمْ قواعدَها ومفرداتِها حتى تعبّرَ عن مكنوناتِكم فيها؟».

يذكر انّ الكتاب من ترجمة الدكتورة فاطمة عبدالقادر المما وقد ترجمتْهُ باحترافيّةٍ عالية، ونجحتْ في الحفاظِ على جودةِ النصِّ الأصليِّ وروحِ الفُكَاهة، على صعوبةِ هذه المهمّة. فقد امتلكَت الخصالَ التي مكّنتْها من تحويلِ الدُّرَّةِ الروسيّةِ إلى جوهرةٍ عربيّة.

في الختام، لا أنسى أنْ أشير إلى أنّ النسخةَ الأصليّةَ من الكتاب -التي هي بالروسيّة- تُضفي عليه روحًا خاصّة.

معلومات الكتاب:

صدرَ ضمنَ سلسلةِ (عالم المعرفة)، العدد ١١٤، في يونيو (حزيران) ١٩٨٧.

تأليف: زلاتكا شبورير.

ترجمة: د. فاطمة عبد القادر المما. (هي حاصلةٌ على الماجستير في الرياضياتِ والفيزياءِ من روسيا، ونالت درجةَ الدكتوراه في الفلسفة، ثم عملتْ في التربيةِ موجهةً أولى للرياضيات، بوزارةِ التربيةِ السورية).

عُنوانُه المترجم: الرياضياتُ في حياتنا.

عُنوانُه الأصليّ: آهٍ من الرياضيات.

عددُ فصولِه: أربعة، وخامسُها حلولٌ وإجابات.