التعليم واللغات > اللغويات

في يومها العالميّ... اللغةُ الإنكليزيةُ لغةٌ مرقّعةٌ!

استمع على ساوندكلاود 🎧

مَن مِنّا لم يراودهُ حلمُ إتقانِ الإنجليزيةِ أو تحدثِها؟ لمَ لا وهي اللغةُ العالميةُ الأولى؟ لغةُ شكسبير وهوليوود ولغةُ التجارةِ والاقتصادِ والبحثِ العلمي.

ولكن هل تساءلتَ يوماً متى وُلدت هذه اللغةُ؟ ومن أين جاءت لتصبحَ اللغةَ المسيطرة؟

في هذا اليوم 23 أبريل/نيسان الذي تحتفلُ فيه الأممُ المتحدةُ باليومِ العالميِّ للّغةِ الإنجليزيةِ نُقدّم لكم تاريخاً موجزاً مع القليل من المعلومات الغريبة التي ستدهشكَ عن أصل الإنجليزية؛ عن شكسبير وما قدّمه للغة، عن القاموس الأول، والكثير الكثير في هذا المقال:

تنتمي اللغةُ الإنجليزيةُ إلى فرعِ اللغاتِ الجرمانيةِ الغربيةِ من الأسرةِ الهندو-أوربية، ونشأت في إنكلترا لتصبحَ اليومَ محكيةً على نطاقٍ واسعٍ في قارات العالم الست.

الكلتيون هم أقدمُ سكانِ الجزرِ البريطانيةِ ممّن تركوا أثراً على اللغةِ الإنجليزية، فبعد أن حطوا الرّحالَ في بريطانيا في حوالي 500 قبل الميلاد أصبحوا الشعبَ المهيمنَ على البلادِ حتى وصولِ الرومانِ في القرنِ الميلادي الأول. في الواقع لم يتبقَّ من تراثِ الكلتيين سوى بضعةِ كلماتِ على الرغم من أن كثيراً من أسماءِ الأماكنِ الإنجليزيةِ كلتيةُ الأصلِ مثل لندن ودوفر وكينت وكذلك اسما نهري التايمز و واي.

وفي عام 43 ميلادي دخلَ على اللغةِ تأثيرٌ أشدُّ وأبقى عندما وصلَ القائدُ الرومانيُّ أولوس بلاتيوس الذي هزمَ قبائلَ البرابرةِ المستوطنةِ، ونصّبَ نفسَه الحاكمَ الرومانيَّ الأولَ في بريطانيا وبدأت حقبةٌ من الحكمِ الروماني للجزرِ البريطانيةِ دامت أربعةَ قرون.

وعلى الرغم من أنّ الإنجليزيةَ لا تحتفظُ بكثيرٍ من الكلماتِ من تلكَ الحقبة (حوالي مئتي كلمة لاتينة فقط دخلت الإنجليزيةَ في ذلك الوقت، أغلبُها أسماءٌ اشتقّها التجارُ والجندُ مثل:

(win-wine candel-candle

إلا أنّ بلاتيوس وحاشيتَه مهدوا الطريقَ لموجةٍ عارمةٍ من الكلماتِ اللاتينيةِ التي ستُشبعُ اللغةَ الإنجليزيةَ مع وصولِ المسيحيةِ في القرنِ السادسِ الميلادي.

ولكن قبلَ ذلك وصلَ الإنجلو-ساكسونيون، فحوالي عام 449 م بدأ وصولُ قبائلَ جرمانيةٍ تسمّى الإنجلز والسكسون والجوت إلى بريطانيا، فشكّلت لهجاتُ هذه القبائل أساسَ ما بات يُعرف اليومَ باللغةِ الإنجليزيةِ القديمة، وهي لغةٌ جرمانيةٌ غربيةٌ تحتوي تصريفاً للأفعالِ وقواعدَ تصريفٍ للأسماءِ كاللغةِ اللاتينية، ما يجعلُها صعبةَ الفهم جداً في يومِنا هذا. وقد نجا حوالي 400 نصاً أدبياً وغيرَه من تلكَ الحقبةِ ما سمحَ لنا بإعادةِ تدوينِ اللغةِ الإنجليزيةِ القديمةِ ومفرداتِها. ومن اللافتِ حقاً أنّه وبالنظرِ إلى قِدمِ الفترةِ التي جاءت منها، إلا أنّ ثلثَ المفرداتِ الأنجلوسكسونية بقيت في اللغةِ الإنجليزيةِ الحديثة.

فالكثيرُ من المفرداتِ المُستخدمةِ في الحياةِ اليوميةِ والكلماتِ الأساسيةِ يمكن تتبعُ أصولِها في اللغةِ القديمةِ مثل:

Earth، night، body، ache، house....

وفي الواقع حتى اسمُ انكلترا (England ) مأخوذٌ من الأنجلو-سكسون. ومن الطريفِ أنّ متحدثي اللاتينية على امتدادِ القارّةِ الأوربيةِ كانوا في القرنِ السابع يشيرون لبريطانيا باسم (إنجليا)، أي بلاد الأنجليز، وهذا هو أصلُ الكلمةِ الحديثة انكلترا (England )

وبينما تشكلُ المفرداتِ الأنجلوسكسونية اللبناتِ الأساسيةَ للّغةِ والكثيرِ من المصطلحاتِ اليوميةِ في مفرداتِ الإنجليزيةِ الحديثةِ، فإنّ المفرداتِ اللاتينيةَ تفسحُ المجالَ لمقارناتٍ تظهرها بصورة أكثر رقياً؛ فكلمةُ (Troth) الجرمانية تبدو قديمةً وفظّةً بالمقارنةِ مع الكلمةِ اللاتينية (Loyalty )

ومعظمُ كلماتِ الشتائمِ اليومَ هي ألفاظٌ أنجلوسكسونية، كما هو مُلاحَظٌ في أصواتِها الحادةِ والصاخبةِ.

بدأ هذا التسلسلُ الهرميُّ للألفاظِ بالظهورِ بسببِ وصولِ حملاتِ التبشيرِ المسيحيّة بقيادةِ القديس أوغسطين وتنقلُها في البلادِ مع نهايةِ القرنِ السادسِ الميلادي. فتحوّل الأنجلوسكسونيون من دياناتِهم الوثنيةِ إلى المسيحية الكاثوليكية.

كانت اللاتينيةُ لغةَ الكنيسةِ في كافةِ أنحاءِ أوربا، أمّا في إنكلترا فلم تصبحَ لغةَ الكنيسةِ وحسب بل أصبحت لغةً للثقافةِ العاليةِ والأدبِ والحكومةِ أيضاً. وانتهت الإنجليزيةُ القديمةُ أخيراً لتصبحَ لغةً مقصورةً على الفلاحين وغير المتعلمين وكما هو ملاحَظٌ أنّ تأثيرَ هذا التقسيمِ لا يزال بادياً على اللغةِ الانجليزيةِ اليوم.

ولكن هذه ليست النهايةُ في قصةِ تاريخِ اللغةِ الإنجليزية ففي العام 789 م غزا الفايكنج إنكلترا وسيطروا على معظم الجزء الشرقي منها لمدة المائة سنة اللاحقة حتى جاءَ الملك الأسطوري ألفريد وطردَهم نحو الشمال الشرقي. وظلّوا متحكمين بجزءٍ صغيرٍ من البلادِ مدةَ عقدٍ من الزمان أو نحو ذلك. جلبَ الفايكنج معهم قرابةَ 2000 كلمةٍ إلى مفرداتِ اللغةِ الانجليزيةِ والكلماتِ الحديثةِ المأخوذةِ من لغتِهم النرويجية القديمة من بينها:

ado، anger، fog

ولم نحصِ إلا القليل.

وأخيراً كان الغزو النورماندي عام 1066 وما ترتّب عليه من دخولِ آلافِ الكلماتِ الفرنسيةِ إلى اللغةِ الإنجليزية. تراجعت اللغةُ اللاتينيةُ لتصبحَ لغةَ الكنيسةِ والدارسين، بينما أصبحتِ الفرنسيةُ اللغةَ الملكيةَ والرسميةَ وكذلك لغةَ الأرستقراطيين الذين كان الكثيرُ منهم يتحدثُ إنجليزيةً بسيطةً أو لا يتحدثُها على الإطلاق.

وحتى بدايةِ حربِ المائةِ عام في 1337 والتي استمرّت حتى خمسينيات القرنِ الخامسِ عشر، كان هناك نظامُ الطبقاتِ الثلاثِ حيث الفرنسيةُ هي اللغةُ الأرقى والأهمُّ ثم اللاتينيةُ اللغةُ الأكاديميةُ أمّا الأغلبيةُ من أبناءِ الشعب فتتحدث ما تطوّرَ ليصبحَ اللغةَ الإنجليزيةَ الوسيطةَ ذلك الوقت.

هنالك كلمات إنجليزية مثل:

Crown، Poet، Romance، Beauty...

التي لها جذورُها في اللغةِ الفرنسية. أما اللغةُ المحكية التي وصلت في نهايةِ المطافِ إلى ما نسمّيه اللغةَ الإنجليزيةَ التي لم تبدأ باكتسابِ مكانتِها وسمعتِها إلا مع بدايةِ حربِ المئةِ عام وهزيمةِ أسرة فالوا عندما بدأت اللغةُ الفرنسيةُ تبدو كأنها لغةُ الأعداء.

تأسست جامعتا أكسفورد وكامبردج لتشجعا التعليمَ والمعرفة. ومن خلال البحوثِ والدراساتِ والدينِ دخلَ الآلافُ من الكلماتِ اللاتينيةِ أيضاً إلى اللغةِ الإنكليزيةِ وهكذا وصلت إلينا. فالإنكليزيةُ التي نعرفُها اليومَ هي لغةٌ مرقّعةٌ ليس بسببِ مئاتِ الألفاظِ من أمثال Technophobe أو Keyboard التي تدفّقت إليها في آخرِ خمسين سنة أو ما إلى هنالك، بل لأنها منذ بداياتِ ظهورِها خليطٌ من الأنجلوسكسونية واللاتينية وفرنسية القرون الوسطى. ومع وصول النهضة إلى إنكلترا أصبحت الأمور أكثر تعقيداً.

النهضةُ الإنكليزيةُ واختراعُ الطباعة:

ألفا عامٍ من الغزوِ والفتوحاتِ شكّلا اللغةَ الإنجليزيةَ التي تشبهُ كثيراً اللغةَ التي نعرفها اليوم، فقد أبقينا على بنيتِها النحويةِ والتركيبيةِ مع بعضِ التعديلاتِ البسيطةِ كما حافظنا على أغلبِ مفرداتِها حتى وإن لم نعد

نستخدمها. بعضُ الألفاظ القديمة مثل:

Thee و Thou.

وبصرفِ النظرِ عن حقيقةِ أنّ أغلبَ خطوطِ اليدِ الحديثةِ المبكرةِ تبدو مشوشةً ومختلطةً إلا أنه في الواقع من السهل جداً علينا قراءةِ وفهمِ إنكليزيةِ القرنِ السادس عشر وإنكليزية سيدني ومارلو وشكسبير (طبعاً بالرغم من وجود اختلافاتٍ ملموسةٍ في اللغةِ واللفظِ عبر أجزاءِ البلاد) فالنهضةُ الإنكليزيةُ هدفت إلى بثِّ وخلقِ الآلافِ من الكلماتِ الجديدة.

وتعني كلمةُ النهضةِ Renaissance في اللغةِ الفرنسيةِ الولادةَ من جديد وما تنطوي عليه من إعادةِ اكتشافِ قوانينِ الأدب الكلاسيكي في كافةِ أرجاءِ القارةِ الأوربيةِ وتنشيطِ المعارفِ المعاصرةِ في جميعِ حقولِ الدراسةِ بما هو موجودٌ في النصوصِ الكلاسيكيةِ القديمة. فدرسَ العلماء والكتّابُ المحدثون الأوائلُ بحماسةٍ الشعرَ والمسرحَ والفنَّ والفلسفةَ والعلومَ في العصورِ القديمةِ وحاولوا تقليدَها وإعادةَ إنتاجِ ما كان يُنظَر إليه على أنه العصرُ الذهبيُّ الضائعُ للعلومِ والمعارفِ الذي شوهته عصورٌ مظلمةٌ من جهلِ العامةِ ورجالِ الدينِ حين تأخرت المعرفةُ الإنسانيةُ وأصابَها الركود.

وترافقت دراسةُ الأعمالِ الأدبيةِ الكلاسيكيةِ باكتشافاتٍ مذهلةٍ وابتكاراتٍ في مجالاتِ العلمِ والأدبِ والرحلاتِ الاستكشافيةِ. فاكتشفَ العلماءُ كرويةَ الأرضِ ودورانَها حولَ الشمسِ والدورةَ الدمويةَ في الجسمِ واختُرعَ البارود. وارتحلَ المستكشفون والتّجار إلى العالمِ الجديدِ كما نحت مايكل أنجلو تمثال داوود. ومع هذه الاكتشافاتِ والرحلاتِ دخلت آلافُ الكلماتِ الجديدة إلى اللغةِ الإنجليزيةِ مثل:

Skeleton، Utopian، Explain...

من اللاتينية

و Carnival و Violin من الإيطالية

و Coffee و Yoghurt من التركية

و Tomato و Tobacco من الإسبانية.

وربما يكون الأهمُّ من كلِّ ما سبق في حديثِنا أن ويليام كاكستون أدخلَ المطبعةَ إلى إنكلترا عام 1476 ما يعني إمكانيةَ طباعةِ الأعمالِ الأدبيةِ بأعدادٍ كبيرةٍ عوضاً عن النسخِ بخطِّ اليد كما كانت عليه الحالُ في السابق. طبع كاكستون كثيراً من النصوصِ كالقصصِ الأسطوريةِ والقصائد وكتبِ النحو والمواعظ والتفاسير. وخلالَ مئةٍ وخمسين سنةً تاليةً طُبعَ حوالي 20.000 كتاب ونتيجةً لذلك أصبحت الكتبُ أرخصُ ثمناً والقراءةُ أوسعُ انتشاراً وارتفعت نسبةُ التعليمِ، وأكثر من ذلك أنّ الحروفَ والنماذجَ التي استعملَها عمّالُ المطابع ساعدت على تأسيسِ ونشرِ لغةٍ قياسيةٍ في أنحاء البلاد. كان الإملاءُ في تلك الحقبة متبايناً إلى حدٍّ كبيرٍ (الكاتب المسرحي كريستوفر مارلو مثلاً عُرف عنه كتابةُ اسمِه بطرقٍ شتى مثل:

Marlo، Marloe، Marlow ...

وبالتالي من الواضح أنّ أهواءَ عمّالِ الطباعةِ آنئذٍ عملت على صياغةِ أشكالِ اللغةِ التي نستخدمُها اليوم.

شكسبير:

عدا عن حقيقةِ أنّ اسمَه معلمٌ سياحيٌّ يدرُّ الكثيرَ من الأموالِ في خزينةِ البلاد، فإنّ من بينِ أحدِ أهمِّ أسبابِ ما يشبه التقديس الذي يحظى به شكسبير في إنكلترا والتي تذكر كثيراً، هو اختراع الكاتب المسرحي الشهير لعدد كبير جدا من الألفاظ في اللغة الإنجليزية. إذ أجريت حديثاً دراسةٌ موسعةٌ شملت مجردَ الألفاظِ التي استخدمَها شكسبير كبوادئ أو ألحقها بكلماتٍ أخرى أو التي أضاف لها نهاياتٍ جديدةٍ وأحصت حوالي 20000 كلمة اخترعها شكسبير دخل كثيرٌ منها وبقي في اللغة الإنجليزية المحكية مثل كلمات:

Sea-change، Moonbeam، Remorseless

ورغم أنّ مساهمةَ شكسبير في تطويرِ اللغةِ تبدو ضئيلةً مقارنةً بالتأثيراتِ المذكورةِ آنفاً إلا أنّ من يستطيعُ اختراعَ ألفاظٍ مثل

Premeditated، Majestic، Deadening...

يستحقُّ الذّكرَ عند مناقشةِ تاريخِ وتطورِ اللغة.

(شكسبير)

القواميس:

منذ بداياتِ القرنِ السابعِ عشر تقريباً بدأ الدارسون يشعرون بالقلقِ ممّا رأوه فوضىً في استخدامِ اللغةِ الإنجليزية ما أفسحَ المجالَ لهذا التنوع الكبير في الإملاء والقواعد النحوية

وفي العام 1604نُشر القاموسُ الأولُ Table Alphabeticallلمؤلفِه روبرت كودري الذي صنفَ وشَرحَ 3000 كلمة فقط. ورغمَ أنّ قاموسَ كودري هذا كان مليئاً بالفائدة، لكن لم يظهر قاموسٌ مؤثرٌ وموثوقٌ لمئةٍ وخمسين سنة أخرى حين نشر قاموس صاموئيل جونسون للغة الانجليزية عام 1755

استغرق جونسون تسع سنوات في إعدادِ وتصنيفِ هذا الإنجازِ العلميّ المذهلِ والحدثِ البارز في تاريخِ تطورِ اللغةِ الانجليزية. كان القاموس دقيقاً ومفصلاً وكاملاً، ولكنّ آراءَ جونسون وشخصيتَه ظهرت في غيرِ مكانٍ من شروحاته، ومن بين أطرفِ لطائفِه شرحُه لمعنى كلمة Lexicographerب يقول: "هو الذي يؤلفُ المعاجمُ، شخصٌ لطيفٌ وكادحٌ يشغلٌ نفسه في تتبع أصولِ الكلماتِ ويشرحُ أهميتها"

المصادر:

هنا

هنا