الطب > مقالات طبية

أن تكونَ سعيداً لا يعني أن تعيشَ أكثر

استمع على ساوندكلاود 🎧

عندما نرى شخصاً سعيداً توحي لنا هيئتُهُ بأنَّه يتمتّعُ بصحةٍ جيدةٍ، ولكن ما مدى صِحّةِ ذلك علميّاً؟

لطالما سادَ اعتقادٌ أنَّ التّعاسةَ قد تكونُ سبباً للموتِ المُبكِر، ولكنَّ الحالةَ الصحيةَ السّيئةَ تُسبِّبُ التعاسةَ أيضاً وتزيدُ معدَّلَ الوَفيَات.

ربطتْ دراساتٌ سابقةٌ بين السَّعادةِ وانخفاضِ معدَّلِ الوَفَياتِ، وربما كانَ ذلك بسببِ زيادةِ احتماليةِ الوفاةِ لدى الأشخاصِ التُّعساءِ بسببِ حالتِهم الصّحيةِ السّيئةِ أصلاً، فمنَ المُمكنِ ارتباطُ شعورِ الإنسانِ بالحزنِ بعواملَ ذاتِ صلةٍ بنمطِ الحياةِ والعادات، فعلى سبيلِ المثال: يَميلُ المُدخِّنونَ للتَّعاسةِ أكثرَ من غيرهم، بسببِ ارتباطِ التَّدخينِ بزيادةِ احتماليّةِ الموت.

لذلك ارتأى الباحثونَ وجوبَ الحكمِ فيما إذا كانَ هنالك رابطٌ بين التَّعاسةِ والموت، فكانتِ الدراسةُ التاليةُ على حوالي مليونِ امرأةٍ بريطانيةٍ بين سنِّ 55-63 وخلال ١0 سنواتٍ سُئلتْ المُشاركاتُ عن الحالةِ الصِّحيةِ والسعادةِ والتوترِ والمشاعرِ المسيطرةِ وما إذا كنَّ شَعَرْنَ بالاسترخاء أم لا، كما تابعَ الباحثونَ إلكترونياً كلاً من الاستشفاءاتِ والوَفيَات، ليجدوا في نهايةِ الدراسةِ أنَّ حصيلةَ الوَفيَات كانت 31531 امرأة.

أظهرتِ النتائجُ أنَّ 39% من السيداتِ المُشارِكات اللواتي ذكرنَ أنَّهنَّ "سعيداتٌ معظمَ الوقت"، هنَّ بصحة جيدة، في حين أنَّ 44% من اللواتي ذكرنَ أنَّهنَّ "سعيداتٌ عادةً"، يتمتّعنَ بحالةٍ صحيةٍ أفضلَ من تلك التي تتمتع بها الـ 17% من المشاركاتِ الباقياتِ اللواتي ذكرنَ أنَّهنَّ غيرُ سعيداتٍ، إلاّ أنَّ المجموعةَ الأخيرةَ كانت تُعاني حالةً صحيةً سيئةً منذ بدايةِ الدراسةِ التي وجدت أنَّ درجةَ السَّعادةِ لديهنَّ بدأتْ بالانخفاض بعد إصابتهنَّ بالأمراض.

كما أنَّ قلةً من النساءِ الصحيحاتِ بدنياً ذكرنَ أنَّهنَّ مُحبَطاتٌ أو غيرُ سعيداتٍ، ولكنَّ نسبةَ الوَفيَات لديهنَّ لم تكنْ أكبرَ ممَّا هي عليه بين النِّساءِ السعيداتِ عموماً. لذلك خَلَصَ الباحثون إلى أنَّ الحالةَ الصحيةَ السيئةَ تُسبِّبُ انخفاضَ نسبةِ السَّعادة وليسَ العكس.

وفي ذلك يقولُ الدكتور Bette Liu كبيرُ الباحثينَ في هذه الدراسةِ من جامعة New South Wales في استراليا: "المرضُ يَجلِبُ الحزن، ولكنَّ عدمَ كونكَ سعيداً لا يَجلِب لكَ المرض"، ويضيف: "لم نجدْ أيَّ تأثيرٍ مُباشِرٍ للحُزنِ أو التوترِ على معدَّل الوَفيَاتِ خلالَ دراسةٍ امتدت 10 سنواتٍ وشمِلت مليونَ امرأة".

إذاً، لا يعني كونُ تأثيرُ السعادةِ على طولِ العمرِ أقلَّ ممَّا نعتقدُ، أنَّ الحُزنَ بحدِّ ذاتِه ليس ضاراً، فقد يكون تأثيراً جانبياً طفيفاً لأمراضٍ كتلك التي لُوحِظَت في هذه الدراسةِ وهي ارتفاعُ الضغطِ والسكريُّ والتهابُ المفاصلِ والربو والاكتئابُ والقلق. يُضافُ إلى ذلك، أنَّ التعاسةَ قد تكونُ أحياناً مُحرِّضاً على الإقدام على سلوكٍ ضارٍ مثلَ الانتحارِ وإدمانِ الكحولِ وغيرها...

لذلك علينا أنْ نتخّذَ من هذه النتائجِ حافزاً لنبحثَ عن السّعادة في ظلِّ هذا الصَّخَب المُتزايد، وأنْ نتخلَّصَ من المشاعرِ السلبيةِ، ونجدَ ما نستمتعُ به في الحياة، ولا ننسى متابعةَ الحالةِ الصحيةِ على نحوٍ مُستمّرٍ.

وخلاصةُ القولِ ـ وفقاً لهذه الدراسة ـ أنَّه لا يوجدُ رابطٌ بينَ الحزنِ أو التعاسةِ وارتفاعِ معدَّلِ الوّفيَاتِ، ولكنَّ الحزنَ بحدِّ ذاتِه يُمكنُ أنْ يكونَ من التأثيراتِ الجانبيةِ للحالةِ الصحيةِ السيئة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا01087-9/abstract