الهندسة والآليات > التكنولوجيا

حواسيب بيولوجية تصميم حواسية خارقة

استمع على ساوندكلاود 🎧

تخيَّل أنك تملك حاسوباً يستعملُ نفسَ الطاقة التي تستخدمها خلاياك الحيَّة. نعم يمكننا القولُ إن الحواسيبَ ستُصبح حيَّة. فهل يمكن بناءُ حواسيبَ من موادَّ حيَّةٍ كتلك الموجودةِ في أجسامنا؟ أو أن تعملَ على البروتينات التي تُغّذي خلايانا؟ ما فائدةُ ذلك وكيف سيكون هذا البحثُ نقلةً نوعيَّة نحو المستقبل؟ كيف سيكون شكلُها وأداؤها؟

تعالوا معنا لنتابع في هذا المقال ما توصل إليه باحثون في هذا المجال:

قام فريقٌ من الباحثين في جامعةِ (McGill) بنشرِ مقالٍ في مجلة الأكاديميةِ الوطنيةِ للعلوم (PNAS)، يتضمَّن نموذجاً لحاسوبٍ بيولوجي فائقِ السرعةِ قادرٍ على معالجةِ المعلوماتِ بسرعةٍ ودقَّةٍ عالية، باستخدامِ الشَّبكات المتوازيةِ التي تستندُ على معالجَين أو أكثر لإنجازِ عمليةٍ واحدة، وذلك بنفسِ الطريقةِ التي يقومُ بها الحاسوبُ الإلكترونيُّ الضَّخم فائقُ السرعة. إلا أنَّ هذه الحواسيبَ البيولوجية تتميَّزُ بأنها أصغرُ حجماً من الحواسيبِ الإلكترونيةِ وتستهلكُ كمِّيةً أقلَّ من الطاقة، ويُمكنها أن تعملَ بواسطةِ نفسِ المادةِ التي توفِّر الطاقة لجميعِ الخلايا في أجسامنا وهي ثلاثي فوسفات الأدينوسين (ATP). حيث يُمكِّنُنا هذا الاختراعُ من فتح أبوابٍ جديدةٍ للوصول إلى حواسيبَ بيولوجيةٍ بحجمِ كتاب. تخيَّلوا حواسيبَ بيولوجيةً خارقةً أصغرَ حجماً من الحواسيبِ الموجودة، تستهلك طاقةً أقل وتعملُ على البروتين الذي تستخدِمه خلايانا للقيام بوظائفها.

قام Dan Nicolau البروفيسور في الهندسةِ الحيويةِ في جامعة (McGill) برسمٍ يُعبِّر به عن الفكرة قبلَ نحوِ عشرِ سنواتٍ مضت، وكان هذا الرسم يبدو كديدانٍ صغيرةٍ تدورُ في متاهات. ثم بدأ بالعملِ على هذا المشروع مع ابنِه، وبعد ذلك انضمَّ له عدةُ باحثين من دولٍ مختلفةٍ حيث تمكَّن الفريق من بناءِ دارةٍ معقَّدةٍ في مساحةٍ صغيرة. [1]

ليتمكَّن الباحثون من إثباتِ أن هذا النوعَ من الحواسيبِ البيولوجية يُمكِن بناؤه على أرضِ الواقع، قام الفريق بنمذجةٍ الحاسوب، وكان هذا النموذج يبدو كمدينةٍ مُنظَّمةٍ يدور في شوارعِها مَركَباتٌ مختلفة في الشكلِ والحجم. وعندما قاموا ببناءِ نموذجٍ لهذه المدينة على أرضِ الواقع، كان الناتجُ عبارةً عن رقاقةٍ لا تتعدَّى مساحتُها 1.5 سم مربع، شوارعُها عبارةٌ عن ممرَّاتٍ محفورةٍ في الرُّقاقة. ويقوم ثلاثي فوسفات الأدينوسين (ATP) بتحريكِ البروتينات في هذه الممرَّات كما يحرِّك فرقُ الجُهد الكهربائي الإلكتروناتِ في المعالجاتِ الكهربائية. [1]

يوضح الفيديو كيفيةَ عملِ هذه الحواسيب. حيث يدخلُ الوسيطُ البيولوجي (البروتين) من ممرٍّ في أعلى اليسار ويخرجُ من المخارجِ في الأسفل، ويقابل كلَّ مخرجٍ رقمٌ معيَّن. يكون المسارُ الذي يتَّخِذُه الوسيطُ في الشبكةِ محكوماً بقوانينَ يُحدِّدُها نوعين من التقاطعات (junctions)، يُسمَّى أحدُها (split junction) والآخر يسمّى (pass junction). صُمِّم الـ (split junction) بشكلٍ يُجبِر الوسيطَ على الانعطاف يميناّ أو يساراً بشكلٍ عشوائيٍّ بحيث تكونُ احتماليةُ سلوكِ أحدِ الاتجاهين 50%. وصُمِّم الـ (pass junction) بحيث يمنعُ الوسيطَ من الانعطافِ ويُبقيه باتجاهٍ مستقيم. [2]

الفديو (1):

هنا

تَظهر في الفيديو أدناه الوسائطُ البيولوجيةُ باللونِ الأبيضِ وهي تتنقَّلُ في الشبكةِ ذاتِ اللونِ الأزرق، ويظهر تحتَ الشبكةِ أرقامٌ باللونين الأخضرِ والبنفسجي. يُمثِّل اللونُ الأخضرُ نتائجَ صحيحة، أما اللونُ البنفسجيُّ فيُمثِّل نتائجَ خاطئة. ويَظهر في الأسفل أرقامٌ باللونِ الأبيضِ وهي تُمثِّل عددَ الوسائطِ التي خرجَت من هذا المَخرج. [3]

فيديو(2)

هنا

تمتلكُ الحواسيبُ الكهربائيةُ فائقةُ السرعةِ عدة مساوئ، من حاجتِها لكميَّاتٍ كبيرةٍ من الطاقةِ، إلى ارتفاعِ درجةِ حرارتِها وحاجتِها إلى التبريدِ بشكلٍ مُستمر. وهنا تتفوَّق الحواسيبُ البيولوجيةُ على الكهربائيةِ من حيثُ استهلاكِها كميَّةً أقلَّ من الطاقةِ مما يُسهِّل عمليةَ تزويدِها بها، وأيضاً لا تحتاجُ إلى التبريد ذلك لأنها تعملُ على البروتيناتِ أو الوسائطِ البيولوجية كما يُسمِّيها الباحثون. [1]

وعلى الرغم من نجاح هذا النموذج للحاسوبِ البيولوجي بحلِّ إحدى المسائلِ الرياضية المعقَّدة باستخدامِ تقنيَّة الشبكاتِ المتوازية، إلَّا أنه ما زال هنالك المزيدُ من العملِ أمامَ الباحثينَ لتطويرِه في سبيلِ استخدامِه في حلِّ مسائلَ أُخرى. [1]

يقول Dan: "إنّ العديدَ من الباحثينَ سيقومُ بتطوير هذا الحاسوبِ حيث يمكن استخدامُ أنواعٍ أُخرى من الوسائط البيولوجية، أو حتى دمجُ الحاسوبِ البيولوجي والكهربائي في حاسوبٍ واحدٍ لمعالجة المزيدِ من المسائلِ المعقَّدة. إلَّا أنه من الصَّعب معرفةُ متى ستُسْتَخدَم هذه الحواسيبُ في المجالات المختلفة". [1]

هل يمكننا الوثوق في هذه من الحواسيب؟ وهل يمكنها أن تحلَّ مكانَ الأنواعِ التقليديَّة؟ دعونا ننتظر.

المصادر:

[1] هنا

[2] هنا

[3] هنا