الكيمياء والصيدلة > صيدلة

كيف يمكن لسمّ الأفعى أن يكون عوناً للأطباء في العمليات الجراحية؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

كشفت دراسةٌ حديثةٌ أن السمَّ المستخرجَ من نوعين من أفاعي الحفر* Pit Vipers التي تعيش في أمريكا الجنوبية قد يساعد الأطباءَ في تنظيم عملية تخثّر الدم، وذلك من خلال تعزيز فعالية هُلامةٍ مائيةٍ نانوية الألياف تُدعى SB50. حسب التصريحات الحديثة، قام علماءُ من جامعة رايس بنقع هذه الهلامة في سمّ أفعى يُعرف باسم باتروكسوبين Batroxobin، وأصبحوا بذلك قادرين على إيقاف نزف الجروح.

وفقاً للباحثين، يتم تطبيق الهلامةِ المُشرّبةِ بالسمّ على الجروح وهي بحالتها الفيزيائية السائلة، وتتحول بسرعةٍ إلى هلامةٍ تلائم موقعَ الجرح، تغلقُه بإحكامٍ وتحفّز التخثر خلال ثوانٍ، وكان قد نُشِر هذا الاكتشاف في مجلة ACS لعلوم المواد الحيوية والهندسة. قد تُستخدم الهلامةُ الجديدةُ في العمليات الجراحية الإسعافية، خصوصاً للمرضى الذين يتناولون مميعات الدم أو مضادات التخثر.

يتناول الناس مضادات التخثر بشكلٍ رئيسيٍّ لإذابة الخثرات الدموية غير المرغوبة، والتي تُشكّل خطراً في معظم الأحيان. فعندما يتخثر الدم بشكلٍ غير مرغوب فيه، يُمكن أن يسبب خُثاراً وريدياً عميقاً. تَحدُث هذه الحالة بسبب خثرةٍ دمويةٍ في أوردة الساق وتسبب ألماً وتورماً فيها. في حال تفككت هذه الخثرات إلى أجزاءٍ صغيرةٍ وانتقلت عبر المجرى الدموي، يمكن أن تُحدثَ ضرراً في الرئتين (الانصمام الرئوي)، والذي يسبب بدوره قِصَراً في النفَس وألماً صدرياً وقد يؤدي إلى الموت. تُعتبر العواملُ المضادةُ للتخثّر فعالةً في مكافحة هذه الحالة، لكنّ تمييعَ الدم يمكن أيضاً أن يسبب النزفَ للمرضى أثناء العمليات الجراحية.

يقول جيفري هارتغرينك، الكاتب الرئيس للبحث: "من الممتع والمثير للاهتمام أن تكونَ لك القدرةُ على أن تأخذ شيئاً قاتلاً وتحوّله إلى شيءٍ له القدرة على إنقاذ الأرواح".

لقد تمّ التعرّف على خصائص الباتروكسوبين المُخثرة للدم أول مرة عام 1936. منذ ذلك الحين، يجري استخدامه في العديد من العلاجات كوسيلةٍ لإزالة بروتينات الفيبرين الزائدة من الدم، مما يعزز تمييع الدم ويعالج الخثار. بالإضافة لذلك، استُخدم الباتروكسوبين لتحديد زمن التخثر للمرضى الذين يتناولون الهيبارين كعامل مضاد للتخثر.

يشرح هارتيغرينك في تصريحه: "يعمل الهيبارين على إيقاف عمل أنزيم الترومبين الذي يبدأ شلّالاً من التفاعلات ينتهي بتخثر الدم. الباتروكسوبين أنزيم ذو وظيفةٍ مشابهةٍ لوظيفة الترومبين، لكن عمله لا يتثبط بتأثير الهيبارين. تُعتبر هذه الحقيقة في غاية الأهمية لأن النزوف الجراحية عند المرضى الذين يتناولون الهيبارين تسبب مشكلةً خطيرة. لذلك، يُمثل استخدامُ الباتروكسوبين تدبيراً هذه المشكلة، فبواسطته يمكننا بدءُ عملية التخثر فوراً بغض النظر عن وجود الهيبارين أو غيابه".

لتفادي خطر الذيفانات السامة الأخرى، لم يستخدم العلماء الباتروكسوبين المستخلصَ من الأفاعي، بل استخدموا البكتيريا المعدّلة وراثياً لإنتاجه ثم تمت تنقيته. عند مزج الباتروكسوبين مع الألياف النانوية الصنعية المُجمّعة ذاتياً، وجد العلماء أن السائل يتحول إلى هلامةٍ بعد تلقيمه ضمن محقن وحقنه في موقع الجرح. أوقفت هذه العملية النزفَ نهائياً خلال زمنٍ قصيرٍ لا يتعدى ستّ ثوانِ. ويمكن لهذه الهلامة المائية أيضا أن تعززَ شفاءَ ونموَّ النسج الطبيعية.

ويضيف هارتغرينك: "إن خصائصَ الباتروكسوبين عُرفت بشكلٍ جيد منذ عقودٍ عدة. ما فعلناه هو أننا قمنا بمزجه مع الهلامة المائية التي كنا نعمل عليها منذ مدةٍ طويلة. نعتقد أن SB50 ذاتُ فعاليةٍ كبيرةٍ لإيقاف النزوف الجراحية، ولاسيما في الحالات الحرجة التي يتناول فيها المريض الهيبارين أو مضاد تخثر آخر. يأخذ الـ SB50 قدرةَ هذا السمِ الفعالةَ على تحريض تخثر الدم ويجعلها أكثر فاعليةً، وذلك بإيصاله للجرح بواسطة هلامةٍ موضعيةٍ مما يمنع أي تأثيرٍ جهازيٍّ غير مرغوبٍ قد ينتج عن استخدام الباتروكسوبين وحيداً".

ختاماً، إن الحصولَ على موافقة وكالة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) تُعتبر شرطاً قبل تطبيق الـSB50 على المرضى. في حين أن الباتروكسوبين تمت الموافقةُ عليه سابقاً، ويعتقد هاتغرينك أنه من الضروري إجراء تجارب إضافية على الهلامة خلال السنوات القادمة.

*أفاعي الحفر هي مجموعةٌ واسعةٌ من الأفاعي المنتجة للذيفانات أو السموم، تمتاز بتوزّعها الجغرافي الكبير الذي يتراوح بين الصحارى والغابات الاستوائية المطرية. يمكن تمييزُ هذه الأفاعي بشكلٍ خاصٍ بتواجد تجويفٍ حساسٍ للحرارة يتوضّع بين العين وفتحة الأنف على إحدى جهتي الرأس، والذي يساعدها بشكلٍ رئيسيٍّ على اصطياد فرائسها.

المصادر:

هنا

هنا