البيولوجيا والتطوّر > التطور

الكشف عن ماضٍ جنسيٍّ غنيٍّ بين الإنسان الحديث والنيانديرتال!

استمع على ساوندكلاود 🎧

أظهرت الدراساتُ أنَّ جزءاً صغيراً فقط من الDNA الموجود داخل خلايا الأوروبيين والأسيويين قادمٌ من النيانديرتال، لكن هذه البقايا قد حرَّضت كثيراً من البحث...

في الأعوام القليلة الماضية، تتبع الباحثون هذه البقايا إلى لقاء أولقائَين قديمين مع أبناء عمومتنا المنقرضين. والآن، نُشِر بحثٌ في مجلة Science هذا الأسبوع يُفصّل بشكل أوسع الماضي الجنسيّ المشترك بين البشر المعاصرين وأولاد عمومتهم القدامى، والذي لعب دوراً في عدة أوقات وأماكن في السنين الـ60000 الماضية.

من خلال تطوير طرقٍ إحصائيةٍ جديدة، قام فريقٌ عالميٌّ بتحديد مدى شيوع تواجد كل من الإنسان الحديث و النيانديرتال بالإضافة لنوعٍ آخرَ قديمٍ من البشر يُسمى دينيسوفان Denisovans، كما حاولو تحديد في أي قاراتٍ كانت هذه الأنواع تلتقي وتتزاوج.

والآن إلى النتائج:

- إذا كنت عزيزي القاريء من مناطق شرق آسيا، فإنَّه يوجد 3 أفراد نياندرينتال في شجرة عائلتك.

- أما إذا كنت من الأوروبيون والجنوب أسيويون فإنك تمتلك اثنين، بينما يملك القادمون من Melanesia وهي مجموعة الجزر الموجودة في جنوب غرب أوقيانيا واحداً فقط.

- الأفارقة، الذين لم يقم أسلافهم بالاقتران مع النياندرينتال، لا يملكون أياً منهم.

- بالإضافة إلى ارتباطَين إضافيَّين معروفَين فقط من الDNA المستحاثي، فقد قام أسلاف البشر الحديثين و النيانديرتال بالتزاوج على الأقل خمس مرات- (لا يمكن تتبع أي اقتران لم تنتج عنه سلالة)-. وفي الوقت ذاته، ارتبط الدينيسوفان على الأقل مرة مع الميلانزيون

(تعرَّف أكثر على الميلانزيين ومورثاتهم الفريدة: هنا ).

"كانت على ما يبدو حوادث منفصلة، وليس فقط عبارة عن زواجٍ واحدٍ سعيدٍ قد حصل في نقطةٍ معينة"، وذلك بحسب ما يقول عالم الاحياء التطورية Alan Cooper من جامعة Adelaide باستراليا، والذي لم يكن جزءاً من الدراسة الجديدة.

عندما وجد العلماء في البداية آثار DNA النووي الخاص بالنيانديرتال لدى بشرٍ أحياء، افترضوا أنَّه قد يعود لتزاوجٍ نادرٍ أو تزاوجَين، غالباً عندما غادر الإنسان الحديث افريقيا واندفع لمنطقة النيانيدرتال في آسيا الغربية. لكن منذ ذلك الحين، نما التاريخ العائلي للإنسان الحديث وأبناء عمومته بشكل متشابك.

أولاً، وجد الباحثون أن الميلانزيون أي المنحدرون من Melansia قد ورثوا 2% إلى 4% من حمضهم النووي من الدينيسوفان Denisovan، وقد وجدوا أن أفراد Denisovan قد تزاوجوا أيضاً مع النيانديرتال.

في العام الماضي، اكتشف باحثون امتلاك انسانٍ معاصرٍ عمره 40000 سنة من رومانيا جد جد جد جدٍ من النيانديرتال، لكن هذا الجينوم النيانديرتالي لا يوجد اليوم لدى البشر الحاليين. وقد تحدث باحثون في الشهر الماضي عن وجود DNA معاصر في عظم اصبع قدم النيانديرتال، مقترحين وجود لقاءٍ آخرٍ مُبكِّرٍ بين نوعيّ البشر، ربما قبل 100000 سنة أو ما يقارب ذلك. وفي هذا الأسبوع، تحدث نفس الفريق عن تزاوجٍ حصل بين نوع denisovan وسلفٍ عمره 440000 للنيانديرتال.

كل هذا التمازج أدى إلى وجود عدد من قطع الDNA القديم في جينوم الانسان المعاصر. ومن الجدير بالذكر أنَّ تتبُّع مصدر كل قطعة ليس سهلاً، وذلك لأسبابٍ كثيرة يرجع معظمها إلى التقارب الكبير بين النيانديرتال والدينيسوفان؛ ففي حالة الميلانزيون على سبيل المثال، "حوالي 20% من المرات التي نقول فيها أن قطعةً ما تُطابق قطعة من النيانديرتال، تكون في الحقيقة عائدة للدينيسوفان" وذلك كما يقول عالم جينات السكان Joshua Akey من جامعة واشنطن بسياتل، الذي قاد الدراسة الجديدة.

لذا طوَّر فريق Akey طريقة إحصائية لتساعد في تحديد وتصنيف الDNA القديم بطريقة أكثر موثوقية، ثم استخدموا طرقاً إحصائية جديدة لرؤية كيف يمكنهم بشكل موثوق تصنيف الDNA القديم ك neandertal او denisovan، وفيما اذا كان السكان المختلفون لديهم مصدر واحد للDNA القديم.

توقع Akey أنَّ أسلافاً مختلفين من النيانديرتال قد ساهموا بجينومات الميلانزيون، لكن لم يكن هذا ما اكتشفه الفريق: تبين أن أغلب DNA أفراد الميلانزيون القديم يعود للدينيسوفان. أما DNA النيانديرتال لديهم فيعود لأصلٍ واحد، قادمٍ من أول ارتباطٍ حصل بعد وقت قصير من مغادرة النوع البشري المعاصر لإفريقيا. وحصل لقاءٌ ثانيٌ مع النيانديرتال في جينومات الأوروبيين، الجنوب أسيويين والشرق آسيويين. وحصل غالباً في الشرق الأوسط قبل أن تنفصل هذه المجموعات السكانية. أخيراً، أسلاف الشرق آسيويين كان لديهم تزاوج ثالث مع النيانديرتال، والاحتمال أنه حصل في مكان ما من آسيا.

الصورة أدناه قد تجعل الفكرة أوضح حول هذه التزاوجات واللقائات:

التفسير الأرجح، بحسب Akey، أن الـميلانزيون قد انفصلوا عن أسلاف الأوروبيين والاسيويين قبل حصول اللقاء الثاني، ولاحقاً، انفصل الشرق آسيويون عن الأوروبيين والجنوب آسيويين وحصلوا على دفقة ثالثة من DNA النيانديرتال مع توجههم في طريق مختلف. في الوقت ذاته، التقط أفراد Melnesia جينات من الدينيسوفان في موضعٍ ما من آسيا. ويتضمن ميراث هذا التزاوج القديم 21 كتلة من الDNA القديم تحمل جينات مناعية تتعرف على الفيروسات، بالإضافة إلى جينات استقلاب متعددة مثل GCG الذي يزيد مستويات سكر الدم، و PLPP1 وهو بروتين غشاء خلوي يحطم الدسم. قد تكون هذه الجينات ساعدت النوعَ البشريَّ المعاصر في التكيف مع الأمراض، الأنظمة الغذائية، والمناخات الحديثة، وذلك مع انتقاله لمناطق النيانديرتال في أوروبا وآسيا.

يلفت بعض الباحثون النظرَ إلى أنَّ الDNA الحديث قد لا يكون دليلاً معتمداً بشكلٍ كاملٍ لحالاتِ التزاوج القديمة؛ فمجموعاتٍ مثل الميلانزيون قد يكونون ببساطة قد خسروا الجينات القديمة مع الوقت، مما يعني أن كامل تاريخ تزاوجهم مع النيانديرتال قد مُسِح. "يبدو ممكناً أن الاختلافات في أسلاف النيانديرتال بين البشر الحاليين تعود للاختلافات في فعالية الانتخاب الطبيعي أو "اقتلاع" أجزاء النيانديرتال" كما يقول عالم جينات السكان Pontus Skoglund من جامعة هارفارد.

رغم ذلك، لا يزال هو وآخرون يقدرون قوة الطريق الجديدة والمسار الذي يبني الباحثون فيه كاتالوج للDNA الموروث من البشر القدماء، والذي يستمر بإضافة التفافات جديدة لقصة أصلنا. وكما يلاحظ عالم البيولوجيا التطورية Eske Willerslev من جامعة كوبنهاغن وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: "يبدو أن (المزيج القديم) يزداد تعقيداً بشكل مستمر".

المصادر:

هنا