كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (نادي القتال): الفوضى التي مهّدت للنهاية

لو أردنا التَّوقفَ للحظةٍ والتَّفكير بالطَّريق الذي يسير به عالمنا بوضعهِ رقع تصنيف جاهزة على الجميع، وإجبارهم على الانخراط في تجمُعٍ بشريٍ ما حتى يَضمن كل شخصٍ موقعاً في المجتمعِ "المُتحضِر" لوجدنا بأنهُ ليسَ طريقاً ذو نهايةٍ سعيدة، هذا ما تجرأ (تشاك بولانيك) على الخوضِ فيه، العالمُ الذي سوف تبلغُ بهِ الفوضى المنظمة حدودها العظمى لتبدأَ بالتَّمددِ متخذةً أكثر الأشكالِ عشوائيةً وعنفاً ربما.

تبدأُ الرِّوايةُ من سطحِ بناء "باركر موريس" حيثُ يقفُ (جو) ذو الألفِ شخصية مع (تايلر دوردن) وهما ينتظران نهاية المجتمع كما نعرفه، مع مسدسٍ محشوٍ تمَّ تحويلهُ وفقَ دروسِ (تايلر) المثمرة إلى مسدسٍ يتمتعُ بقدرةِ كتم الصَّوت، فالبدايةُ من النِّهاية هي المركزُ اللامرئي الذي تدورُ حولهُ الأحداث. بدءاً من وظيفةِ (جو) الرَّتيبة التي تتعاملُ مع حوادثِ السَّير المميتةِ وفق علاقةٍ رياضيةٍ شديدةِ البساطة تقارنُ النَّفقات بالأرباح وتقررُ ما إذا كانت حياةُ ضحيةِ الحادث تستحقُ عناءَ السَّفر وسحبَ السَّياراتِ المعيوبة.

مروراً بِمجموعاتِ دعم مرضى السَّرطان التي مثلت دواءَ (جو) للنوم، لأنه وكما سنكتشفُ عبرَ صفحاتِ هذه الرِّواية قد يكونُ الأرق هو أسوأ ما يصيبك يوماً، حاول البقاءَ أسبوعين فقط بلا نوم واستمتع بعدها بعيشكَ مُنفصلاً عن جسدكَ وواقعكَ ووعيكَ. لم يكن جو انتقائياً في اختيار مجموعاتِ الدَّعمِ هذهِ التي داومَ على حضورها فتنقل بين مرضى سرطانِ الدِّماغ والدَّم والجلد وأخيراً المصابينَ بسرطانِ الخِصية حيث التقى (جو) بملاكِهِ الخاص "بوب" الضَّخم الحنون.

لكنَّ أعظم وأسوأَ ما سيترتبُ عن هذه الاجتماعات هو (مارلا سينجر "السَّائحة"). مارلا كانت القشة الأخيرة التي بدأَ بعدها الانهيارُ العظيم، (مارلا) الغريبةُ التي سَيجدها (جو) في طريقهِ في كلِّ مجموعةِ دَعمٍ اعتاد ارتيادها، (مارلا) التي ستمنعهُ من الاستسلامِ لقدرة (بوب) التَّنويمية الخارقة، وهي التي سيسبقهُ (تايلر) إِليها.

أما (تايلر) الفتى السيءُ النّموذجي ذو الشَّكل الجذاب، الثِّقة المتناهية بالنفس والشّخصيةُ المغناطيسية التي تقودك إلى الجحيم وأنت تبتسم، والأهمُ من ذلك (تايلر) المتمردُ الأعظم ذلكَ الكائنُ الذي فشلت الحضارةُ في ترويضه ليكون خلاصة النَّفس البشرية بغرائزها الحيوانيةِ متجليةً في أنقى أشكالها.

ثالوثُ الشَّخصياتِ هذا هو كل نوعٍ منَ الأشخاصِ قد تُصادفه في العالم الخارجي، فهناكَ الرَّجلُ الملتزمُ بوظيفته والذي يبدو وكأنَّه شبه أوتوماتيكيٍ أحياناً، ينفذ كلَّ شيءٍ وفق البرنامجِ الزَّمني نفسه الذي فرضه المجتمع على آلاف الرِّجال غيره. والمتمردُ الذي حظيَ بفرصةِ إلقاءِ نظرةٍ على الحياة من الخارج فشاهد الخدعةَ الكبرى التي تسيّرُنا منذ قرون: "نحنُ عبيدٌ حقاً لأشياءٍ لا نحتاجها، أشياءٌ نقضي حياتنا في البحثِ عنها من دون التَّوقف للحظةٍ والتَّفكير بسببٍ مقنعٍ لهذهِ الحاجاتِ النَّمطية، المنزلُ المثالي والزَّوجةُ اللطيفةُ والأطفالُ الرَّائعون وقطعُ الأثاثِ المتينة التي تمتدُ لسنواتٍ وسنوات والتُّحفُ الفريدةُ من نوعها التي تبرزُ الجانبَ الثَّقافي المُفترضَ وجودُه لَدينا".

بينما تشكلُ الأُنثى في صورة (مارلا) الزَّاويةَ التي يبدو دائماً وكأنَّ كل شيءٍ يتجهُ إِليها. الحب ،الغيرة ،الكره والرَّغبة في اختفاءِ هذا الكائنِ الذي يستطيعُ بمجردِ وجودهِ إمساكَ عالمِكَ وقلبهِ رأساً على عَقِب لمليونِ مرةٍ ومن ثمَّ إعادته إليك وهو ينظرُ في عَينيكَ بعيونهِ الواسعةِ التي قد التهمَت الكون يوم بدأت البشرية.

ما الذي سيحدثُ عندما تضعُ تركيبةً مكونةً من (جو، تايلر، مارلا والأرقُ الأبدي)؟

لن تكونَ النَّتيجةُ سوى "نادي القِتال" وقواعده البسيطة. لا يمكنك التَّحدثُ أبداً عن نادي القتال -وهي قاعدةٌ سيخرقها الآلاف كما سنرى لاحقاً في تحولِ نادي القِتال إلى ظاهرةٍ محليةٍ- ثمَّ لا يمكنكَ التَّحدثُ عن نادي القتال، ثالثاً يكونُ القتال بلا قمصان أو أحذية وسوف يستمر القتال مادام مستمراً فلا تتوقع أيَّ شكلٍ من أشكالِ الرَّأفةِ بك، ولك وحدك أن تقررَ حدودَ احتمالِك وتقفَ عندها، وأخيراً طبعاً لا يمكنكَ الاكتفاءُ بالمشاهدة فالقتالُ إلزاميٌ على أي عُضوٍ جديد.

أينَ تتوقفُ حدود هذا السُّلوكِ المتمرد؟ بل بالأحرى هل من الممكنِ أن يتوقفَ هؤلاء الأشخاص بعدَ أن رُفعت السِّتارةُ قليلاً وسمحَ لهم بإلقاءِ نظرةٍ على نفوسهم الحقيقية؟

رِوايةٌ تزخرُ بكلِّ أَنواعِ العُنف الذي يمكنك تَصوره. قِتالٌ يترفعُ عن أيِّ قاعدةٍ أو قانونٍ، استخدامٌ للعُنفِ النَّفسي لفرضِ السُّلطةِ المطلقة على كل معارضٍ لنادي القتال، مروراً بالتَّخريبِ المنظمِ الذي أشرفَ عليه (تايلر) شخصياً.

ولكنَّ نظرةً متعمقةً على هذه الرِّواية قد تُظهر لك أكثرَ مِن كَونها مُجردَ تصويرٍ خياليٍ لما يمكنُ أن يحدث لو تركتَ لنفسك العِنان، فهي في الحقيقة نداءُ إيقاظٍ ضروريٍ لِنحاول النَّظر بطريقةٍ أُخرى إِلى ما نعتقدهُ أساسياً لِبقائِنا، هل نحنُ بحاجةٍ حقاً إلى الثَّراء المادي؟ هل تُشكلُ الوظيفةُ المُستقرةُ والرَّاتب الشَّهري شرطاً لاستمرارِ النَّبض في أَجسادِنا؟

والسُّؤال الأهم: هَل نُدرك بأنَّ حياتنا هذه تنتهي في كل لحظةٍ تَمر؟

مِن الغريبِ حقاً أنَّ روايةً كهذهِ لم تحظَ باهتمامٍ يذكر عِند نشرها لأول مرة، بل حتى أنَّ الفيلمَ المُقتبسَ عنها اعتُبرَ فاشلاً عند عرضه في دورِ السِّينما، لكنَّه وبعد انتشاره بشكلِ أقراصٍ رقميةٍ تحولَ إلى أيقونةٍ سينمائيةٍ حقيقية، وحثَّ الجمهور على البحثِ عن مصدرِ هذا الجُنون كُله لِتصبحَ رواية "نادي القتال" من أهم رواياتِ نهايةِ القرنِ العشرين، وتستمرُ بكونها رَمزاً للتَّمردِ الذي يَبتلعُ كُل شيء وأيَّ أحدٍ في طريقهِ إلى العَبقريةِ المُطلقة.

معلومات الكتاب:

الكتاب: نادي القِتال.

المؤلف: تشاك بولانيك.

ترجمة: د. أحمد خالد توفيق.

دار النشر: دار ميريت.

عدد الصفحات: 224 قطع متوسط.

الرقم الدولي: 9773512169