الفيزياء والفلك > علم الفلك

الكوازار OJ287 يُهنّئ اينشتاين بالذكرى المئويّة لنظريّة النسبيّة العامّة.

استمع على ساوندكلاود 🎧

قامت حملة رصديةٌ برصد نبضة ضوئيّة من كوازارٍ يدعى بـ OJ287 (الكوازارات هي باختصار أجسام فلكيّة شبيهة بالنجوم تشكّل المراكز الساطعة للمجرّات البعيدة)، أتاحت هذه النبضة المجال لفريقٍ من الفلكيين بقياس معدّل دوران أحد الثقوب السوداء هائلة الكتلة بدقةٍ عاليةٍ، تضمّنت الحملة أكثر من عشرين تلسكوباً (مقراباً) بصرياً وتلسكوب ناسا الفضائي SWIFT العامل بالأشعّة السينيّة. معدّل دوران هذا الثقب يعادل تقريباً ثلث الحدّ الأقصى لمعدّل الدوران الذي تسمح به نظريّة النسبيّة العامّة. كتلة الثقب تعادل ما يقارب ثمانية عشر مليون ضعف كتلة شمسنا وهو الذي يمدّ الكوازار OJ287 بالطاقة، يبعُد هذا الكوازار 3.5 مليار سنة ضوئيّة. يعود سطوع الكوازارات لإصدارها كمياتٍ ضخمةٍ من الأمواج الكهرومغناطيسية، وذلك بسبب انجذاب المواد ووقوعها في الثقوب السوداء عند مراكز الكوازارات.

يمكنك قراءة المزيد عن الكوازارات في مقالنا عبر الرابط التالي: هنا.

للشمس مسار ظاهريّ على القبّة السماويّة للأرض، تبدو وكأنّها تتحرك عليه بالنسبة لمراقبٍ من على الأرض وذلك بسبب دوران الأرض حول الشمس. هذا المسار الظاهري هو البقعة المفضلّة للبحث عن المذنبات والكواكب منذ قديم الزمان، وهذا الكوازار يقع قريباً من هذه البقعة. وبالتالي فإنّ القياسات الضوئيّة البصريّة لهذا الكوازار بدأت منذ أكثر من قرنٍ من الزمان. أظهر تحليلٌ دقيقٌ لهذهِ القياسات أن الكوازار OJ287 قد أصدر نبضاتٍ ضوئيةً بشكل شبه دوريٍّ وبمعدلٍ تقريبيٍّ هو اثنتي عشرة سنةٍ كحدٍّ أقصى، ويعود تاريخ أوّل رصدٍ لهذه النبضات إلى عام 1891.

أظهر تحليل دقيق لمجموعةٍ جديدةٍ من البيانات وجود قممٍ مزودجةٍ في هذه النبضات، مما دفع البروفيسور ماوري فالتونين Mauri Valtonen ومعاونيه من جامعة Turku في فنلندا، إلى تطوير نموذجٍ يفترض أنّ الكوازار OJ287 يأوي ثقبين أسودين غير متساويين في الكتلة. يتضمّن النموذج الذي قاموا بتطويره ثقباً أسوداً هائل الكتلة ذي قرصٍ تراكميٍّ ( وهو قرص من بقايا النجوم الساقطة في الثقب الأسود) كما يتضمّن ثقباً أسوداً آخر صغيراً في الكتلة، مقارنةً مع الأولّ ويدور حوله.

ما يجعل الكوازار OJ287 مرئياً هو التراكم البطيء للمادة ممثلاً في القرص التراكميّ للثقب الأسود الأكبر. أمّا تفسير وجود قممٍ للنبضات الضوئيّة الصادرة عنه فهو الثقب الأسود الصغير، إذ أنّ مداره حول الثقب الأسود الكبير يعبر القرص التراكميّ مسبباً بذلك ارتفاعاً كبيراً في درجة حرارة المواد داخل القرص، تلك المواد العالية الحرارة تندفع خارجةً من طرفيّ القرص التراكميّ وتشعّ بشكلٍ كبيرٍ لمدّة أسابيع. هذا يفسر وجود قمم لهذه النبضات، أما ازدواجيّة القمم فسببها شكل المسار البيضاوي (على شكل قطعٍ ناقص).

بحسب نظرية النسبيّة العامّة لاينشتاين، يقتضي النموذج المفترض للكوازار OJ287 (والذي يتضمّن ثقبين أسودين) أن يدور مدار الثقب الأسود الصغير، وهذا يغيّر مكان وزمان اصطدام الثقب الأسود الصغير بالقرص التراكميّ. مُعدل دوران المدار يعتمد بشكل رئيسي على كتلة الثقبين الأسودين، وعلى سرعة دوران الثقب ذي الكتلة الأكبر. قام فالتونين ومعاونيه في عام 2010 باستعمال ثماني نبضاتٍ ضوئيّةٍ مؤقتةٍ بدقةٍ لحساب معدل دوران مدار الثقب الأسود الصغير بشكلٍ دقيقٍ. كانت النتيجة لا تصدَّق، إذ اتضحّ أنّ المدار يدور بمعدل تسعٍ وثلاثين درجة كلمّا أتمّ الثقب الأسود الصغير دورةً كاملةً على مداره. مكّننا هذا من تقدير كتلة كلٍّ من الثقبين الأسودين بدقةٍ، وكشف لنا عن معدّل دوران الثقب الكبير لأوّل مرةٍ. تنبّأ هذا النموذج النسبوي العام للكوازار OJ287 بموعد حصول النبضة التالية، وهو الخامس والعشرون من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) في العام 2015، والذي يصادف الذكرى السنويّة المئة لنظرية آينشتاين في النسبيّة العامّة.

ولهذا أطلقت حملة رصديّة لالتقاط هذه النبضة المزعومة. رُصِدَت النبضة في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015، ووصلت النبضة إلى قمّتها (ذروة سطوعها) في الرابع من كانون الأول/ديسمبر 2015. إنّ توقيت وصول النبضة إلى قمّتها هو ما سمح لفالتونين وزملائه بقياس معدّل دوران (ويدعى أيضاً معامل كير Kerr parameter) الثقب الأسود ذي الكتلة الأكبر بشكلٍ مباشرٍ، وتبيّن بعد القياس أنّه يدور بمعدّل ثلث الدوران الأعظميّ المسموح به وفق النسبيّة العامّة. لنتوخّى الدقّة ونتكلّم بلغة الأرقام، كان معدّل الدوران 0.31 بينما الحدّ الأقصى وفق النسبيّة العامّة هو 1. أمّا معامل كير للثقب الأسود الذي استُعمِل لرصد الأمواج الثقاليّة للمرّة الأولى، فلم يستطع العلماء سوى أن يقدّروه بأقلّ من 0.7.

يعود نجاح الحملة الرصديّة إلى تعاون عددٍ من التلسكوبات (المقاريب) البصريّة الموزّعة في شتّى أنحاء الكرة الأرضيّة كاليابان، كوريا الجنوبية، الهند، تركيا، اليونان، فنلندا، بولندا، ألمانيا، المملكة المتحدة، إسبانيا، الوﻻيات المتحدة الأمريكية والمكسيك. كما يعود إلى تعاون مئة فلكيٍّ من هذه الدول بقيادة العالم البولنديّ ستاشيك زوﻻ Staszek Zola، عددٌ من هؤلاء الفلكيون ساهم بشكلٍ أساسيٍّ على الرغم من كونهم هواةً يستعملون تلسكوباتهم الخاصّة.ضمّ فريق العالم فالتونين (الذي ساهم في تطوير نموذج الثقبين الأسودين الدوّارين) عالم الفيزياء الفلكيّة النظريّة Gopakumar A. من معهد TIFR في الهند، وفلكيّ الأشعّة السينيّة الإيطاليّ Stefano Ciprini الذي ساهم بتسجيل وتحليل معلومات الأشعّة السينيّة.

أكّد رصد النبضة المتوقّعة في موعدها وجود خسارةٍ في الطاقة المداريّة (مجموع الطاقيتن الحركيّة و الكامنة) لجملة الثقبين الأسودين، وتحوّل هذه الطاقة إلى أمواجٍ ثقاليّةٍ ضمن مدى 2% ممّا تنبأت به النسبيّة العامّة. هذا يوفّر وللمرة الأولى دليلاً وإن كان غير مباشرٍ على وجود ثنائيّات ثقوبٍ سوداء هائلةٍ تبعث أمواجاً ثقاليةً. هذا يشجّع جهود فريق الأجسام الفلكيّة النابضة الذي يأمل أن يرصد الأمواج الثقاليّة بشكلٍ مباشرٍ من جملٍ كهذه (جملة الثقبين الأسودين) في المستقبل القريب. وهكذا، فإن موعد بطاقة معايدة OJ287 هذه لا يتماشى فقط مع الذكرى المئوية للنسبيّة العامّة، بل ومع خبر رصد الأمواج الثقاليّة ﻷولّ مرّةٍ ممّا يزيد هذا الخبر إثارةً.

المصدر:

هنا