الفيزياء والفلك > علم الفلك

تلسكوبُ ناسا القادم WFIRST : دقّةُ قياس عالية ومجال رؤية أوسع.

استمع على ساوندكلاود 🎧

تبدأ ناسا مهمّةً جديدةً في سبيل الكشفِ عن أسرارِ الكون، وذلك بعد أعوامٍ من الدّراسات التّحضيريّة. مشروعها الجديدُ هو المقراب (التلسكوب) الفضائي "Wide Field Infrared Survey Telescope : WFIRST" تلسكوب مسح المجال تحت الأحمر الواسع.

يمتلكُ هذا التّلسكوبُ مجالَ رؤيةٍ أوسعَ بـ100 مرةٍ من مجالِ تلسكوبِ هابل، وستساعد هذه الميزةُ الفلكيّونَ والفيزيائيّونَ على حل ألغازِ المادّةِ المظلمةِ والطّاقةِ المظلمةِ واكتشافِ مراحلِ تطوّرِ الكون، كما ستساعدُ على اكتشافِ العوالم الكوكبيّةِ خارجَ المجموعةِ الشّمسيّةِ وتحديد إمكانيّةِ العثورِ على عوالمَ قابلةٍ للحياة.

أعطى المركزُ الاستشاريّ لإدارةِ وكالةِ ناسا الموافقة الرّسميّة على المضيّ قدُماً بهذا البرنامج. المركزُ الاستشاريّ هو المسؤولُ عن تقييمِ برامج ناسا وأهميّتها ومعاييرِ المُخاطرة فيها، وهو من يقرّر أيّ البرامجِ يستحقّ المتابعة أو الإلغاء.

سيقودُ هذه المهمةُ مركزُ غودارد للطّيرانِ الفضائيّ (Goddard Space Flight Center) التابعِ لوكالة ناسا. يقعُ هذا المركزُ في مدينةِ غرينبلت في ولاية ميريلاند في الولايات المتحدة. سيقومُ مركز غودارد بدمج جهودِ عدّة مراكز علميّةٍ لتنفيذِ هذه المهمة وهي:

- مخبر الدّفع التّابع لناسا، والذي يقع في باسادينيا في ولاية كاليفورنيا: ستقومُ هذه المؤسّسة بتصميمِ تلسكوبٍ قطرُه 2.4 متر وتركيبِ جهاز الكوروناغراف coronagraph الخاصّ بتصويرِ الكواكب التي تدورُ حولَ النّجومِ الأخرى وتحديدِ خصائصها.

- مركزُ IPAC المختص بمعالجة بيانات الأشعّةِ تحت الحمراءِ وتحليلها.

- معهدُ علومِ التلسكوباتِ الفضائيّةِ في بالتيمور.

يقول جون غرانسفيلد وهو رائدُ فضاءٍ والمديرٌ المساعدٌ لإدارةِ المهمّات العلميّة في واشنطن:" قد يفتحُ تلسكوبُ WFIRST عيونُنا على عجائبَ جديدةٍ في الكونِ كما فعلَ تلسكوبُ هابل من قبل. تتميّزُ هذه المهمّةُ بأنّها تملكُ المعدّات والأجهزةِ اللازمةِ لدراسةِ الكواكبِ خارجِ نظامِنا الشّمسيّ واكتشافِها من جهة، والنظرُ بعيداً في أعماقِ الكونِ لكشفِ أسرارِ المادّةِ المظلمةِ والطّاقةِ المظلمةِ من جهةٍ أخرى."

سيكون تلسكوب WFIRST ثاني المراصدِ الفلكيّةِ الرّئيسةِ للوكالةِ بعد إطلاقِ تلسكوبِ جيمس ويب عام 2018. من المخطّط أن يقومَ هذا التلسكوبُ بمسحِ مناطقَ واسعةٍ من السّماءِ بالأشعّةِ تحتَ الحمراءِ القريبةِ، وذلك في سبيلِ الإجابةِ على بعضِ الأسئلةِ الجوهريّة حولَ بُنيةِ الكونِ وتطوّره، كما سيقومُ بتوسيعِ معلوماتنا عن الكواكبِ خارجِ مجموعتنا الشّمسيّة.

يقومُ هذا الجهازُ بحجبِ الأشعّةِ الصّادرةِ عن النّجمِ في المنطقة المحيطة به، والتقاطِ الأشعّةِ المنعكسةِ عنِ الكوكبِ الذي يدورُ حولهُ، وبهذه الطّريقة يُمكنُ للكوروناغراف أن يدرسَ التّركيبَ الكيميائيّ للغلافِ الجويّ للكوكبِ الذي يدرسُه. عندما تُقارنُ هذه البياناتُ بين العديدِ من الكواكبِ سيتمكّنُ العلماءُ من فهمِ الخصائصِ الفيزيائيّةِ لهذهِ الكواكِبِ وتحديدِ مدى قابليّتها لدعمِ الحياةِ.

انظر الصّورة المرفقة للشّمس والملتقطةُ بالكوروناغراف المُركّب على التلسكوبِ SOHO الفضائي، حيث يُحجَبُ قرصُ الشّمسِ لمراقبةِ الأجرامِ السّماويّةِ خلفَها. المبدأ ذاتُه سيُطبّقُ على النّجومِ الأخرى في مجرّتنا.

يقول بول هرتز مديرُ قسمِ الفيزياءِ الفلكيّة التّابعِ لناسا في واشنطن: " WFIRST مُصَمًّمٌ لحلّ قضايا علميّةٍ ذاتِ أهميّةٍ قُصوى في علم الفيزياءِ الفلكيّة. أداةُ المسحِ الواسعِ التي ستُركّبُ فيه ستتمكّنُ من أخذِ صورةٍ واحدةٍ بنفسِ دقّةِ صورةِ تلسكوبِ هابل وعمقها، إلا أنّها ستُغطّي مساحةً من السّماءِ أكبرُ 100 مرةٍ من المساحةِ التي يغطّيها تلسكوبُ هابل. كما أنّ جهازَ الكوروناغراف سيُعطي معلوماتٍ ثوريّةٍ من خلالِ رصدِ الضّوءِ الخافتِ القادمِ من العوالمِ الغازيّةِ والكواكبِ العملاقةِ الشبيهةِ بالأرضِ"

سيجمعُ هذا التلسكوبُ بين الحساسيّةِ العاليةِ والمَساحةِ الواسعةِ في الرّصد، وسنتمكّن عبرهُ من دراسةِ بريقِ ملايينِ النّجومِ المُزدَحمةِ في مركزِ مجرّتنا وآلافَ الكواكبِ المشابهةِ للأرضِ من حيث حجمِها وبُعدِها عن نجومِها. سيُكملُ هذا ما بدأتهُ ناسا في مُهمّة كِبلر ولاحقاً إطلاقُ القمرِ الصّناعيّ TESS.

سيقومُ WFIRST بواسطةِ دمجِ عدّة تقنيّاتٍ بتعقّبِ تأثيرِ الطّاقةِ المُظلمةِ والمادّة المظلمةِ على تطوّر الكونِ خلال ملياراتِ السّنين. الطّاقةُ المُظلمةُ هي طاقةٌ غامضةٌ تسبّبُ تسارعَ تمدّدِ الكونِ وابتعادِ المجرّاتِ عن بعضِها، في حينِ أنّ المادّةَ المظلمةَ هي مادّةٌ غيرُ مرئيّةٍ تشكّلُ القِسمَ الأكبرَ من المادّةِ الموجودةِ في الكون. يُمكنُ للعلماءِ أن يضعوا خريطةً دقيقةً للتّوسّعِ الكونيّ وكيفيةِ ازديادهِ مع الوقت من خلالِ المسافاتِ الفاصِلةِ بين آلافِ انفجاراتِ السوبرنوفا. كما يستطيعُ تلسكوبُ WFIRST القيامُ بقياساتٍ دقيقةٍ جداً لأشكالِ ملايينِ المجرّاتِ ومواقِعِها والمسافاتِ بينها من أجل تعقّبِ البُنى الكونيّةِ الضّخمةِ وتوسُّعِها، بما في ذلك عناقيدَ المجرّاتِ والمادّةِ المُظلمةِ المُرفَقةِ معها.

اختارت ناسا 12 فريقاً علميّاً متخصّصاً من أجلِ العملِ على تطويرِ المُهمّةِ وتحسينِ مردودِها العلميّ. سيركّزُ أحدُ هذه الفِرقِ على تحديدِ أفضلِ الطّرقِ لقياسِ الطّاقةِ المُظلمةِ واختبارها ومعرفةِ طبيعتِها.

من المقرّرِ إطلاقُ هذا التلسكوبِ في مُنتصفِ العقدِ القادم، حيث سيبدأ عملهُ بعد إيصالهِ إلى نقطةِ توازنِ الجاذبيةِ L2 بين الأرضِ والشّمس، والتي تبعدُ مليونَ ميلٍ عن الأرض.

المصادر:

هنا

هنا