العمارة والتشييد > عمارة افتراضية ورقمية

تصميم لعبة Super Mario

استمع على ساوندكلاود 🎧

صادف أيلول الماضي الذكرى الثلاثين لإطلاق أول نسخة من اللعبة الملحميَّة Super Mario. ذكرى السَّمكري الذي أمتع بمغامراته الملايين حول العالم، ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه.

كي يحالف النَّجاح أيَّ لعبةٍ كانت، لا بدَّ من مستوى عالي من التصميم للمراحل ولمنصِّة اللعبة بشكل عام، فالمغزى من أيِّ لعبةٍ كانت هو الانتقال من المرحلة الأولى الى المرحلة النهائية، وبما أنَّ الكثير من الألعاب لا تقتصر على اختبار قدراتك القتالية -كألعاب القتال والحركة- أو اختبار قدراتك على التخطيط الاستراتيجي -كألعاب الـ RPG- فالطريقة الوحيدة لجعل اللّعبة مشوِّقة هي اختبار رشاقتك عبر مجموعة من التضاريس الخطرة. وعلى هذا الأساس صُمِّمت لعبة Super Mario.

خلال الاحتفال الذي عقد مؤخراً بذكرى إطلاق أول نسخة من اللعبة في معرض الترفيه الالكتروني E3 2015 قام مصمِّما اللِّعبة Shigeru Miyamoto وTakashi Tezukaبشرح كيفيَّة تصميم جميع مراحل اللِّعبة الكلاسيكية التي أُطلقت عام 1985م على الورق!

هذا صحيح استخدما أوراق الرَّسم البياني وأوراق الزبدة (ورق الشَّف)، حيث قاما برسم جميع المراحل بتفاصيلها، لينتقلوا للعمل بعدها على إضافة وتعديل أماكن الأعداء والأفخاخ بالإضافة لتصميم الملصق الفنِّي.

يشرح الفنَّان Tezuka الذي يعمل أيضاً ككاتب سيناريو للعبة The Legend of Zelda 1986: في تلك الأيَّام كان علينا رسم كل شيء بيدنا. حيث كنَّا نرسم جميع تفاصيل المرحلة على الورق البياني، ثم نسلِّم هذه الرسومات للمبرمجين ليقوموا بترميزها بحيث تعطينا الأشكال المطلوبة.

لكن هل تساءلت عمَّا سيحدث لو اضطَّروا لإجراء أيّ تعديل على المراحل؟

يجيب Miyamoto: حسناً لو حاولنا تعديل الرسومات الأصليَّة كانت ستصبح الأمور فوضويَّة جداً ، لذلك قمنا باستخدام أوراق الزبدة (الشَّف) فوق التصاميم لنقوم بعدها بالتعديلات اللازمة.

يناقش Miyamoto صعوبة اللِّعبة والتصاميم: في معظم الأوقات أبدأ بتصميم المرحلة التي أريد لعبها، وهي على سياق 2-1 أي (العالمالثاني- المرحلة الأولى) أو 2-2 أي (العالم الثاني- المرحلة الثانية)، وبعد الانتهاء من التَّصميم، نحاول جعلها أسهل بقليل لذلك ننتقل لتصميم 1-1 (العالم الأول- المرحلة الأولى).

تعدُّ لعبة الفيديو هذه اللعبة السَّبب الرئيسي خلف شهرة أجهزة ألعاب Nintendo Entertainment في السوق الغربي والعالم، كما كان لها دوراً كبيراً في مساعدة قطاع صناعة الألعاب على التعافي من انهيار عام 1983*. لعبة Super Mario تحتل أماكن الصدارة في قوائم أفضل ألعاب الفيديو على مر التاريخ، وهي اللعبة الأكثر مبيعا في العالم على مدى 20 عاماً.

لقد تلقت اللِّعبة الكثير من المراجعات النقديَّة الإيجابيَّة حتى كدنا ننسى ما هو السبب الرئيسي في كل هذا النجاح المبهر!

إنَّ القدرة على تصميم كل مرحلة من مراحل اللعبة بالرَّسم على الورق بأقلام الرَّصاص وبهذا الكم من التفاصيل هو السَّبب الرئيسي في النجاح الباهر للِّعبة. يشرح Miyamoto في إحدى مقابلاته التلفزيونيَّة عن سبب الشهرة باعتقاده: إنَّ الحركة في اللعبة تحاكي الفطرة الإنسانيَّة للاعبين في كل مكان. فالجميع يخاف من السُّقوط من الأماكن المرتفعة، كما أنَّ الجميع سيحاول الركض والقفز اذا ما اعترضته حفرة، هذه التفاصيل يتفرَّد ويشترك بها البشر في كل مكان.

أحد أسباب نجاح اللعبة أيضاً هو عنصر التحكم، حيث تحتوي على عدد محدَّد من الإضافات التي تعطي الزَّخم للاعب، بالإضافة لمحدودية القدرة على التحكم بمسارك اثناء القفز في الهواء، أو التحكم بمقدار ارتفاع القفزة. إنَّ الجمع بين هذه المميزات وتحقيق التوازن بينها هو ما جعلها تتمتع بالدِّقة لتحاكي الحدس الفطري للَّاعب، لتصبح أهم لعبة في تلك الحقبة. فضوابط التحكم فيها هو ما جعلها تعتبر من أفضل الألعاب في هذه الصناعة.

العنصر الآخر الذي ساهم في نجاح اللِّعبة بينما فشل الآخرون هو مستوى التَّصميم، الذي جاء على نفس مستوى ضوابط التحكم. فالرِّبح في هذه اللِّعبة صعب لكنَّ الفشل بإتمام المرحلة لا يُشعرك بالظلم. فإذا لم تستطع إتمام المرحلة فأنت تعرف أن السَّبب ليس عطلاً في تصميم اللعبة، لكنَّه ببساطة لأنك فشلت! وهذا ما يدفعك لتحاول مرة تلو الأخرى حتى تتمكن من النجاح.

ما يزيد من متعة اللعبة هو هويِّة المرحلة، بمعنى آخر هو قدرة المصمِّمين على تمييز كل مرحلة عن الأخرى بإعطائها هويَّة خاصة بها من خلال صبغها بمنظر مختلف أو تركيز كل مرحلة على عدو أو وحش معيَّن أو حتى آلة مختلفة. هذا ما يعني بالنهاية إعطاء كل مرحلة من المراحل أدوات وطرق مختلفة لاجتيازها، وهذه الحيل إن صح التعبير لا تقلل من قيمة اللعبة بل تزيد من متعتها وتثير اهتمام اللاعبين لها.

لا شكَّ أنَّ لعبة Super Mario واحدة من أفضل الألعاب على مرِّ العصور، لعبة تحجز مكاناً جميلاً في ذاكرتنا نعود اليه كل حين لنوقظ الطفل النائم في داخلنا ونستذكر بساطة الماضي ونقاوة الفرحة.

*انهيار صناعة الألعاب عام 1983 أو ما يعرف بالكساد، الذي استمر عامين حتى 1985 مما أدَّى لإفلاس الكثير من الشركات المنتجة لألعاب الفيديو بما فيها الشركة الأشهر في ذلك الوقت أتاري.

يمكنكم متابعة المقابلة مع المصممين عبر الرابط: هنا


المصادر:

هنا

هنا