الرياضيات > الرياضيات

النّظريّة الموسيقيّة الهندسيّة هل سنتمكن حقاً من

استمع على ساوندكلاود 🎧

يَسودُ عند غالبيةِ النَّاسِ الاعتقادُ بأنَّ علمَ الرِّيَّاضيات والموسيقى مختلفان ومتباعدان جداً ، إلا أنَّ ثَمَّةَ ترابطٌ وثيقٌ بينهما وقد أذهلَ ذلك الباحثين لفتراتٍ طويلةٍ، فكرَّسوا العديدَ من الأبحاثِ لمحاولةِ اكتشافِ تلكَ العلاقةِ الرَّائعةِ التي تجمعُ الرِّيَّاضيات والموسيقى معاً.

وقد نجحَ الباحثون Clifton Callender من جامعة فلوريدا و Ian Quinn من جامعة ييل، و Dmitri Tymoczko من جامعة برينستون - وهم جميعهم حاصلون على شهادة الدّكتوراه في الموسيقى – في إيجادِ طريقةٍ جديدةٍ لتحليلِ الأنغامِ وتسمى "النَّظريَّةُ الموسيقيَّةُ الهندسيَّةُ" والتي تعتمدُ على الرِّيَّاضيات المرتبطةِ بالبنيةِ الموسيقيَّةِ. وسلَّطوا الضَّوءَ على نظريتِهم في المقالِ الذي نشروه في العددِ الثَّامن عشر من مجلة Science، حيث تقولُ هذه النَّظريَّةُ بأنَّه يمكن تمثيلُ العملياتِ الموسيقيَّةِ كالتَّبديلاتِ على شكلِ متناظِراتٍ في فضاءٍ ذي n بعد.

تُصنِّفُ النَّظريَّةُ كُلَّاً مِنَ الكورداتِ (مجموعةٌ من المفاتيحِ بترتيبٍ معينٍ سويَّةً) والإيقاعاتِ والسَّلالِمِ الموسيقيَّةِ إلى مجموعاتٍ ريَّاضيَّةٍ مختلفةٍ أُطلِقَ عليها اسمُ "عائلة"، حيثُ يمكنُ تمثيلُ هذه العائلاتِ كنقاطٍ في الفضاءِ العُقديِّ، وكلُّ صنْفٍ مختلفٍ ينتُجُ عنْهُ فضاءٌ هندسيٌّ مختلفٌ، ويدَّعي أصحابُ هذه النَّظريَّةِ بأنَّها ستمكِّن الباحثينَ من تحليلِ الموسيقى بشكلٍ أعمقَ وفهمِ كيفيَّةِ تغّيُّرِ الموسيقى على مرِّ الزَّمن. كما أنَّها ستُتيحُ المجالَ للمقارنةِ بينَ العديدِ منْ أنواعِ الموسيقى الغربيَّة، أمَّا الأنواعُ غير الغربيَّةِ فيُمكن مقارنةُ بعضها فقط. وذلك لأنَّ النَّظريَّةَ تعتمدُ في الأساسِ على مفهومِ الكورْد الذي يتواجدُ في جميعِ أصنافِ الموسيقى الغربيَّةِ تقريباً، ولا يتواجد بكَثْرةٍ في الأنماطِ غيرِ الغربية.

إنَّ مبدأ هذه النَّظريَّة هو أنَّها تقدمُ إطاراً رياضيَّاً مُوَّحداً لجميعِ الأحداثِ الموسيقيَّةِ التي يتمُ وصفَها بشكلٍ مختلفٍ في مقطوعةٍ ما ولكنَّها تملكُ نفسَ الأساسِ. فعندما تأتي العلامةُ الموسيقيَّةُ "سي" ثمَّ "لا" وفوقَها "دو" يمكنُ وصفَ ذلك بأنَّه "كورد الـ دو ماجور"، أو " أربيج دو ماجور صاعد" (أربيج تعني مفاتيحَ تُضغَطُ بشكلٍ متفرِّق و بترتيبٍ تصاعديٍّ أو تنازليٍّ)، أو "كورد ماجور" وغيرها العديد.

وصفَ الباحثون خمسةَ طرقٍ لإيجادِ التَّصنيفِ المناسبِ لمجموعةِ نوتاتٍ كتلكَ التي ذكرناها وقد أطلقوا عليها "OPTIC symmetries" حيث يمثلُ كلَّ حرفٍ في كلمةِ OPTIC طريقةً من الطُّرقِ الخمسة، فإحدى الطرق مثلاً تأخذُ بعينِ الاعتبارِ كلَّ علامةٍ موسيقيَّةٍ إلى أيِّ أوكتافٍ تنتمي، أو التَّرتيبِ الذي جاءت به، أو كم مرةً تمَّ عزفُ علامةٍ موسيقيَّةٍ معيَّنةٍ، ففي كلِّ طريقةٍ يتمُّ التَّركيزُ على إحدى الخصائصِ الموسيقيَّةِ وتجاهلِ أخرى.

وتمثِّلُ الصورةَ التَّاليةَ كورد لأربعِ علاماتٍ موسيقيَّةٍ كما تمَّ تمثيلها حسب النَّظريَّةِ الموسيقيَّةِ الهندسيَّةِ، حيث تشكلُ مجموعةُ العلاماتِ الموسيقيَّةِ شكلاً رباعيَّ السُّطوحِ، أمَّا الألوانُ فتعبِّرُ عن البعدِ بينَ العلاماتِ الموسيقيَّةِ، فمثلاً: العُقَدُ ذاتُ اللَّونِ الأزرقِ تتقاربُ من بعضِها بينما في الألوانِ الدَّافئةِ نجد أنَّها تتباعدُ. أمَّا العقدةُ الحمراءُ في رأسِ الهرمِ فتمثلُ الكورد ذا البعدِ السَّابعِ، وبالقربِ منها أغلبُ الكورداتِ المعروفةِ في الموسيقى الغربيَّةِ.

ويعتقدُ أصحابُ النَّظريَّةِ بأنَّها سوفَ تُستخدَمُ للتَّحرِّي عن الاختلافاتِ بَينَ الأنماطِ الموسيقيَّةِ ويقولونَ عن ذلك: "لا يُمكنُ لهذِه النَّظريَّةِ أنْ تُميِّزَ بينَ المقطوعاتِ الموسيقيَّةِ الخاصةِ بفرقةٍ موسيقيَّةٍ ما دوناً عن أخرى، ولكنَّ ما تَفعلهُ هو أن تساعدَنا على تصوُّرِ الاختلافاتِ بينَ المقطوعاتِ بشكلٍ مرئيٍّ، كما أنَّها تسمحُ لنا بأنْ نفهمَ بشكلٍ أعمقَ علاقةَ الموسيقى الكلاسيكيَّةِ بالرُّوك، أو لماذا تختلفُ عن الموسيقى اللامقاميَّةِ".

كما يأملونَ أنْ يتُمَّ تطويرُ آلاتٍ موسيقيَّةٍ جديدةٍ بمساعدةِ نظريَّتِهم، كما يمكنُ القيامَ بعروضٍ مرئيَّةٍ للموسيقى، أيْ تخيَّل أنْ تذهبَ إلى حفلةِ موسيقى كلاسيكيَّة حيثُ يُمكنُكَ أنْ ترى ترجَمَةَ المقطوعاتِ الموسيقيَّةِ إلى أمرٍ مرئيٍّ !! فلرُبَّما لَنْ يقتصرَ إدراكُ الموسيقى على حاسةِ السَّمعِ بعدَ الآن.

المصدر

هنا