التعليم واللغات > اللغويات

اللغةُ عندَ الأطفالِ (2): مراحلُ تطوُّرِها

استمع على ساوندكلاود 🎧

جميعُنا يعلمُ بأنَّ الأطفالَ ذوي الستةِ أشهر لا يستطيعونَ الكلامَ، بينما يستطيعُ ذوو الأربعةِ ذلك. لا نبالغُ عندما نقولُ بأنَّ أطفالَنا مدهشون حقاً حين يقومون بأعظمِ إنجازٍ يرافقُهم لبقيةِ حياتِهم ألا وهو اكتسابُ لغتِهم الأولى، التي تتطورُ تدريجياً من صراخٍ وبكاءٍ غيرِ مفهومٍ إلى نظامٍ لغويٍّ متكاملٍ مماثلٍ لذلك الذي يملكُه البالغون.

ولكن! كيف يستطيعُ الأطفالُ فعلَ ذلك؟ ما هي العواملُ المؤثرةُ في عمليةِ الاكتسابِ تلك؟ وما هي أهمُّ مراحلِها؟

فلنبحر معاً في عالمِ الأطفالِ المثيرِ للإجابةِ عن تلك الأسئلةِ ضمنَ مقالِنا التالي.

طرقُ دراسةِ لغةِ الأطفال:

اعتمدَ الباحثون المعنيون بدراسةِ التطورِ الباكرِ للغةِ لدى الأطفالِ على الملاحظاتِ الطبيعيةِ، وعادةً ما تركزُ الطريقةُ المتبعةُ على متابعةِ الأطفالِ وتدوينِ الألفاظِ التي ينتجونَها، آخذينَ بعينِ الاعتبارِ اللفظَ والمعنى الظاهريَّ المشارَ إليه، هذا ويحتفظُ معظمُ الباحثين بمذكراتٍ حولَ كيفيةِ تطورِ اللغةِ بدءاً من مرحلةِ الكلماتِ الواحدة. أما في وقتِنا الحاليِّ، فيعتمدُ الباحثون على آلاتِ التسجيلِ الصوتيِّ والمرئيِّ في تسجيلِ استخدامِ الأطفالِ للغةِ بينما، يحتفظون بملاحظاتٍ إضافيةٍ حولَ سياقِ استخدامِ اللغةِ ونشاطاتِ الأطفالِ بشكلٍ عام أثناءَ انتاجِهم لتلك الألفاظ. تتجلّى المرحلةُ الثانيةُ من دراسةِ لغةِ الأطفالِ في تحليلِ كل لفظٍ تم تسجيلُه واتخاذِ قرارٍ نهائيٍّ يتعلقُ بمعنى هذا اللفظِ اعتماداً على عاداتِ الطفل وألعابِه والنشاطِ الذي كان يقومُ به بالإضافةِ إلى ما كانَ يقولُه الآخرون أثناءَ انتاجِ اللفظ. أما الخطوةُ الثالثةُ فعادةً ما تكونُ مرتبطةً باستخدامِ هذه المعلوماتِ للتوصلِ إلى استنتاجاتٍ تتعلقُ بطبيعةِ عمليةِ اكتسابِ اللغةِ، آخذينَ بعينِ الاعتبارِ تطورَ الطفلِ الإدراكيَّ والاجتماعي. عادةً ما يرافقُ الملاحظاتِ الطبيعيةِ بعضَ الدراساتِ التجريبيةَ للتأكدِ من صحةِ النتائجِ ولكن غالباً ما يكون هذا الأمر صعباً وخاصةً في أعمارٍ مبكرة.

مرحلةُ ما قبلَ الإنتاجِ اللغوي:

ينتبهُ الرضّعُ بشكلٍ ملحوظٍ إلى الأصواتِ حولَهم في سنٍّ مبكرةٍ حقاً، وهذا ما يثبتُ قدرتَهم على ملاحظةِ الإختلافاتِ بين أصواتِ الكلامِ قبل بدئِهم بتعلمِ اللغةِ حيث تمثّلُ هذه المقدرةُ شرطاً أساسياً لاكتسابِ بعضِ الأصواتِ اللغويةِ منذ عمرِ السنةِ وإلى ما بعد ذلك. يبدأ الأطفالُ بالانتباهِ إلى مكانِ إصدارِ الصوتِ خلالَ الأيامِ الأولى للولادةِ حيث يقومونَ بإدارةِ رؤوسِهم إلى ذلك المكانِ، وبغضونِ بضعةِ أسابيعٍ يصبحونَ قادرين على تمييزِ الصوتِ البشريِّ عن غيرِه من الأصواتِ، فيتوقفونَ عن البكاءِ عند سماعِ أحدِهم يتحدّثُ عوضاً عن سماعِ صوتِ أحدِهم يقرعُ جرساً. أما عندَ بلوغِ عمرِ الشهرين يبدؤون بالاستجابةِ إلى الخصائصِ العاطفيةِ للأصواتِ البشريةِ، فالأصواتُ الغاضبةُ مثلاً تحثّهم على البكاءِ بينما تحثُّهم الأصواتُ الودودةُ على الابتسامِ والمناغاة. في عمرِ الأربعةِ أشهر يصبحُ الأطفالُ قادرين على التمييزِ بين صوتِ الإناثِ والذكورِ، وفي سنِّ الستةِ أشهر يصبحون قادرين على تمييز حدةِ الصوتِ وإيقاعِه.

عن ماذا يتحدثُ الأطفالُ في سنٍّ مبكرة؟

منذ عمرِ بضعةِ أشهر ينتقلُ الأطفالُ من مرحلةٍ لا يستخدمون فيها أيَّ كلماتٍ إلى مرحلةٍ يستخدمون فيها ألفاظاً أحاديّةَ الكلمة، ومن ثمّ تراكيبَ تتألفُ من كلمتين أو ثلاثِ كلمات. في عمرِ السنتين يبدأ الأطفالُ بدمجِ الكلماتِ للتحدثِ عن مختلفِ أنواعِ الأشياءِ والأحداثِ، وبالرغمِ من قدرةِ الطفلِ في عمرِ السنتين على إنتاجِ تراكيبَ لغويةٍ أطولَ من تلك التي ينتجُها طفلٌ أصغرُ سناً، إلّا أنّ الإثنين يتكلمونَ تقريباً حولَ المواضيعِ ذاتها. يبدو أنّ الأطفالَ يتحدثون عما يعرفونَ بشكلٍ مسبقٍ حيث يبدأون بالحديثِ عن محيطِهم، وهذا ليس بمفاجئٍ نظراً لقضائِهم أكثرَ من سنةٍ في اكتسابِ معلوماتٍ متعلقةٍ بما يحيطُ بهم قبل استخدامِهم للألفاظِ أحاديةِ الكلمة. لهذا لا بدّ لأيِّ باحثٍ في مجالِ اكتسابِ الأطفالِ للغةِ ألا يهملَ ما يعرفُه الأطفالُ قبل الخوضِ في ماهيةِ اللغةِ التي يستخدمونها.

بوادرُ نشوءِ النطقِ الأولي – التطورُ الإدراكي:

1. المرحلةُ الحسيةُ-الحركية:

وفقاً لبياجيه (1951)، تبدأ هذه المرحلةُ ما بين سنِّ السنةِ والسنةِ ونصف عندما يقومُ الأطفالُ بإعادةِ إنتاجِ أحداثٍ من ذاكرتِهم بعد يومٍ أو أكثرَ بقليلٍ، حيثُ يقومُ الأطفالُ بتقليدِ ما حدثَ مسبقاً، وهذا ما يؤكدُ أنَّ الطفلَ قادرٌ في هذه المرحلةِ على تصوّرِ الأحداثِ والأشياءِ في ذاكرتِه. يتمثلُ الجزءُ الأخيرُ من هذه المرحلةِ بثلاثةِ تطوراتٍ أخرى: ترسيخُ ديمومةِ الأشياءِ واكتشافُ الأدواتِ ونشوءُ اللعبِ الرمزيِّ.

يتمكنُ الأطفالُ أولاً من اكتسابِ مفهومِ "ديمومةِ الأشياء" عندما يبدأون بإدراكِ أنَّ الأشياءَ تبقى في مكانِها حتى لو كانت بعيدةً عن النظر، بينما يتمكنون من اكتشافِ الأدواتِ عندما يبدأون باللجوءِ إلى "وسيط" سواءً كان هذا الوسيطُ شخصاً أو شيئاً للحصولِ على ما يريدون. يتمثلُ اللعبُ الرمزيُّ بـ"الادّعاء" فمثلاً من الممكنِ أن يمسكَ الطفلُ بعلبةِ كبريتٍ فارغةٍ ويدّعي أنها سيارةٌ ويبدأ باللعبِ بها على أرضيةِ المنزل. تشيرُ هذه المراحلُ الثلاثةُ إلى أنَّ الأطفالَ أصبحوا قادرين على تمثيلِ الأشياءِ الحقيقيةِ والأحداثِ لأنفسِهم وهذا ما يمهدُ الطريقَ لاكتسابِ أيِّ نظامٍ رمزيٍّ-لغويٍّ قادرٍ على تمثيلِ المعرفةِ والتجاربِ الشخصيةِ لاحقاً ولن يبدأ الطفلُ بإنتاجِ كلماتِه الأولى إلّا بعدَ إتمامِ المرحلةِ الحسيةِ-الحركية.

2. دورُ الأشياء:

يبدأ الأطفالُ بعمرِ السنةِ إلى السنةِ ونصف بتكديسِ نوع محددٍ من المعرفةِ حولَ عددٍ من الأشياءِ المحيطةِ بهم حيث يدركون شكلَها وحجمَها وملمسَها وكيفيةَ حركتِها ونوعَ الأصواتِ الصادرةِ عنها. يمكن تصنيفُ تلك الأشياء وفقاً لما يلي:

- الأشياءُ القابلةُ للتحرك: كالأشخاصِ والحيوانات.

- الأشياءُ القابلةُ للحركةِ: كالألعاب.

- الأماكنُ (التي يعتبرُها الطفلُ أشياءً غير قابلةٍ للحركة): كصندوقِ الألعاب.

- الأشياءُ المستقبلة: كالأشخاصِ الذين من الممكن أن يعرضَ لهم الطفلُ شيئاً ما.

- الأدواتُ: كالملعقة.

إنّ عالمَ الأطفالِ في هذا السنِّ يكونُ محدوداً وهذا ما يميزُه عن عالمِ البالغين، حيث تمثّلُ أصنافُ الأشياءِ آنفةِ الذكرِ بدايةً يستطيعُ الطفلُ من خلالِها تنظيمَ معرفتِه عن محيطِه والخصائص والعلاقاتِ القائمةِ فيه، ليتمكنَ من تعيينِ كلماتٍ محددةٍ لكلٍّ من هذه الأفكار لاحقاً.

الألفاظُ أحاديةُ الكلمة:

عادةً ما يبدأ الأطفالُ بالكلامِ عن الأشياءِ الموجودةِ حولَهم كالحيواناتِ والألعابِ والطعامِ حيث تنتمي الكلماتُ الأولى الأكثرُ تكراراً، والتي تمَّ نطقُها من قِبل 18 طفلاً تمت دراستُهم من قِبل نيلسون (1973) إلى المواضيع التالية:

الطعامُ: حليب، عصير، كعكة.

أجزاءُ الجسم: أذن، عين، أنف.

الملابسُ: حذاء، قبعة، جورب.

الحيواناتُ: كلب، قطة، بطة.

القطعُ المنزليةُ: ساعة، ضوء.

الألعابُ: كرة، مكعب.

المركَباتُ: سيارة، قارب، شاحنة.

الأشخاصُ: ماما، بابا، بيبي.

لا يستخدمُ الأطفالُ هذه الكلماتِ لتسميةِ الأشياءِ حولِهم وحسب، بل لتحديدِ الأدوارِ التي تلعبُها تلك الأشياءُ في وصفِ أيِّ حدثٍ يقع. هذا ما توصل إليه غرينفيلد وسميث (1976) عند دراستِهم لطفلين حيث استنتجوا استخدامَ الأطفالِ لكلماتٍ واحدةٍ لوصفِ أحداثٍ أو حالاتٍ برمّتِها كما توضح الأمثلة التالية:

دادا: عندما يسمعُ الطفلُ بأن أحدَهم قادم.

أسفل: عندما يجلسُ الطفل.

كاكا: عندما يقوم أحدُهم بتغيير حفاظه.

لارا: عند رؤية سرير لارا فارغاً.

الألفاظُ ثنائيةُ الكلمة:

يبدأ الأطفالُ خلالَ بضعةِ أشهر من إنتاجِهم لألفاظِهم أحاديةِ الكلمة بتركيبِ هذه الكلماتِ مع كلماتٍ أخرى للحصولِ على تعابيرَ ثنائيةٍ تحتوي على كلمتين، وعادةً ما تتّسمُ هذه المرحلةُ في بداياتِها على تردّدِ الطفلِ بين الكلمتين ووجودِ مدةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ بينهما كقولِهم "ماما . كرسي" ودمجِهم لها لاحقاً بلفظٍ واحدٍ "ماما كرسي" أي "أمي تجلسُ على الكرسي". تتميزُ هذه الألفاظُ بعدمِ اتّباعِها للترتيبِ النظاميِّ للغةِ، فمن الممكنِ أن يقولَ الطفلُ "أرض قطة" أي "القطةُ على الأرض" أو "بقرةٌ هناك" أي " يوجدُ هناكَ بقرة". من الجديرِ بالذكرِ أنّ هذه الألفاظَ سرعانَ ما تتطورُ إلى ألفاظٍ ثلاثيةِ الكلمة مثل "ميمي دراجة ركب" أو "بابا سبح بركة". يكمنُ الإختلافُ بين الأطفالِ في مرحلةِ الألفاظِ ثنائيةِ الكلمةِ في كيفيةِ ترتيبِ الطفلِ لهذه الكلماتِ، حيث يقومُ كلُّ طفلٍ باختيارِ "صيغةٍ" معينةٍ للتعبيرِ عن علاقةٍ ما، فعلى سبيلِ المثالِ للحديثِ عن موقعِ شيءٍ ما يقومُ بعضُ الأطفالُ بتسميةِ الشيءِ أولاً ومن ثم تسميةِ مكانِه كـ"بابا سيارة" أي "والدي في السيارة"، بينما يتبنى أطفالٌ آخرون صيغةً معاكسةً بتسميةِ المكانِ ومن ثم الشيء كـ"هنا كتاب". إذاً يبدو أنّ الأطفالَ غالباً ما يتحدثون عن أنواعِ الأشياءِ ذاتِها خلالَ انتقالِهم من مرحلةِ الألفاظِ ثنائيةِ الكلمةِ إلى ألفاظٍ أكثرَ تعقيداً، ولكن اختيارَهم للكلماتِ من أجلِ التعبيرِ عن تلك الأشياء يختلفُ بشكلٍ ملحوظٍ بين طفلٍ وآخر.

المراحلُ التفصيليةُ لاكتسابِ اللغةِ عند معظمِ الأطفال:

0-2 شهر: أصواتُ خمولٍ وبكاء.

2-4 شهر: هديلٌ / ضحك.

4-6 شهر: لعبٌ صوتي.

6-10 شهر: مناغاةٌ وبربرة. (دادا، بابا، ماما، نانا، غاغا).

12-18 شهر: إنتاجُ ال50 كلمة الأولى.

18-24 شهر: القدرةُ على فهمِ العلاقاتِ والأدوارِ الدلاليةِ / انبثاقُ الألفاظِ ثنائيةِ الكلمة / توافقُ ترتيبِ الكلماتِ / استخدامُ الألفاظِ التيليغرافية (شديدةُ الإيجازِ وخاليةٌ من الأدواتِ القواعدية) / 50% من الكلامِ يمكن فهمُه و 70% من الأصوات الساكنةِ المستخدمةِ صحيحة.

24-30 شهر: ظهورُ المقاطعِ الصرفيةِ (المورفيمات) / استخدامُ بعضِ صيغِ النفي / صياغةُ سؤالٍ عن طريقِ تغييرِ نبرةِ الصوتِ فقط / ملاحظةُ القوافي.

30-36 شهر: استخدامُ الزمنِ المضارع / تعميمٌ للصيغِ النظاميةِ على بعضِ الصيغِ الشاذة / 75% من الكلامِ يمكنُ فهمُه في سن 36 شهر.

36-42 شهر: استخدامُ الجملِ الضمنيةِ / استخدامٌ لبعضِ أشكالِ الجملِ المركبة / استخدامُ الأفعالِ المساعدةِ في مكانِها الصحيحِ ضمن الأسئلةِ والجملِ المنفية / اكتسابُ الأفعالِ الشاذةِ والأدواتِ وبعضِ صيغِ الملكية.

42-48 شهر: استخدامُ أسئلةِ المعلومات / بعضُ الأخطاءِ في لفظ "س، ر، ل، ث، ذ".

5-7 سنوات: استخدامُ وفهمُ الجملِ المبنيةِ للمجهول / إتقانُ استثناءاتِ بعضِ القواعدِ النحوية / اكتسابُ مفهومِ الكلمات بعيداً عن المشار إليه.

7-9 سنوات: تطورُ البنيةِ النحويةِ اللازمةِ للتفاعلِ الأكاديميِّ / مجملُ النطقِ خالٍ من الأخطاء / استخدامُ المعرفةِ الصوتيةِ للكتابة إملائياً.

9-12 سنة: استخدامُ بنيةٍ نحويةٍ أكثر تعقيداً من تلك المستخدمةِ شفهياً في الموادِّ المدرسيةِ / بعضُ التنوعِ في ترتيبِ الكلماتِ أثناء الكتابة.

12-14 سنة: استخدامُ صيغِ الأفعالِ التامّة / استخدامُ بنيةٍ نحويةٍ أكثر تعقيداً أثناءَ الكتابة / اكتسابُ معرفةٍ تشملُ أسسَ التشديدِ الصوتي.

15-18 سنة: التعقيدُ المستخدمُ في اللغةِ المكتوبةِ وأكثر من ذلك في اللغةِ المحكية / الوصولُ إلى مستوى البالغين في الاستخدامِ النحويِّ التامِّ للغة.

تختلفُ الأعمارُ التي يحققُ بها الأطفالُ هذه الإنجازاتِ اللغويةَ بشكلٍ كبير،ٍ ويُعدُّ الإدخالُ اللغويُّ الذي يتلقاه الأطفالُ عن طريق تفاعلِهم مع مَن حولِهم لغوياً عاملاً حاسماً في تكوينِ مقدرتِهم اللغوية. ضمنَ هذا السياقِ، لا بدّ لنا من أن نتذكرَ بأنّ ما يقولُه الأطفالُ عادةً ما يعكسُ درجةَ فهمِهم لبعضِ الأشياءِ، وبأنّهم يسعون إلى مجاراتِنا لغوياً سواءً في فهمِ ما نقولُ أو في التفاعلِ اللغويِّ معنا، وبهذا يثبتُ أطفالُنا مقدرتَنا اللغويةَ المدهشةَ المقتصرةَ على جنسِنا البشريِّ والتي ينجزونَها في فترةٍ قصيرةٍ نسبياً من حياتِهم ليؤسسوا لنظامٍ لغويٍّ معقدٍ ومتكاملٍ، قادرٍ على أن يعبّرَ عن أيِّ فكرةٍ ملموسةٍ كانت أو مجردةٍ بطريقةٍ إبداعيةٍ مبهرةٍ لا تزالُ تحتاجُ إلى الكثيرِ من الدراسةِ والتحليلِ لاستنباطِ الكثيرِ من الأسرارِ اللغويةِ التي من شأنِها أن تقرّبنا أكثر من فهمِ هويتِنا البشريةِ ككل.

لذا وفي كل مرةٍ تسمعُ فيها طفلاً يبكي أو يصرخ أو يناغي أو يصدرُ أصواتاً غير مفهومةٍ، تذكّر بأن أول الغيثِ قطرةٌ، وأنّ تلك المحاولاتِ ما هي إلا "بثٌّ تجريبيٌّ" يحاولُ الطفلُ من خلالِه إرسالَ "رسائلَ مشفّرةٍ" سرعانَ ما تتطورُ إلى نظامٍ لغويٍّ فريدٍ وشامل، فاصبر وتحمّل ولا تبخل عليه بلغتِك.

المصادر:

Clark، E. & Clark، H. (1977). Psychology and Language. USA: Harcourt Brace Jovanovitch، Inc

هنا