البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

العلماء ينموّن ساقَ ديناصور داخلَ جنين الدجاج

استمع على ساوندكلاود 🎧

حتى زمنٍ قريبٍ جداً، كانت المغالطةُ القائلةُ أنَّ كلَّ الدَّيناصورات انقرضت منذ 65 مليون سنة، أحدَ أكبرِ المُغالطات العلمية، ولكنَّ اكتشافَ أحافيرَ جديدةٍ، قد رمّم معرفتَنا فيما يتعلّق بالدَّيناصورات الطائرة، وبِتنا نعلم اليوم أنّ بعض الدَّيناصورات قد انقرض إثرَ اصطدامِ كويكبٍ بالأرض، وأنّ ما نجا منها، شكّلَ سلفَ الطيورِ التي نعيشُ معها الآن.

رَغمَ أنَّ أجِنَّةَ الطُّيور الحديثةِ، ما تزال تُظهِر علاماتِ تطويرٍ ونموٍ لعظم شظيةٍ طويلٍ يشبه مثيلَه في الدَّيناصورات إلّا أنّه ومع استمرار النمُّو، يصبح هذا العظم أقصرَ وأرقُّ ويأخذ شكلَ عظمٍ منشقٍ عن عظم القصبة، ويكون أقصر منه بحيث لا يمكنه الوصول إلى الكاحل. (انظر الصورة1) و عظمُ الشَّظيَّة هو الأرفع من بين عظمتي الساق، ويكون في الجهة الوحشية (الخارجية). أمّا عظمُ الساق الثاني الذي يُسمَّى القصبة tibia فينمو إلى طولٍ مشابهٍ للعظم الأول لكن في الجهة الأُنسيَّة (الداخلية). (توضّح الصورة2 البنية العظمية للسَّاق)

ولمعرفة آلية حدوث هذا التطور، عمل باحثون في تشيلي على تعديل جيناتِ الدجاجِ، فطوّروا بنيةً أنبوبيةً تُشبهُ عظم الشَّظيَّة Fibula عند الديناصور. يكون عظمُ الشَّظيَّة عند الدَّيناصورات الطائرةِ كالـ الأركيوبتركس Archaeopteryx أنبوبيَ الشَّكلِ ويصلُ طولُه حتى عظم الكاحل.

ومع استمرار تطوِّر مجموعةٍ من الدَّيناصورات الطائرة التي تُعرَف باسم Pygostylians وهي مجموعةٌ من الدَّيناصورات تميَّزت بذيلٍ قصيرٍ مقارنةً مع الذيل البدائي الذي يشبه ذيل الزواحف في الأركيوبتركس، أصبح عظمُ الشَّظيَّة أقصرَ من عظم القَصَبة وأكثرَ حدّةً وكأنَّه جزءٌ منشقٌ من عظم القصبة ولا يصل إلى عظم الكاحل.

كيف حدث هذا الانتقالُ من عظمٍ أنبوبي طويلٍ هو الشَّظيَّة في الدَّيناصورات، إلى عظمٍ قصيرٍ يظهر وكأنَّه منشقٌ عن عظم القصبة في الطيور؟

لمعرفة ذلك، عملت مجموعةٌ من الباحثين بقيادة Joâo Botelho في جامعة تشيلي، على تثبيط التعبيرِ الوراثي لمورثةِ IHH التي تُسمَّى أيضاً مورثة القنفذ الهندي Indian Hedgehog ، وقد لوحِظَ بتثبيطها أنّ الشَّظيَّة في أجنةِ دجاجِ التجربة، تنمو على نحوٍ مُماثلِ للعظم الأنبوبي الطَّويل في الدَّيناصورات.

فما سبب هذا الاختلافِ في طولي عظمي الساق وشكلهما؟

في حالة نموِّ العظم الطويل الطبيعي، يتوقف الانقسامُ الخَلوي في محورِ العظمِ أولاً، بينما يستمرُّ الانقسامُ في النهايات الناميةِ لوقتٍ أطولَ، ولكنَّ ذلك لا يحدث في سلالات الدجاج الحديثة، إذ يتوقف النمو في نهايات عظم الشَّظيَّة أولاً، ما يعني أنَّ هذا العظمَ لن يستطيعَ الوصولَ إلى الطولِ الذي كان يصلُ إليه عند أسلافِه من الدَّيناصورات، ويشير الباحثون إلى أنَّ النضوجَ المبكرَ للنهاية السُّفلى لعظم الشَّظيَّة في الدجاج يحدث بتحريضٍ من أحد عظام الكاحل الذي يُسمّى العَقِب Calcaneum

وبخلاف غيرها من الحيوانات يضغطُ عظم العًقِب في أجنة الطيور على النهاية السفليَّة لعظم الشَّظيَّة، ويشير الفريق أنَّه في الدجاج العادي يؤدي التفاعل بين العقب والنهاية السفليَّة لعظم الشَّظيَّة إلى نتائجَ مشابهةٍ لتلك التي تحدث في محور العظم مؤديةً إلى توقف النموِّ، مانعةً وصولَ عظم الشَّظيَّة إلى عظم الكاحل في الدجاج.

ولكن بإيقاف تعبير مورثة IHH سمح عظم العَقِب بالتعبير الجيني للمورثات المسؤولة عن تحرير البروتين المرتبط بالغدة الجار درقية الذي يسمح بنموِّ نهاياتِ العظم، الأمر الذي أدى إلى نموَّ عظم الشَّظيَّة في الدجاج وصولاً إلى الكاحل تماماً كما كان ينمو في الدَّيناصور الطائر الأركيوبتركس. يشيرُ التثبيطُ التجريبي للمورثة IHH في المرحلة التي تلي تكوّن العواملِ المسؤولة عن تشكلِ العظم، إلى تشكلِ عظمتي القصبة والشَّظيَّة بطولٍ متساوٍ.

ولسوء الحظِّ لم يستطعْ الفريقُ البحثيُّ أن يصلَ بهذه الأجنةِ إلى مرحلةِ الفقس. وعلى أيةِ حال فإنّ هدف البحث لم يكن الوصولَ بهذه الأجنَّةِ إلى مرحلة البلوغ، بل معرفةَ العملياتِ البيولوجيةِ التي أدَّت إلى الانتقالِ من عظامِ ساق الدَّيناصورات التي تتألف من عظمتين طويلتين، إلى عظامِ ساق الطيور الحديثة التي تتألف من عظمةٍ واحدةٍ تلتصق بها شظيةٌ حادةٌ.

تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّها ليستِ المرةَ الأولى التي يُجرى فيها تخليقُ أجزاءٍ من جسمِ الدَّيناصور في أجنة الدجاج، إذ نجحَ باحثون من الولايات المتحدة في تنميةِ ما يُشبه "منقار" ديناصور في أجنَّة الدَّجاج. ولا يبدو أنّها ستكون الأخيرة!

المصادر:

هنا

هنا

هنا