العمارة والتشييد > عمارة افتراضية ورقمية

العمارة الافتراضية، وحدود التصميم المستقبلية!

استمع على ساوندكلاود 🎧

أثَّرت التطورات الرقميَّة الجديدة على معظمِ الصناعات التي نعرفها، ولكنَّ العمارة بقيت دونَ تغييرٍ يُذكر محصورةً ضمنَ الأُطُر الماديَّة، حتى جاءَ الواقعُ الافتراضي ليغيِّرَ الطريقةَ التي نتعاملُ بها مع الفراغات المعماريَّة إلى الأبد، إذ يتألَّفُ واقعُنا من عدَّةِ تعابير مختلفة ولكلِّ حضارةٍ نموذجها الخاص بمكوِّناته وخصائصهِ المميَّزة، ولكنَّ انخراطنا ضمنَ مجتمعِ الوسائطِ المتعدِّدة كواقعٍ هجينٍ ومعقَّد أثَّرَ على العمارة، لتُستكمَلَ التكويناتُ الماديَّة والخياليَّة مثل الأفلام وألعاب الفيديو والإعلانات والهيكليَّات الافتراضية.

ويُعَدُّ الواقعُ الافتراضي أحد المؤثِّرات في حياتنا؛ فهو ليس بُعدًا مستقلًّا ومنفصلًا عن الواقع الحقيقي بل جزء منه، ومن أجلِ العمل في هذا المجالِ الواسع أصبح تعلُّمُ مهاراتٍ معماريَّةٍ جديدةٍ إضافةً إلى تمكيننا من العمل على أجهزةِ العرضِ الجديدة مثل Rift Oculus  و VR Gearو Googleضروريًّا من أجل مواكبة التطورات الحاليَّة والمستقبليَّة في العالم.

نحنُ نعيشُ اليوم في وقتٍ اندمجَ فيه الواقعان الحقيقي والخيالي في منازلنا وشاشاتِ التلفاز، وفي عصرٍ تجاوزت فيه التكنولوجيا حدودَ الإنترنت، وهذا ليس إهمالًا للواقعِ الحقيقي بل سعيًا لجعلِ المستخدم يعيشُ التَّجربةَ الكاملة في بعض الأماكن، فعندما نرى طريقةَ تحويلِ بعض فراغاتِنا الماديَّة كالمكتبة إلى العالمِ الرقميّ نلاحظُ أنَّها تفقدُ العديدَ من الميِّزات، ممَّا يستدعي حاجة العديد من الواجهات الرقميَّة إلى إثرائِها بمنظورٍ معماري عن طريق فهمٍ جديدٍ للمقياس والنسب والضوء والمواد وتزامنها مع المجتمع، إذ يمكن أن تطوِّر تكنولوجيا الواقع الافتراضي VR تصفُّحَ الإنترنت ليتجاوز استعراضه الشاشةَ المسطَّحة.

إنَّ المنصَّةَ التَّفاعليَّةَ الجديدة التي تمكِّنكَ من التَّنقُّل على نحوٍ ثلاثي الأبعاد تضفي بعدًا جديدًا للتواصلِ بينَ البشرِ والمنتجات والشركات والمعلومات، وتفتحُ عالمًا جديدًا من الفرص كقوائم الطلب ثلاثيَّةِ الأبعاد المهيَّأة في المكان، والشبكات ثلاثيَّة الأبعاد مع المنظّومات الطبوغرافيَّة، وحركة جسم الإنسان والقدرة الإدراكيَّة للدماغ، إضافةً إلى تجربةٍ أكثر جاذبيَّة وحسيَّة وعاطفيَّة للمستخدم.

ومن الدروسِ الرَّئيسة التي تعلَّمناها من العالم الرقميّ فكرةُ عدمِ حاجتِنا لامتلاك الأشياء بعد الآن، ليتفوَّقَ الوصولُ إلى الأشياء على امتلاكها.

وقد تخطَّى معماريو شركة Mi5  الحدودَ التي رسمتها التقاليد منذ أكثر من عشر سنوات، إذ يعتقدون أنَّ الواقعَ الافتراضي هو الوسيلةُ المثلى لاستكشافِ الاحتمالات التجريبيَّة للفراغات بطرقٍ جديدة، فعمارةُ الواقعِ الافتراضيّ وسيلةٌ تسمحُ لنا بدفع إدراكنا للعمارةِ الحقيقية إلى أبعد حد وتخيُّل الممكن دون قيود ومعوقات الفراغات الحقيقيَّة.

ونظرًا لتحديَّاتِ مهنة العمارة وأزمةِ المواردِ الطبيعيَّة التي لا يمكنُ إنكارها ونهضة الواقع الافتراضي، فقد حانَ الوقت للتخلُّصِ ممَّا تعلَّمناه وخلق فراغاتٍ جديدةٍ لعصرِنا، كفرصةٍ في الواقع الافتراضي لخدمةِ المجتمَع الموسَّع، لنصمِّمَ بيئات المنظمَّات الرقميَّة بعددٍ لا نهائيٍّ من الأشخاص.

ويدرسُ معماريو Mi5 أيضًا نوعِ الفراغاتِ التي يهتمُّ المجتمعُ بالعيش فيها والأغراض التي يمكنُ أن تقدِّمها هذهِ الفراغات من الاسترخاءِ أو التعلُّم أوالتَّرفيه، ومن ضمنها السِّياسات الجديدة الخاصَّة بالحياة المنزلية لتظهرَ فراغاتُ تجمُّعٍ جديدة مخصَّصة للنقاش أو سيناريوهات استثنائيَّة مقدَّمة من قبل المستخدم يمكن فيها الاجتماع مع الأصدقاء، وتُعَدُّ منصَّات التلاقي مثل Convrge و Life Secondمثيرةً لإيحاءاتٍ معماريَّةٍ مهمَّة.

ما معنى أن نحرِّرَ أنفسنا من الجاذبيَّة؟ وما هي احتمالاتُ الفراغاتِ المتكرِّرة المتأثِّرة ببيانات الاستخدام؟ وما هي الفرص التي تعتمد على الألعاب مثل التفاعل والانتقال افتراضيًّا؟

يفتحُ الواقعُ الافتراضي أشكالًا جديدةً من العمارة، إذ تتغيَّرُ نظرتُنا وطريقةُ تعاملنا مع الأشياء، كعرض التَّجربةِ الافتراضيَّة التي ينبغي على المتحف أن يستخدمها لإظهارِ قطعهِ المؤرشفة، وتأثُّر الزائر برحلةٍ تقليديَّةٍ لسلسلةٍ من الفنادق، أو تجربة العلامة التجاريَّة لشركةِ صناعةِ الأدوية، ونكتشفُ مع كلِّ هذه التطبيقات أشكالًا معماريَّةً جديدةً للعالم الرقمي طرقًا جديدةً لفهمِ الفراغ المادي، إذ يتحرَّكُ تطوُّرُ التجاربِ الرقميَّة من شاشاتٍ ثنائيَّةِ الأبعاد إلى بيئاتٍ ثلاثيَّةِ الأبعاد تضعُ الفردَ في الوسط، ولا يمكننا أن ننكر أنَّ للمهندسيين المعماريين خبرةٌ في ذلك، إذ يحتاجُ العالمُ الرقميّ معماريين بقدر حاجةِ المعماريِّين إلى العالم الرقمي.

تمكِّننا الهندسةُ المعماريَّةُ بكامل إمكانيَّاتها في الوقت الحاضر من ابتكارِ عالمٍ افتراضيٍّ جديدٍ يمكنُه تغييرُ قواعدِ العمارةِ التَّقليديَّة وترك الباب مفتوحًا أمامَ خيالِ المعماريّ والمستخدم وهذا ما يحاولُ المعماريُّون في مكتب Mi5 وغيرهم تحقيقه، فهل ترون هذا النَّوعَ من التَّجديدِ المعماريّ أمرًا إيجابيًّا؟ وهل تحبِّذون فكرةَ تصميمِ المهندسِ المعماري البناء وتنفيذه افتراضيًّا عوضًا عن تنفيذهِ على أرضِ الواقع؟

المصدر:

هنا